مصر نحو إغلاق المقاهي ليلاً

15 ديسمبر 2018
أحد مقاهي مصر (محمود خالد/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد موافقة مجلس النوّاب المصري مؤخّراً على فرض ضرائب على عربات الطعام المتنقلة، تجدّدت المطالبات بوضع مواعيد لإغلاق المقاهي وعددها نحو 2.5 مليون مقهى، وفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إضافة إلى المحال التجارية في كافة محافظات المحروسة. ووصل الأمر بالبعض إلى المطالبة بفرض ضرائب ورسوم جديدة على تلك المحال، ما أثار غضباً واستياء من قبل أصحابها.

وكانت الحكومة المصرية قد أعدّت مشروع قانون ينصّ على إغلاق المحال التجارية والمقاهي ليلاً، وعرضته على مجلس النواب للموافقة عليه. وهو القانون الذي تناقشه في سرية تامة لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب باسم مشروع قانون "المحال العامة"، الذي يحدد قواعد وشروط وإجراءات منح التراخيص المحال، بالتعاون بين وزيري التنمية المحلية محمود شعراوي والداخلية محمود توفيق والمحافظين، باعتبار أن المقاهي تعيق المرور وتزيد نسب التحرش وتجارة المخدرات، كما تؤدي إلى هروب التلاميذ من مدارسهم للتسكع فيها. وترى الحكومة المصرية أن إغلاق المحال بصفة عامة ليلاً سيؤدي إلى ترشيد استهلاك الكهرباء.




وتشير تقارير إلى أن شعراوي التقى بعدد من المحافظين، من بينهم محافظو القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية)، كونه يرأس المحافظين إدارياً، وطلب من المحافظين حصر المقاهي، تمهيداً لفرض ضرائب ورسوم إدارية للترخيص، بحسب نوع ونشاط المحال، على غرار عربات الطعام المتنقلة، تمهيداً لإصدار قانون بإغلاقها ليلاً في وقت معيّن.

يُعيد هذا الأمر إلى الأذهان ما حدث عام 2012، عندما حاول مجلس الوزراء إلزام كافة المحال الإغلاق في العاشرة مساء، في وقت كانت مصر تعاني فيه من أزمة كبيرة في الطاقة والانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً. وعلى الرغم من محاولة الحكومة إغلاق المحال، وإعلانها فرض غرامات على الممتنعين، إلا أنها لم تنجح في تطبيق القرار، واستمر الحال على ما هو عليه حتى فوجئ الأهالي وأصحاب تلك المحلات بتجديد تلك القرارات مرة أخرى.

قلة مراكز الشباب
ويرى رافضو إغلاق المقاهي أنّها المتنفّس الوحيد لعدد من الشباب والعاطلين من العمل والمتقاعدين، في ظل عدم توفر فرص عمل وقلة عدد مراكز الشباب في المحافظات، وعدم وجود أية إمكانات. وتنتقد تقارير أوضاع مراكز الشباب في المحافظات، مطالبة بترميمها قبل التفكير في إغلاق المقاهي التي أصبحت متنفساً لكثير من الشباب. وتؤكّد التقارير أنّ مراكز الشباب تعاني نقصاً في الإمكانات المادية، ما أدى إلى ضعف دورها، عدا عن صغر مساحتها. وأصبحت تلك المراكز أشبه بـ "الخرابة".

أمر يؤكده عضو مجلس النواب عاطف مخاليف، مطالباً بضرورة تصحيح أوضاع مراكز الشباب قبل إغلاق المقاهي ليلاً، وإيجاد فرض عمل للشباب، وموضحاً أن مشروع القانون هذا يحتاج إلى دراسة دقيقة وتقديم بدائل للشباب. يضيف: "يجب مراعاة عادات وموروثات المجتمع المصري"، مشيراً إلى أن وجود المقاهي في الشوارع، خصوصاً في المناطق الشعبية، يمنح المواطنين شعوراً بالأمان بسبب وجود الناس فيها حتى الصباح. ويرفض عضو مجلس النواب فتحي الشرقاوي إغلاق المقاهي ليلاً، خصوصاً أن أكثر من يقصدها هم المتقاعدون والعاطلون من العمل. وفي حال عدم توفير بديل مناسب لهم، سيذهب هؤلاء إلى أماكن مشبوهة، ما سيؤدي إلى أضرار أكبر على المجتمع، وزيادة نسبة المخدرات والجريمة.

مصدر رزق
ينتقد صبحي إبراهيم، وهو صاحب مقهى، مشروع القانون الذي يناقشه مجلس النواب وينصّ على إغلاق المقاهي ليلاً، مؤكداً أنها مصدر رزق. وعادة ما يعمل في المقهى أربعة إلى ستة أفراد، ولدى هؤلاء عائلات، نافياً مزاعم الحكومة حول مسؤولية المقاهي عن حدوث مشكلات وجرائم، موضحاً أن معظم المقاهي تغلق ليلاً، وتلك التي تبقى أبوابها مفتوحة يقصدها المتقاعدون. ويتّهم الحكومة بالعجز عن ضبط الشارع، لتلجأ إلى تحميل المقاهي المسؤولية في "الاتجار بالمخدرات". ويوضح أنّ بعض التجار يبيعون المخدرات علناً وفي شوارع معينة، والحكومة على علم بأماكن هؤلاء.

أمّا سعد محمد، وهو صاحب مقهى، فيقول إن المقاهي متنفس لكثير من الأهالي، لافتاً إلى أن مزاعم الحكومة حول أن المقاهي مسؤولة عن مشكلات العائلات، وهروب التلاميذ من المدارس، كاذبة. ويوضح أن كثيراً من المترددين علينا هم من أصحاب الدخل المتوسّط وأهل المنطقة.




يضيف صاحب مقهى آخر يدعى حسني محمود أن المقاهي ليست بدعة مصرية، بل هي موجودة منذ زمن طويل ويتردد عليها كثير من المثقفين، مضيفاً أن عمل المقاهي ليلاً يضفي نوعاً من الأمن والأمان على الشوارع المصرية، وإغلاق المقاهي خسارة اقتصادية لشركة الكهرباء من الناحية الاقتصادية. من جهة أخرى، فإن التجمع في المقاهي عادة قديمة تجمع المصريين. كما أن رواد المقاهي سيستهلكون الطاقة الكهربائية في البيت إذا ما أغلقت المقاهي، عدا عن زيادة المشكلات الأسرية.