وأشارت المنظمات في بيانها، إلى أن اليوم العالمي للصحافة يتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لحملة السلطات المصرية الموسعة لحجب المواقع الصحافية والإعلامية - 98 موقعًا صحافيًا حتى الآن، حسب أحدث حصر لمرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير - واستمرار رفض السلطات المصرية الإفصاح عن الجهة المسؤولة عن الحجب والإطار القانوني الناظم لذلك، فضلاً عن محاولات من داخل البرلمان لتقنين هذا الحجب، ومذكرًا بمرور عامين على اقتحام مقر نقابة الصحافيين للمرة الأولى في تاريخها، في مايو/أيار 2016، بعد أزمة كبيرة نشبت بين النقابة ووزارة الداخلية نجم عنها إحالة نقيب الصحافيين السابق وعضوين بمجلس النقابة للمحاكمة العاجلة.
وقالت "عام جديد تستمر فيه الانتهاكات بحق الصحافيين، بمُعدَّل قد يكون أقل كميًا عن سابقيه، لكنه متفرد نوعياً في جسامة انتهاكاته وفجاجتها. ففي هذا العام وصل عدد الصحافيين المحبوسين إلى 21 صحافيًا، أحدثهم رئيس تحرير موقع مصر العربية، الكاتب الصحافي عادل صبري، والذي أمرت نيابة الدقي أخيرًا بتجديد حبسه في القضية 441 لسنة 2018 أمن دولة، بعد أن وجَّهت له أربعة اتهامات، هي نشر أخبار كاذبة، والتحريض على تعطيل أحكام الدستور، والانضمام لجماعة محظورة والتحريض على التظاهر".
كما أشار البيان إلى ما نشرته إدارة جريدة "المصري اليوم"، الواسعة الانتشار، من قرار بإقالة رئيس التحرير من منصبه، على خلفية الأزمة التي تعرضت لها الجريدة مع الهيئة الوطنية للانتخابات، وتقدمت على أثرها الهيئة بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام، بسبب مانشيت عدد الجريدة الصادر في 29 مارس/آذار حول حشد الدولة للناخبين، وما بثه موقعها الإلكتروني من تصريحات للمرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى، وإدلائه بصوته للمرشح المنافس له. وقد ألزم المجلس الجريدة بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للانتخابات، وتغريم الجريدة 150 ألف جنيه. وعلى خلفية الواقعة نفسها، أحال النائب العام المستشار نبيل صادق لنيابة أمن الدولة في 29 مارس/آذار بلاغًا يتهم "المصري اليوم" بإهانة المصريين، وبعد التحقيق مع رئيس التحرير، و8 صحافيين بالجريدة، قررت نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيل رئيس التحرير بكفالة مالية 10 آلاف جنيه، بعد توجيه اتهامات له بنشر الصحيفة أخبارًا كاذبة وبيانات غير صحيحة، عندما كان يرأس تحريرها.
وأضافت المنظمات "في هذا العام أيضاً، ارتفعت وتيرة محاكمات الصحافيين أمام القضاء الاستثنائي؛ إذ نظرت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ عدداً ليس بقليل من القضايا بحق صحافيين، أبرزها القضية المعروفة إعلاميًا بـ(مكملين2) والقضية 441 لسنة 2018 والمعروفة إعلاميًا بالخلايا الإعلامية لجماعة الإخوان. وفي هذا السياق أيضا، تستمر وقائع محاكمة الصحافي إسماعيل الإسكندراني بتهمة إشاعة أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون أمام النيابة العسكرية، والتي فاجأت هيئة الدفاع بإحالة القضية للمدعي العام العسكري في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما قضى الإسكندراني أكثر من عامين رهن الحبس الاحتياطي".
كما شهد هذا العام أيضاً إصدار حكم نهائي باتّ بحق ثلاثة صحافيين مصريين، هم: عبد الله الفخراني وسامح مصطفى (الصحافيان بشبكة رصد الإخبارية) ومحمد العادلي، المذيع بقناة أمجاد الفضائية، إذ أيّدت محكمة النقض الحكم الصادر بحقهم من محكمة جنايات الجيزة، في مايو الماضي، بالسجن المُشدَّد 5 سنوات، وذلك بعدما قضوا 5 سنوات رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية، بحسب البيان.
وتابعت المنظمات "من جانبها لم تتوقف النيابة العامة عن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته للتنكيل بالصحافيين، ويُعد استمرار حبس المصوِّر الصحافي محمود أبو زيد، الشهير بـ(شوكان)، أوضح مثال على ذلك، إذ يقضي شوكان حاليًا عامه الخامس من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة بـ(فض رابعة)، رغم أنه يُعاني من مرض مُزمن (أنيميا البحر الأبيض المتوسط) ويحتاج لعناية طبية متواصلة، فضلاً عما يواجه من تعنت غير مفهوم من السلطات المعنية بشأن تلقيه العلاج الملائم لحالته التي تزداد سوءًا".
وكان شوكان قد حصل أخيرًا على جائزة حرية الصحافة الدولية لمنظمة اليونسكو العالمية، وسط استهجان الخارجية المصرية التي نددت في خطاب رسمي لليونسكو بذلك، متغافلة أن الاتهام الموجه لشوكان لا يُمثل إدانة ثابتة. "شوكان" حصل أيضا في 2016 على جائزة حرية الصحافة من معهد الصحافة الوطني بواشنطن.
وقالت المنظمات إن "هذا المناخ المصادر لحرية الإعلام، يأتي استجابة لتكليف النائب العام المستشار نبيل صادق، في إبريل/نيسان الماضي، لرؤساء النيابات والمحامين العموم كُلٌ في دائرة اختصاصه بمتابعة ما يُنشر أو يُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة وإحالة أي مخالفة للتحقيق الجنائي، مستخدمًا مصطلح الرئيس المكرر في وصف وسائل الإعلام المختلفة بـ(قوى الشر) دون تحديد أو تعريف. هذا التكليف جاء في أعقاب خطاب الرئيس السيسي في افتتاح مدينة العلمين الجديدة في الشهر نفسه، والذي أكد فيه أنه لن يسمح بانتقاد أجهزة الشرطة والجيش، معتبرًا أن هذا الانتقاد بمثابة خيانة عظمى".
واعتبرت المنظمات هذه الوقائع ما يفسّر مصطلح "رُهاب الإعلام" الذي اختارته منظمة مراسلون بلا حدود، وهي منظمة دولية مهتمة بحرية الصحافة، مقرها فرنسا، لوصف الوضع في بلدان مثل تركيا أو مصر في تقريرها بشأن التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2018 والذي عنونته بـ"كراهية الصحافة تُهدِّد الديمقراطيات"، حيث أشارت المنظمة الفرنسية إلى أزمة تعميم الاتهامات بالإرهاب ضدّ الصحافيين وسجن غير الموالين منهم اعتباطيًا.
وأضافت "وفيما أكدت الأمانة العامة للأمم المتحدة في احتفالها باليوم العالمي لحرية الصحافة، على أهمية تهيئة بيئة قانونية تمكينية لحرية الصحافة، يتأخر صدور قانون الصحافة المُنظِّم لمهنتي الصحافة والإعلام وحقوق وواجبات الصحافيين للعام الثالث، بينما صدر قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، والمعني بتشكيل وصلاحيات واختصاصات المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، لنصبح بذلك أمام مشهد إعلامي تحكمه هيئات تنظيمية جديدة، في محاولة لضبط مناخ يعمل بأحكام قانون قديم (قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996) لا يتماشى مع شكل البنية التشريعية الجديدة للمشهد الصحافي والإعلامي، الأمر الذي اقتصر دور تلك المجالس والهيئات على الوجه الرقابي فقط بدلًا من الدور الأصيل في تنظيم المهنة وتمكين ممارسيها من العمل في بيئة ملائمة".
وقالت المنظمات "منذ إنشائه، اهتم المجلس الأعلى للإعلام بتشكيل ثنائيات رقابية مع نقابتي الصحافيين والإعلاميين هدفها إحكام قبضة الرقابة على كل ما يخرج للجمهور، في عداء واضح للصحافة وكل وسيط من شأنه نقل المعلومات أو تقديم رواية بديلة عن الأحداث غير تلك الرواية الرسمية التي تتبنّاها الدولة وتحتكرها، ولعل هذا يفسر أيضا تأخُر صدور قانون حرية تداول المعلومات، الذي كان يفترض أن يعده المجلس الأعلى من خلال لجنة شكلت هذا العام".
وتابعت "وبالمنطق نفسه تعمل الهيئة العامة للاستعلامات، خاصة بعد تولّي الكاتب الصحافي ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ضياء رشوان رئاستها، إذ تلعب دوراً رقابياً جديداً ولكنه موجَّه لكل ما يُنشر أو يُبث عن الدولة المصرية في وسائل الإعلام الأجنبية، ما نجم عنه العديد من الأزمات بين الهيئة وعدد من المؤسسات الدولية، بينها وكالة رويترز، وبي بي سي". وكانت أزمة تضارب أعداد ضحايا حادث الواحات العام الماضي دالّة بشكل كبير على النهج الجديد لعمل الهيئة، والذي برز أخيرًا، تحديدًا في مارس الماضي، بعدما رحَّلت السلطات المصرية – بناء على رأي الهيئة – صحفية التايمز الإنكليزية بيل ترو، بزعم عملها دون تصريح ومخالفتها قواعد العمل المعلنة من الهيئة العامة للاستعلامات.
وأضافت المنظمات "وبدوره، ساهم المجلس الأعلى للإعلام أيضًا في إهدار سيادة القانون حينما تخلى عن دوره في حماية المنافسة ومنْع الاحتكار في سوق الإعلام، في ظل شُبهات واسعة حول تدخُّل جهات سيادية بشكل مباشر في عمليات انتقال للملكية في سوق الإعلام، كان من بينها عملية انتقال ملكية مجموعة (إعلام المصريين) المالكة لعدد كبير من وسائل الإعلام والصحافة ذات التأثير الواسع لصالح مجموعة (إيجل كابيتال) المملوكة للسيدة داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر، وتُعد (إيجل كابيتال) أحد أشكال الاستثمارات التابعة لجهاز المخابرات العامة، بحسب تقارير صحافية متداولة. كذلك صفقة شراء مجموعة (فالكون) للخدمات الأمنية لشبكة قنوات الحياة المملوكة للدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد الليبرالي. (فالكون) هي مجموعة مالية يرأس مجلس إدارتها وكيل جهاز المخابرات الحربية السابق. مثل هذه الصفقات لم تحظ بأي اهتمام من المجلس الأعلى للإعلام رغم الشُبهات التي تدور حولها، ولو من باب تقصِّي الحقائق بشأن تلك العمليات ومدى تأثيرها على مناخ المنافسة الحرة والشفافة في سوق الإعلام".
"أخيرًا، يبدو أن العنوان الذي اختارته الأمم المتحدة لذكرى اليوم العالمي للصحافة هذا العام: (توازُن القوى: الإعلام والعدالة وسيادة القانون)، يضع يده على واحدة من أهم الأزمات التي تواجه المناخ العام لحرية الصحافة في مصر، وغياب الضمانات القانونية لحرية الصحافة، فهذا الاهتمام للأمم المتحدة بدور سيادة القانون في توفير ضمانات قانونية لحرية الصحافة لم تعكسه الإرادة السياسية المصرية، فالبيئة القانونية الحاكمة لحرية الصحافة والإعلام في مصر غير تمكينية بالمرة، بل على العكس هي بيئة خانقة وشديدة الخطورة بأمن وسلامة وحرية الصحافيين والإعلاميين"، بحسب البيان، الذي أضاف "ناهيك عن مساعي أجهزة الدولة في فك وتركيب البنية التشريعية والقانونية والهيكلية المنظمة للصحافة والإعلام في مصر بالكامل".
ودللت المنظمات "فعلى سبيل المثال ألغى الدستور المصري (2014) بشكل نهائي في مادته 71 الحبس الاحتياطي في قضايا النشر إلا في ثلاث حالات حصرًا، وهي التمييز بين المواطنين، التحريض على العنف والطعن في أعراض الأفراد، إلا أنه وفقًا لنقيب الصحافيين عبد المحسن سلامة، فإن القوانين المصرية المختلفة تحتوي على 35 مادة تُجيز حبس الصحافيين في قضايا نشر، ولعل بموجب أحدها تم حبس الصحافي بجريدة (هافينغنتون بوست- عربي) معتز شمس الدين ودنان، على ذمة القضية 441 لسنة 2018 على خلفية نشره حوارًا مُسجلًا مع المستشار هشام جنينة (المحبوس حاليًا بسبب الحوار ذاته) عن حملة المرشح الرئاسي المستبعد والمحبوس حاليًا أيضًا سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية سابقًا، وهو الحوار الذي رأته السلطات المصرية يتضمن أكاذيب ويستهدف النيل من استقرار البلاد".
وأعادت المنظمات التأكيد على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للحكوماتِ: "(ونخُص هنا الحكومة المصرية) إلى تعزيز حرية الصحافة وتوفير الحماية للصحافيين، وتطالب بتوفير المناخ القانوني الضامن لحرية عملهم".
المنظمات الموقعة هي: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم.