استنكرت 12 منظمة حقوقية، إحالة 41 قاضياً للمعاش بناءً على قرار مجلس التأديب والصلاحية، الذي صدر يوم السبت 14 مارس/ آذار الجاري؛ بسبب إصدارهم لبيان يعبرون فيها عن موقفهم من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، معتبرة أن الهدف من الأحكام ترهيب القضاة من مخالفة السلطة الحاكمة.
واعتبرت المنظمات الموقعة على البيان أن قرار إحالة 41 قاضياً، يتعارض مع المعايير الدولية بشأن استقلال السلطة القضائية –التي اعتمدتها الأمم المتحدة– والتي تنص في البند رقم 8 على أنه "وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائماً، لدى ممارستهم حقوقهم، مسلكاً يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء".
وأوضح البيان أن محاكمة القضاة وغيرهم من المواطنين لإبدائهم الرأي في المسائل السياسة، من شأنه تقويض حرية التعبير عن الرأي، التي كفلها الدستور القائم، هذا بالإضافة إلى أن مثل هذه المحاكمات تخالف المادة 87 من الدستور التي أوجبت على المواطنين المشاركة في الحياة العامة باعتبارها واجباً وطنياً.
ورأت المنظمات أن السبب الحقيقي لإحالة هؤلاء القضاة للمعاش، ليس اشتغالهم بالسياسة، كما تقول أوراق القضية والتحقيقات، بل هي محاكمة على رأي معلن يتعارض مع الإدارة الحاكمة الآن، خاصةً في ظل غياب معايير محددة للأفعال التي تستوجب إحالة القاضي للتأديب، أو فقدانه صلاحية ولاية القضاء.
إذ منح قانون السلطة القضائية مجلس التأديب سلطة مطلقة في الاختيار بين السير في إجراءات المحاكمة أو إخضاع الأمر لرؤيته.
"إن إعلان القضاة لآرائهم ومشاركتهم في الحياة العامة أمر ليس بجديد، فقد شارك عدد كبير من القضاة في احتجاجات 25 يناير 2011، كما شارك عدد أخر –بل واعتلوا المنصات في الميادين– أثناء احتجاجات 30 يونيو 2013. بل وصل الأمر إلى إبداء قضاة لآراء ومواقف سياسية في دعاوى ينظرون فيها بالفعل –وأثناء اعتلائهم منصة القضاة– وهو ما يعتبر خرقاً لكافة الأعراف القضائية في العالم كله، وذلك دون أن يتم تحويلهم لمجلس تأديب أو فقدانهم الصلاحية لولاية القضاء أو مساءلتهم، بل إنهم مستمرون في مواقعهم على منصة القضاء وتُحال لهم قضايا بعينها للفصل فيها"، بحسب البيان المشترك.
جدير بالذكر أن المادة 73 من قانون السلطة القضائية قد حددت المقصود بحظر اشتغال القضاة بالسياسة، في عدم جواز الترشح لانتخابات مجلس الشعب أو الهيئات الإقليمية أو التنظيمات السياسية إلا بعد تقديم الاستقالة.
وقد أكدت على ذلك فتوى من مجلس الدولة رقم 351 لسنة 4 قضائية، والتي انتهت إلى أن المقصود بالحظر هو الاشتغال بالسياسة اشتغالًا فعليًا، الأمر الذي من شأنه أن يجعل للقضاة رأيًا ظاهريًا في الخلافات الحزبية، وهو ما يجب على القاضي الامتناع عنه.
هذا بالإضافة إلى أحكام سابقة صادرة عن مجلس التأديب والصلاحية نفسه، الذي سبق ورفض طلب التأديب في الدعوى رقم 7 لسنة 2014 لأحد القضاة المقامة ضده من قبل النائب العام، واكتفى المجلس بالتوصية والتنبيه بعدم تكرار الأفعال التي أتاها، والتي كانت سندًا للنيابة العامة في اتهامه، ومن بينها الإسراف في الظهور في وسائل الإعلام والحديث إلى وسائل الإعلام في
أمور ذات شأن سياسي مختلف عليها والتعليق على المشكلات التي تعاني منها البلاد، بما يفهم منه مهاجمته لفصيل سياسي معين.
وشددت المنظمات الموقعة على البيان، على أن الحكم الصادر على القضاة المحالين للمعاش هدفه في المقام الأول توجيه رسالة ترهيب للقضاة، كي لا يعبروا عن آرائهم إلا في حدود
تأييد الإدارة الحاكمة في البلاد، وهو ما نعتقد أنه يعكس توجهًا سياسيًا يسيطر على منظومة العدالة في مصر، وتأمل المنظمات أن يتم تدارك هذا الحكم في الاستئناف.
بدء الحكاية
وكان رئيس نادي القضاة وعدد من أعضائه قد تقدموا في يوليو/ تموز 2013، ببلاغ للنائب العام يتهمون 75 قاضيًا بالتوقيع على بيان يتضمن اتهامًا للجيش المصري بانتهاك الشرعية، فضلًا عن احتوائه بعض الأكاذيب –على حد نص البلاغ- ومن ثم أحال النائب العام البلاغ إلى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 25 يوليو/ تموز الماضي، والذي أحاله إلى وزير العدل لندب قاضٍ للتحقيق من محكمة استئناف القاهرة.
وعلى إثر ذلك تم إحالة 15 قاضيًا للمحاكمة التأديبية في القضية رقم 9 لسنة 2014 "تأديب"، والمعروفة إعلاميًا بقضية قضاة من أجل مصر، وإحالة 56 آخرين في القضية رقم 13 لسنة 2014 "تأديب" والمعروفة إعلاميًا بــ"بيان تأييد شرعية الرئيس الأسبق".
جدير بالذكر، أن القضاة الموقعين على البيان موضوع البلاغ، أكدوا في بيانهم أن انحيازهم الوحيد للشرعية والحق والعدل، رافضين الاعتداء على الشرعية وإقصاء الرئيس المعزول محمد مرسي على حد نص البيان.
هذا بجانب مناشدتهم أعمدة الدولة المصرية والتيارات السياسية والقوى الثورية، العمل من أجل الوصول إلى توافق في إطار من الشرعية الدستورية، يعبر بالبلاد من الأزمة التي تمر بها، مؤكدين على وجوب احترام حق التظاهر السلمي ونبذ العنف بكافة أشكاله، وحقن دماء المصريين جميعًا.
وفي 14 مارس/ آذار 2015 أصدر مجلس التأديب والصلاحية حكمه بإحالة 31 قاضيًا للمعاش، وعدم قبول الدعوى المتعلقة بـ 25 آخرين وإعادتهم إلى عملهم في قضية البيان، وإحالة 10 آخرين إلى التقاعد في قضية قضاة من أجل مصر، وعدم قبول الدعوى لـ 5 آخرين وإعادتهم إلى عملهم.
اقرأ أيضاً:
مصر: مذبحة قضائية جديدة تطيح 41 قاضياً
"المصرية للحقوق والحريات" تستنكر "مذبحة القضاة"