تصاعدت في الآونة الأخيرة الهجمة الأمنية على محامين حقوقيين مصريين، تولوا الدفاع عن المعتقلين السياسيين من الأطياف والأيديولوجيات الفكرية كافة، على مدى السنوات الماضية، وكان آخرهم المحامي الحقوقي إسلام سلامة، الذي ظهر أخيراً في نيابة أمن الدولة العليا بعد اختفاء دام 12 يوماً.
وظهر سلامة في نيابة أمن الدولة العليا، في 6 يونيو/ حزيران الحالي، للتحقيق معه على ذمة القضية رقم 1375 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، بعد اختفاء قسري منذ القبض عليه في 25 مايو/ أيار الماضي، من منزل أسرته في محافظة الغربية بدلتا مصر.
وفي أعقاب ظهوره كمتهم في القضية التي يتولى الدفاع فيها، أصدرت منظمات حقوقية مصرية بياناً أدانت فيه استهداف زملائهم، وناشدوا نقيب المحامين رجائي عطية والنائب العام التدخل فوراً للإفراج عن جميع المحامين المعتقلين على ذمة قضايا سياسية. وأهابت المنظمات، في بيانها المشترك، المحامين جميعاً، وعلى رأسهم أعضاء مجلس نقابة المحامين، التدخل لوقف "هذه التصرفات غير المسؤولة من قبل مأموري الضبط في وزارة الداخلية، وملاحقتهم المستمرة للمحامين المدافعين عن المتهمين في قضايا الرأي. فنقابة المحامين أولى بتوفير الحماية والدفاع عن شبابها". وطالبت المنظمات من النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي "التدخل، وإصدار أمره لإخلاء سبيل المحامي المعتقل". وأكدت أن "القضية التي جرى التحقيق فيها مع المحامي إسلام أحمد سلامة تعود للعام 2018، وقد حضر فيها جلسات تجديد أمر الحبس مع بعض المتهمين كمحامٍ مدافع عنهم، وهو ما يثبت مدى التلفيق والكيدية التي يتعرض لها المحامي الحقوقي".
في هذا السياق، يرى محامون أن تعرض زملائهم لهذه الهجمة الأمنية غير المسبوقة، لا ينفصل عن مهماتهم ودورهم الكبير في دعم المحبوسين على ذمة قضايا سياسية. ويعتبرون أن "النيابة والقضاء المصريين يرغبان في محامين يحضرون إجراءات التحقيق والتقاضي في صمت، دون مرافعات ودفاعات جادة، لإكمال الشكل القانوني وضمان سلامة الإجراءات القانونية من الناحية الشكلية، من أجل تجميل الصورة الشكلية لنظام التقاضي في مصر، المكون من قاضٍ ومحامٍ ومتهم، لكن دون إجراءات حقيقية ولا عدالة ناجزة". ويشير محامون إلى أن هذه الهجمة الأمنية الشرسة تعاقب زملاءهم على مجمل أعمالهم في الدفاع عن المتهمين كافة، وفضحهم الانتهاكات الفجة التي تحدث لموكليهم وظروف احتجازهم غير الآدمية، وإصرارهم على إثبات وإعلان وقائع تعذيب المتهمين وإساءة معاملتهم للرأي العام المصري والدولي، ورفضهم غياب الأدلة والقبض التعسفي والتحريات المكتبية، والحبس الاحتياطي الذي يتجاوز المدد المنصوص عليها في القانون.
ويرى المحامون في مصر أن "النيابة والشرطة والقضاء يريدون كومبارسات يؤدون دور المحامين، ومن يرفض منهم تمثيل دوره الذي يفرضه عليه النظام، يتحول من محامٍ إلى متهم مع من يدافع عنه في ذات القضية"، وهذا ما حدث بالفعل مع عدد كبير من المحامين، ومنهم إسلام سلامة ومحمد الباقر وعمرو إمام وماهينور المصري وغيرهم الكثير. فإسلام سلامة أُضيف إلى القضية التي حضر فيها جلسات تجديد أمر الحبس مع بعض المتهمين كمحامٍ مدافع عنهم منذ 2018. والمحامي الحقوقي البارز محمد الباقر، مؤسس "مركز عدالة للحقوق والحریات"، قُبض عليه في 29 سبتمبر/ أيلول 2019، من داخل نیابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس، في أثناء حضوره التحقيق مع المدون والناشط السياسي علاء عبد الفتاح. وضُمَّ الباقر وموكله إلى القضیة رقم 1356 لسنة 2019، حیث اتھما بالانتماء إلى جماعة إرهابية وتمویلها ونشر أخبار كاذبة واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر تلك الأخبار. وقد نُقل الباقر إلى سجن طرة 2، المعروف باسم "العقرب 2"، الذي یشتھر بظروف احتجازه الرھیبة، حیث یتشارك زنزانة مع ثلاثة آخرين، منھم علاء عبد الفتاح.
والمحامي الحقوقي عمرو إمام، الذي ألقي القبض عليه في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ضُمَّ إلى القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. ووجهت إليه تهم المشاركة في جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ذات القضية المحبوس بها عشرات الصحافيين والسياسيين الذين دافع عنهم، ومنهم الناشطة السياسية والصحافية إسراء عبد الفتاح، والسياسي كمال خليل، والصحافي والسياسي خالد داوود، والناشطة والمحامية ماهينور المصري. وكان إمام قد أعلن، قبل أيام من القبض عليه، دخوله في إضراب جزئي عن الطعام، اعتراضاً على ما حدث من اعتقال وتعذيب مع إسراء عبد الفتاح، وعلاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر.
كذلك فإن ماهينور المصري، التي أُلقي القبض عليها في 22 سبتمبر/ أيلول 2019، من أمام مبنى أمن الدولة، عقب حضورها التحقيقات بصفتها محامية مع الذين أُوقفوا في أثناء تظاهرات 20 سبتمبر الماضي، ظهرت، عقب ساعات من اختفائها، في نيابة أمن الدولة على ذمة القضية 448 لسنة 2019، بتهمة نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وهي القضية نفسها التي تضم عدداً من السياسيين والصحافيين وقيادات الأحزاب.