يستمر التضييق على المجتمع المدني المصري، حتى بات نشاطه شبه مستحيل، فبعد الحبس ومصادرة الأموال والأملاك، بات كثير من الجمعيات من دون مقرات
"اليوم نودع مقرنا ونستمر في العمل" عنوان انطلق منه مركز "نظرة للدراسات النسوية" للإعلان عن مرحلة جديدة له في العمل المدني الحقوقي البالغ الصعوبة في مصر، وسط أجواء سياسية وأمنية قاسية.
يوم إغلاق مقر "نظرة" في 16 مارس/ آذار الماضي، كان قد مرّ أكثر من 14 شهراً على قرار محكمة شمال القاهرة الابتدائية بمنع الناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ"نظرة للدراسات النسوية" مزن حسن، من التصرف في أموالها السائلة والمنقولة والعقارية، بالإضافة إلى منع شركة "نظرة للدراسات"، وجمعية "نظرة للدراسات النسوية" من ذلك أيضاً. صدر القرار بناءً على طلب قاضي التحقيقات في القضية 173 لعام 2011 المعروفة بقضية "التمويل الأجنبي للمنظمات"، إذ اعتبر الحكم بمثابة سابقة إذ تعتبر "نظرة للدراسات النسوية" أول جمعية أهلية يجري التحفظ على أموالها في تاريخ الجمعيات المدنية العاملة على حقوق النساء منذ الخمسينيات.
سعت "نظرة" خلال الأشهر الماضية للاستمرار في عملها على حقوق الإنسان للنساء، وتقديمها لأشكال الدعم المختلفة للناجيات من العنف الجنسي، والمشاركة الفعالة للنساء في المعتركات والمجالات العامة، وشراكاتها مع المؤسسات والمبادرات النسوية الشابة، إيماناً منها بالتاريخ الطويل والثري للحركة النسوية المصرية منذ عام 1919 حتى الآن. لكن نظراً لحكم التحفظ، لم تتمكن الجمعية من الاحتفاظ بمقر لها. وبالرغم من ذلك، أعلنت عن استمرارها في تقديم خدماتها وأنشطتها من خلال متطوعاتها ومتطوعيها.
لم تكن "نظرة" هي مؤسسة المجتمع المدني الوحيدة التي اضطرت إلى إقفال مقرها والعمل في المجال الحقوقي من دون مقر معتمد ولا جدران ولا مكاتب، فقد سبقها مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" في 9 فبراير/ شباط 2017، الذي داهمته قوة من الشرطة المصرية، وأغلقته بالشمع الأحمر، قبل أن يعاود المركز أيضاً نشاطه بالرغم من التضييق.
اقــرأ أيضاً
أعلن المركز في بيان آنذاك أنّ "عيادة النديم مكان يلجأ له الناجون والناجيات من العنف والتعذيب، يتلقون فيه المساعدة والدعم من فريق من الطبيبات اخترن دوراً في حياتهن المهنية على مدى سنوات طويلة، وبالرغم من كلّ الصعوبات والعقبات تابعن تقديم المساعدة لاحتياج حقيقي في مصر ارتبط بإصرار نظام الحكم على استخدام القوة والعنف والتعذيب في التعامل مع المختلفين معه في الرأي. إغلاق المقرات لا يلغي التزام الطبيبات، ولا يلغي واقع التعذيب في مصر، ولا يلغي ضرورة ما يقدمنه من مساعدة. بناء عليه فإننا نتعهد بأننا سوف نجد سبيلاً آخر لتقديم ما كنا نقدمه. قد يستدعي الأمر أسبوعاً أو شهراً، لكن في النهاية سوف يحصل الناجون والناجيات على ما يحتاجونه. وهذا وعد".
كذلك، حاولت السلطات المصرية إغلاق مقر "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" من خلال أمر صدر إلى مصلحة الضرائب بفتح ملف تهرب ضريبي لمدير الشبكة جمال عيد وآخرين، بالرغم من إقرار موظفي مصلحة الضرائب أنّ عيد يسدد ضرائبه بشكل منتظم منذ نهاية التسعينيات، وسبق فحص أوراقه وتبينت سلامتها. وقالت الشبكة: "مستمرون في عملنا بكلّ جهدنا، لتقديم الدعم القانوني والمساندة للآلاف من ضحايا هذا النظام، فهذا حق لهم، وحق لنا وواجب علينا في الوقت نفسه، والدفاع عن حقوق الإنسان ليس جريمة سوى في ظلّ نظام لا يحترم القانون ويعادي الأصوات والآراء المختلفة... مستمرون في عملنا ولن نتوقف بشكل طوعي".
وفي أغسطس/ آب 2016، أصدر "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" تقريراً صادماً بعنوان "مصر لم تعد دولة آمنة لأحد" أعلن من خلاله إغلاق مكتبه في القاهرة، والعمل من باريس، بعد 22 عاماً من العمل الحقوقي. وقال المركز في بيانه حينها: "على مدار 22 عاماً، وفي ظل ظروف وأنظمة سياسية مختلفة مرت على مصر، لم يتوقف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن عقد دورته التدريبية السنوية للشباب وخريجي الجامعات حول حقوق الإنسان، إلاّ أنّه وفي العام الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عاماً للشباب، يضطر المركز للمرة الأولى لوقف هذا النشاط لأجل غير مسمى، بعدما أصبح من المستحيل إيجاد مساحة آمنة للشباب للتعلم أو الإبداع، وأصبحت السجون هي مصير كلّ من يهتم منهم بالشأن العام".
يشار إلى أنّ المنظمات الحقوقية المصرية تعرضت إلى كمّ غير مسبوق من التحقيقات والتفتيش في الأعوام الماضية على خلفية قضية "تمويل المجتمع المدني" التي أطلقتها وزيرة التعاون الدولي السابقة، فايزة أبو النجا، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، قبل الهروب الآمن للمتهمين الأميركيين إلى بلادهم، بعد الحكم عليهم بالسجن.
وكانت الحكومة المصرية، قد أعلنت أنّ المنظمات غير الحكومية المصرية والأجنبية غير المسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعي، لديها مهلة حتى العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، لتقنين وضعها حتى لا يتم إغلاقها وذلك تطبيقاً لقانون يفرض قيوداً على المجتمع المدني، موروث من عهد الرئيس السابق حسني مبارك. والهدف هو أن توضع عشرات المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تحت السيطرة المباشرة، وبالتالي المراقبة. وكانت هذه المنظمات تتحايل على هذا القانون وتكتسب وضعاً قانونياً بتسجيل نفسها كشركات غير هادفة للربح أو كمكاتب محاماة. بعدها قدمت الحكومة المصرية مشروع قانون جديد لتنظيم عمل 47 ألف جمعية أهلية في مصر، لكنّه أثار عاصفة من الاحتجاجات. وبمقتضي مشروع القانون الجديد، تخضع المنظمات غير الحكومية الأجنبية وأنشطتها لإشراف لجنة حكومية تضم خصوصا ممثلين للأجهزة الأمنية. ويشترط المشروع كذلك موافقة هذه اللجنة على أيّ مساعدات مالية أجنبية وهي مصدر التمويل الرئيس للمنظمات غير الحكومية المصرية. وإثر هذه الاحتجاجات، قررت الحكومة تشكيل لجنة خبراء لوضع مشروع قانون توافقي.
ثم في عام 2016 توسعت الحكومة في محاصرة المنظمات، فأُغلقت الحسابات المصرفية لمنظمات مثل "مركز النديم" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" و"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" و"جمعية نظرة للدراسات النسوية". كما منع حقوقيون معروفون مثل جمال عيد وحسام بهجت من السفر وأُغلقت حساباتهم المصرفية.
اقــرأ أيضاً
شروط محددة
فرض قانون مكافحة الإرهاب الذي صادق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس/ آب 2015 عقوبات مشددة تصل إلى السجن المؤبد في حال "القيام بأعمال تضر بالأمن القومي أو تهدد السلم العام أو استقلال أو وحدة مصر"، كما يضع القانون شروطاً محددة من أجل عمل الجمعيات الأهلية غير الحكومية وحصولها على مساعدات من الخارج.
"اليوم نودع مقرنا ونستمر في العمل" عنوان انطلق منه مركز "نظرة للدراسات النسوية" للإعلان عن مرحلة جديدة له في العمل المدني الحقوقي البالغ الصعوبة في مصر، وسط أجواء سياسية وأمنية قاسية.
يوم إغلاق مقر "نظرة" في 16 مارس/ آذار الماضي، كان قد مرّ أكثر من 14 شهراً على قرار محكمة شمال القاهرة الابتدائية بمنع الناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ"نظرة للدراسات النسوية" مزن حسن، من التصرف في أموالها السائلة والمنقولة والعقارية، بالإضافة إلى منع شركة "نظرة للدراسات"، وجمعية "نظرة للدراسات النسوية" من ذلك أيضاً. صدر القرار بناءً على طلب قاضي التحقيقات في القضية 173 لعام 2011 المعروفة بقضية "التمويل الأجنبي للمنظمات"، إذ اعتبر الحكم بمثابة سابقة إذ تعتبر "نظرة للدراسات النسوية" أول جمعية أهلية يجري التحفظ على أموالها في تاريخ الجمعيات المدنية العاملة على حقوق النساء منذ الخمسينيات.
سعت "نظرة" خلال الأشهر الماضية للاستمرار في عملها على حقوق الإنسان للنساء، وتقديمها لأشكال الدعم المختلفة للناجيات من العنف الجنسي، والمشاركة الفعالة للنساء في المعتركات والمجالات العامة، وشراكاتها مع المؤسسات والمبادرات النسوية الشابة، إيماناً منها بالتاريخ الطويل والثري للحركة النسوية المصرية منذ عام 1919 حتى الآن. لكن نظراً لحكم التحفظ، لم تتمكن الجمعية من الاحتفاظ بمقر لها. وبالرغم من ذلك، أعلنت عن استمرارها في تقديم خدماتها وأنشطتها من خلال متطوعاتها ومتطوعيها.
لم تكن "نظرة" هي مؤسسة المجتمع المدني الوحيدة التي اضطرت إلى إقفال مقرها والعمل في المجال الحقوقي من دون مقر معتمد ولا جدران ولا مكاتب، فقد سبقها مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" في 9 فبراير/ شباط 2017، الذي داهمته قوة من الشرطة المصرية، وأغلقته بالشمع الأحمر، قبل أن يعاود المركز أيضاً نشاطه بالرغم من التضييق.
أعلن المركز في بيان آنذاك أنّ "عيادة النديم مكان يلجأ له الناجون والناجيات من العنف والتعذيب، يتلقون فيه المساعدة والدعم من فريق من الطبيبات اخترن دوراً في حياتهن المهنية على مدى سنوات طويلة، وبالرغم من كلّ الصعوبات والعقبات تابعن تقديم المساعدة لاحتياج حقيقي في مصر ارتبط بإصرار نظام الحكم على استخدام القوة والعنف والتعذيب في التعامل مع المختلفين معه في الرأي. إغلاق المقرات لا يلغي التزام الطبيبات، ولا يلغي واقع التعذيب في مصر، ولا يلغي ضرورة ما يقدمنه من مساعدة. بناء عليه فإننا نتعهد بأننا سوف نجد سبيلاً آخر لتقديم ما كنا نقدمه. قد يستدعي الأمر أسبوعاً أو شهراً، لكن في النهاية سوف يحصل الناجون والناجيات على ما يحتاجونه. وهذا وعد".
كذلك، حاولت السلطات المصرية إغلاق مقر "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" من خلال أمر صدر إلى مصلحة الضرائب بفتح ملف تهرب ضريبي لمدير الشبكة جمال عيد وآخرين، بالرغم من إقرار موظفي مصلحة الضرائب أنّ عيد يسدد ضرائبه بشكل منتظم منذ نهاية التسعينيات، وسبق فحص أوراقه وتبينت سلامتها. وقالت الشبكة: "مستمرون في عملنا بكلّ جهدنا، لتقديم الدعم القانوني والمساندة للآلاف من ضحايا هذا النظام، فهذا حق لهم، وحق لنا وواجب علينا في الوقت نفسه، والدفاع عن حقوق الإنسان ليس جريمة سوى في ظلّ نظام لا يحترم القانون ويعادي الأصوات والآراء المختلفة... مستمرون في عملنا ولن نتوقف بشكل طوعي".
وفي أغسطس/ آب 2016، أصدر "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" تقريراً صادماً بعنوان "مصر لم تعد دولة آمنة لأحد" أعلن من خلاله إغلاق مكتبه في القاهرة، والعمل من باريس، بعد 22 عاماً من العمل الحقوقي. وقال المركز في بيانه حينها: "على مدار 22 عاماً، وفي ظل ظروف وأنظمة سياسية مختلفة مرت على مصر، لم يتوقف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن عقد دورته التدريبية السنوية للشباب وخريجي الجامعات حول حقوق الإنسان، إلاّ أنّه وفي العام الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عاماً للشباب، يضطر المركز للمرة الأولى لوقف هذا النشاط لأجل غير مسمى، بعدما أصبح من المستحيل إيجاد مساحة آمنة للشباب للتعلم أو الإبداع، وأصبحت السجون هي مصير كلّ من يهتم منهم بالشأن العام".
يشار إلى أنّ المنظمات الحقوقية المصرية تعرضت إلى كمّ غير مسبوق من التحقيقات والتفتيش في الأعوام الماضية على خلفية قضية "تمويل المجتمع المدني" التي أطلقتها وزيرة التعاون الدولي السابقة، فايزة أبو النجا، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، قبل الهروب الآمن للمتهمين الأميركيين إلى بلادهم، بعد الحكم عليهم بالسجن.
وكانت الحكومة المصرية، قد أعلنت أنّ المنظمات غير الحكومية المصرية والأجنبية غير المسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعي، لديها مهلة حتى العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، لتقنين وضعها حتى لا يتم إغلاقها وذلك تطبيقاً لقانون يفرض قيوداً على المجتمع المدني، موروث من عهد الرئيس السابق حسني مبارك. والهدف هو أن توضع عشرات المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تحت السيطرة المباشرة، وبالتالي المراقبة. وكانت هذه المنظمات تتحايل على هذا القانون وتكتسب وضعاً قانونياً بتسجيل نفسها كشركات غير هادفة للربح أو كمكاتب محاماة. بعدها قدمت الحكومة المصرية مشروع قانون جديد لتنظيم عمل 47 ألف جمعية أهلية في مصر، لكنّه أثار عاصفة من الاحتجاجات. وبمقتضي مشروع القانون الجديد، تخضع المنظمات غير الحكومية الأجنبية وأنشطتها لإشراف لجنة حكومية تضم خصوصا ممثلين للأجهزة الأمنية. ويشترط المشروع كذلك موافقة هذه اللجنة على أيّ مساعدات مالية أجنبية وهي مصدر التمويل الرئيس للمنظمات غير الحكومية المصرية. وإثر هذه الاحتجاجات، قررت الحكومة تشكيل لجنة خبراء لوضع مشروع قانون توافقي.
ثم في عام 2016 توسعت الحكومة في محاصرة المنظمات، فأُغلقت الحسابات المصرفية لمنظمات مثل "مركز النديم" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" و"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" و"جمعية نظرة للدراسات النسوية". كما منع حقوقيون معروفون مثل جمال عيد وحسام بهجت من السفر وأُغلقت حساباتهم المصرفية.
شروط محددة
فرض قانون مكافحة الإرهاب الذي صادق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس/ آب 2015 عقوبات مشددة تصل إلى السجن المؤبد في حال "القيام بأعمال تضر بالأمن القومي أو تهدد السلم العام أو استقلال أو وحدة مصر"، كما يضع القانون شروطاً محددة من أجل عمل الجمعيات الأهلية غير الحكومية وحصولها على مساعدات من الخارج.