لم يتمكن حزب "النور" السلفي من حجز مكانه على الساحة السياسية المصرية، على مدار عامين، منذ مشاركته في الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي. وفضّل الحزب الإسلامي الوحيد الذي شارك في ترتيبات 3 يوليو/تموز 2013، الميل إلى كفة المؤسسة العسكرية، بغض النظر عن تأثير ذلك على التيار الذي ينتمي إليه.
وظن أن بمقدوره التواجد بشكل أفضل عقب 3 يوليو، والتقرّب من النظام الجديد، فضلاً عن فتح مجالات للتواصل أكثر مع الأحزاب الأخرى، التي لديها موقف سلبي من أي حزب له مرجعية إسلامية. لكن حقيقة الأمر وفقاً لمراقبين، أن "حزب النور لم يتمكن من التعامل مع باقي الأحزاب لرفضها له بشكل قاطع، وخصوصاً في ما يتعلق بالمشاورات حول انتخابات مجلس النواب المقبل".
كما يعاني الحزب من انصراف عدد كبير من مناصري التيار السلفي عنه وعدم تأييده وتراجع شعبيته، فيما تعرّض لأزمة داخلية متمثلة في غضب القواعد في المحافظات من موقفه من عزل مرسي. وبحسابات المكسب والخسارة، فقد تمكّن الحزب من أن يتجنّب اتخاذ النظام الحالي إجراءات ضد قياداته وأعضائه، فيما خسر شعبيته وبعضاً من قواعده، فضلاً عن القدرة على تعديل صورته أمام الأحزاب الأخرى الداعمة للنظام الحالي.
وشهدت علاقات حزب "النور" بجماعة الإخوان المسلمين توتراً ملحوظاً قبل الإطاحة بمرسي من سدة الحكم، وتحديداً مع لقاء الحزب وقيادات جبهة الإنقاذ المعارضة لمرسي. وما زاد الأزمة، مشاركة "النور" في الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وحينها كان وزيراً للدفاع، في 3 يوليو/تموز 2013 للإطاحة بمرسي.
وقدًم الحزب تنازلات كثيرة بدءاً من الموافقة على إلغاء بعض مواد في الدستور أو تعديل صياغتها، على الرغم من مواقفه السابقة بتأكيد أن "وجودها يدعم الشريعة الإسلامية". وأبدى الحزب موقفاً أقرب إلى رفض الانتهاكات بحق المتظاهرين في المحافظات المختلفة والمعتصمين في رابعة والنهضة، ولكن لم يلبث أن غيّر موقفه تماماً إلى هجوم على قيادات "الإخوان" والسلفيين المؤيدين لمرسي.
وعلى الرغم من موقف "النور" من 3 يوليو والإجراءات ضد رافضي الانقلاب، إلا أن هذا لم يشفع له عند باقي الأحزاب، وضمّه لمشاورات القوائم الموحدة، إلا مع دعوة السيسي الأخيرة قبل ما يزيد عن شهر تقريباً خلال اجتماعه برؤساء الأحزاب. ولكن لم تمر أيام إلا وأعلنت الأحزاب رفضها لمشاركة "النور" في مشاورات القائمة الموحدة، التي دعا إليها السيسي، في حين انتقد الحزب عدم وجود رؤية محددة حول تلك المشاورات، مما يهددها بالفشل.
واجهة السيسي
ويقول القيادي في الجبهة السلفية، مصطفى البدري، إن حزب "النور" خرج عن التيار الإسلامي من الأساس، لأنه خرج عن الإجماع على رفض الانقلاب على مرسي. ويضيف البدري لـ"العربي الجديد"، أن "النور" اتخذ مساراً يرغب فيه بتحقيق مصلحته الشخصية فقط، من دون النظر إلى القضاء على الثورة والتيار الإسلامي، من قِبل النظام الحالي. ويشير إلى أن النظام الحالي يحتاج إلى الحزب في تصدير فكرة أنه لا يعادي التيار الإسلامي، وهناك ممثّل للإسلاميين ضمن النظام، وهو حزب "النور".
ويؤكد أنه فور انتهاء النظام من الاستفادة من دور الحزب، سيقوم بحله واعتقال القيادات مثلما يفعل مع كل الفصائل الإسلامية، لافتاً إلى وجود أزمة داخل الحزب متعلقة برفض قواعده لما يقوم به الحزب، وبعضهم فضّل الانسحاب والاستقالة، فضلاً عن تراجع شعبيته وسط التيار السلفي عموماً.
أما الخبير السياسي مختار غباشي، فيرى أن "النور" سيكون فارس رهان في الانتخابات المقبلة، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ضعف الأحزاب الأخرى ووجود مشكلات داخلية بها وخلافات على التنسيق والقائمة الموحدة، يعطي فرصة الظهور لحزب "النور".
ويعتبر أن "الحزب وعلى الرغم من تأثر شعبيته وسط التيار السلفي، إلا أنه لا يزال يمتلك قواعد أكثر من الأحزاب على الساحة الحالية، وبالتالي هناك تخوّف منه ورغبة في حله، فضلاً عن وجود أحزاب تكره كل ما له علاقة بالتيار الإسلامي"، لافتاً إلى أن "النور لم يخسر كل شيء، وأهم مكسب له بقاؤه في المشهد الحالي، وبانتظار ما تسفر عنه نتيجة الانتخابات المقبلة"، متوقعاً أن يحصد الحزب عدد مقاعد كبيراً، مقارنة بباقي الأحزاب. كما يرى غباشي أن "النور لديه مكانة خاصة لدى مؤسسة الرئاسة، فرئيس الحزب يونس مخيون، دائم الحضور في لقاءات السيسي وثناء الأخير عليه، لأنه يمثّل واجهة دينية للنظام الحالي أمام الرأي العام العالمي".
اقرأ أيضاً: مصر: إقصاء حزب النور مطلب جامع
وما يثير علامات استفهام وإثارة بلبلة حول الحزب، تراجع مواقفه من ترشّح الأقباط على قوائمه، فضلاً عن التحالف مع غير إسلاميين. وقبل بضعة أشهر ومع اقتراب تقديم أوراق كل حزب أو تحالف مرشحيه على الفردي والقوائم استعداداً لانتخابات مجلس النواب، التي أوقفتها المحكمة الدستورية، أعلن "النور" ترشيح أقباط على قوائمه، وهو أمر مخالف لفتاوى ومواقف سابقة للحزب. كما أبدى الحزب مرونة كبيرة في التحالف مع أحزاب غير إسلامية، خلافاً لمواقفه في أول انتخابات عقب ثورة 25 يناير، وتأكيد أنه لا يمكن التحالف إلا مع إسلامي، حتى تكون الرؤية متوافقة.
وتقول مصادر في "النور"، إن المشهد الحالي فرض على الحزب أموراً لم يكن ليقبلها في ظل ظروف طبيعية، وخصوصاً أن قوانين الانتخابات تفرض ترشيح أقباط على القوائم. وتضيف المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لـ"العربي الجديد"، أن الحزب عليه ضغوط كثيرة من كل الأطراف، من "الإخوان" ومؤيدي مرسي، والأحزاب المشاركة في 3 يوليو، فضلاً عن النظام الحالي وما يفرضه من قواعد منظّمة للعمل.
وتشير المصادر إلى أن الحزب في الأساس ضد "الكوتا"، ولكنه مضطر للقبول بالأمر الواقع، حتى انتخاب مجلس النواب، وحينها يمكن التحدث عن تعديلات واسعة لقوانين، ولكن بشرط حصول الحزب على نسبة كبيرة من المقاعد. وتشدد على أن قبول المشاورات مع الأحزاب غير الإسلامية، من باب نفي تهمة الحزب الديني، خوفاً من حلّه بعد الدعاوى الكثيرة التي أقيمت خلال العامين الماضيين.
تمويل خارجي
منذ تأسيس حزب "النور"، عقب ثورة 25 يناير، تُوجّه له اتهامات بالحصول على تمويل خارجي من بعض دول الخليج، وتحديداً السعودية. لكن لم يثبت حصول الحزب على أي تمويل بالخارج، وتشير وثائق "ويكيليكس" السرية الخاصة بالسفارة السعودية في القاهرة، إلى تلقّي "النور" تمويلاً من إيران. وتزامن مع نشر وثائق "ويكيليكس" التي تتحدث عن تمويل إيراني لـ"النور"، تداول وسائل الإعلان أخباراً عن سعي نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، ورئيس "النور" يونس مخيون، للحصول على تمويل من السعودية.
ويؤكد القيادي في "النور" صلاح عبد المعبود، أنه لا مجال للتشكيك في نيّات الحزب، معتبراً الحديث عن التمويل الخارجي طعنا واتهامات من دون وجود دليل واحد. ويقول عبد المعبود، لـ"العربي الجديد"، إن الحزب ليس لديه ما يخفيه، والأموال التي تدخل تكون تحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
فيما ترددت أنباء خلال اليومين الماضيين، عن سفر قيادات في الحزب إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء مسؤولين في الإدارة الأميركية، وضباط في جهاز الاستخبارات المركزية، وهو ما نفاه القيادي في الحزب طارق السهري، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الحزب ليس لديه ما يخفيه، في مسألة التواصل مع سفارات الدول في القاهرة، مثلما تفعل باقي الأحزاب.
اقرأ أيضاً: مصر: تكتلات "الفلول" تربك حسابات "النور" في الانتخابات البرلمانية