تلك الكلمات التي كتبها الناشط السياسي المفرَج عنه بتدابير احترازية، علاء عبد الفتاح، تشير إلى كتاباته المتعددة من الإفراج عنه بشأن التدابير الاحترازية والمراقبة الشرطية التي يخضع لها يوميًا لمدة 12 ساعة، تبدأ من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً لمدة خمس سنوات كاملة.
وفي 29 مارس/ آذار الماضي، أفرجت سلطات الأمن المصرية، فجرًا، عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، بعد قضائه خمس سنوات في السجن، في قضية عُرفت إعلاميا باسم "أحداث مجلس الشورى"، لكنه في واقع الأمر حصل على نصف إفراج فقط، إذ إنه مطالب بتسليم نفسه للسلطات من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً يومياً لمدة خمس سنوات.
وعبْر وسم "سجن نص يوم"، كتب عبد الفتاح وأفراد أسرته بشكل يومي عن التدابير الاحترازية والمراقبة الشرطية التي تعصف بحياة علاء عبد الفتاح وتقيّده وتكبّله نصف يوم يوميًا، إذ سيقضي عبد الفتاح (37 عاما)، خمسة أعوام أخرى قيد المراقبة الشرطية، بعد انتهاء عقوبة السجن، ضمن ما يسمى بـ"الإجراءات الاحترازية".
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت، في فبراير/ شباط 2015، بالسجن المشدد 5 سنوات، و5 سنوات مراقبة وغرامة 100 ألف جنيه بحق عبد الفتاح، وبالسجن ثلاث سنوات لـ23 متهماً آخرين في قضية "أحداث مجلس الشورى".
شقيقة علاء عبد الفتاح، الناشطة السياسية منى سيف، كتبت بدورها "علاء جاله أمن الدولة امبارح في قسم الدقي، وهددوه بإنه هيتحبس تاني عشان كلامه على المراقبة. لو ترجع للتايم لاين هيبان إن اللي بيتكلم على المراقبة أساسا إحنا، عائلته. علاء كان في السجن خمس سنين ظلم بسبب مشاركته في وقفة سلمية ضد المحاكمات العسكرية، والوقفة اتفضّت بعنف موثّق صوت وصورة، وكانت من أوائل تطبيقهم لقانون التظاهر بتاعهم.. فاتكلمنا في الخمس سنين دول عن حبسه وعن المحاكمات العسكرية وعن القوانين المعيبة اللي الدولة بتستغلها، وعن انتهاكات الداخلية لحتى القوانين المعيبة دي، وعن ظروفه في السجن وتغييراتها على مدار السنين، وعن تأثرنا كعائلة بغيابه وحرماننا منه".
وتابعت "علاء خلص مدته كاملة وخرج وعليه مراقبة 5 سنين، فقررتوا برضو تتجاهلوا القانون وتكدّروه وتفرضوا عليه حبس انفرادي وعزلة، فهنحكي عن المراقبة، وعن القوانين اللي انتو بتهدروها، وعن ظروف بياته وعزلته كل ليلة في قسم الدقي، وعن إزاي دي كلها طرق بتمنعه من استعادة حياته. انتو دايما بالقوة والعنف تقدروا تحبسوه تاني وتالت، وتقدروا تحبسونا كلنا. واحنا دايما اللي بإيدنا نعمله ودورنا نحكي قصتنا ونواجهكم بشهادتنا عن كل انتهاك بترتكبوه. مافيش حاجة بإيدينا تضمن ولا تمنعكم من حبسه تاني، لكن الحاجة الوحيدة الأكيدة هي إننا مش هنبطل نتكلم".
ثم كتب علاء، قبل أن ينقضي نصف يومه الحر: "أنا مستعد أدفع تكلفة أسورة أو حراسة على البيت أو كاميرات مراقبة عند مدخل البيت. هدفع تكلفة العقوبة الظالمة بس المشكلة ملهاش علاقة بترتيبات لوجيستية، ضابط الأمن الوطني امبارح وبصراحة فجة هددني بالحبس لأني متغيرتش".
والدة علاء عبد الفتاح، أستاذة الرياضيات بجامعة القاهرة ومن مؤسسي حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، ليلى سويف، كتبت كذلك "امبارح البلطجية بتوع الأمن الوطني راحوا لعلاء وهددوه، واضح إن البهوات حارقهم الكلام اللي بيتكتب عن المراقبة، وواضح كمان إنهم لسه مصرّين على التصور العبقري بتاع إن الحاجات بتمشي بالأوامر ومتخيلين إن علاء معاه زرار الريموت اللي بيشغلنا، فمتصورين إنهم لما يهددوا علاء الكلام عن المراقبة حيبطل.. وطبعا هم معتمدين على إنهم بيخلوا علاء 12 ساعة في اليوم عندهم معزول عن العالم.. عموما لا علاء معاه الريموت ولا علاء بيتهدد ولا احنا بنتهدد".
تُعد التدابير الاحترازية هي العقوبة المكملة والبديلة للحبس الاحتياطي في القانون المصري وفقًا لنص المادة 201 من القانون رقم 150 لسنة 1950 والمعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 من قانون الإجراءات الجنائية.
ووفق تقديرات حقوقية، فإن أغلب القرارات الصادرة من محاكم الجنايات بدوائر الإرهاب - في القضايا ذات الطابع السياسي - منذ عام 2014 باتت متبوعة بالتدابير الاحترازية؛ ففي حال صدور قرار بإخلاء السبيل على ذمة قضية قيد التحقيقات يتبعه القضاة في الغالب بقضاء فترة معينة قيد المراقبة.
وعلى النقيض تمامًا من ذلك، فإن القرارات الصادرة في القضايا - ذات الطابع الجنائي - قيد التحقيق تكون في معظمها - في حالة إخلاء السبيل - يكون فيها قرار إخلاء السبيل إما بضمان محل الإقامة، أو بأي ضمان مالي.
وفي دراسة لها قبل أيام، أشارت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – منظمة مجتمع مدني مصرية - إلى أنه وفقًا للقوانين التي تنظِّم الوضع تحت مراقبة الشرطة، فإن عدم إعطاء الشخص الخاضع للمراقبة القدرة على اختيار المنطقة التي يريد أن يقيم فيها طوال مدة المراقبة وفقًا للشروط المنصوص عليها في القانون، أمر مخالف للقانون المصري ولقواعد تقييد الحق في حرية الإقامة المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
بيان العائلة
وفي وقت لاحق، أصدرت أسرة عبد الفتاح بيانًا بشأن ما جرى ليلة أمس، حيث هدد ضباط من الأمن الوطني علاء بإعادته إلى السجن إذا لم يضع حدّاً للحوار الدائر على وسائل التواصل الاجتماعي عن الظروف غير الإنسانية وغير القانونية التي يتعرض لها هو وغيره ممن يقضون عقوبة المراقبة.
وقالت العائلة في بيانها الصحافي، الذي نشرته عبر منصات التواصل الاجتماعي: "المقابلة بين علاء وضباط الأمن الوطني تمت عند منتصف الليل في قسم الدقي، حيث يحتجز علاء منفرداً، ويغلق عليه أحد المكاتب بدون موبايل أو أي وسيلة تواصل مع العالم الخارجي كل يوم من 6 مساءً إلى 6 صباحًا".
وتابعت "ضباط الأمن الوطني كانوا عدائيين ورفضوا أن يفصحوا عن أسمائهم أو رُتبهم حين سألهم علاء عنها، بل إنهم لم يفصحوا صراحة عن الجهاز الذي ينتمون إليه، وإنما اكتفوا بجمل من نوع "هو انت يعني مش عارف احنا مين؟".
وأضافت الأسرة "لا يمكن أن يكون معنى المراقبة هو الاحتجاز في قسم بوليس. الأصل في المراقبة طبقا للقانون هو أن يلزم الشخص منزله من غروب الشمس إلى شروقها. نحثُّكم على ألا تتوقفوا عن الكتابة والاحتجاج على الانتهاكات التي يتعرض لها ليس علاء فقط، بل جميع من يخضعون لعقوبة المراقبة، حتى يتم تنفيذها في الحدود التي رسمها القانون".
واختتمت الأسرة بيانها بـ"نعلم أن دائرة الاهتمام بهذه العقوبة والحديث عنها والاحتجاج على التعسف في إجراءات تطبيقها قد توسعت بشدة عقب تطبيقها على علاء، لكننا نعلم أيضا أن علاء ليس وحده من يُكتَب عنه، وليس وحده من يعاني منها. ومع ذلك فعلاء مهدد الآن، وهو في خطر الآن، لذا نطالب بأن يقضي ساعات المراقبة في بيته طبقاً للقانون حتى نطمئن على سلامته. وحتى يتم تنفيذ هذا فنحن نُحَمِّل أجهزة الدولة المسؤولية الكاملة عن سلامته".
يشار إلى أن علاء عبد الفتاح نشر عبر حسابه الخاص على "فيسبوك" أنه "قدم اليوم الأربعاء بلاغات بالتهديدات التي تعرضت لها بالتلغراف"، وأنه سيتوجه غدا بنفسه لتقديم بلاغ تفصيلي للمجلس القومي لحقوق الإنسان والنيابة العامة.
وقال عبد الفتاح "البلاغ للنائب العام من خالد علي برقم 5602 عرائض النائب العام بتاريخ 10 إبريل/ نيسان 2019. وتلغرافات باسم منى أحمد سيف الإسلام لكل من: وزير الداخلية، مساعد وزير الداخلية للتفتيش، مدير أمن الجيزة، المحامي العام لنيابات شمال الجيزة والنائب العام".