مصر تهدم مقابر أثرية

13 اغسطس 2020
بعد تدميرها (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

ما شهدته مصر مؤخراً عدّ حدثاً كبيراً بل فاجعة بعد هدم جزء من المقابر في منطقة "جبانة المماليك"، التي تضم مقابر تاريخية وآثاراً إسلامية تعود إلى نحو خمسة قرون خلت، في إطار توسعة شبكات الطرقات والكباري في البلاد، بهدف ربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق العاصمة المصرية القاهرة، وبالقرب من قناة السويس وسيناء) والعين السخنة شمالي شرق القاهرة. 
وما أثار الجدل هو  هدم المقابر التراثية التي تدخل في إطار القاهرة التاريخية، المصنفة تراثاً عالمياً بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، والمسجلة كمنطقة حماية وفقاً للقانون رقم 119 لعام 2008. وتتميز هذه المقابر بكونها ذات طراز معماري تراثي بحسب للقانون رقم 144 لعام 2006.
وهاجم خبراء آثار وتخطيط عمراني هدم المقابر التاريخية. وأطلقت أستاذة التخطيط العمراني في عدد من الجامعات الفرنسية جليلة القاضي، حملة توقيعات رفضاً للأعمال الجارية في مسار محور الفردوس. وقالت الحملة في بيان: "أحواش الفترة الحديثة للعائلات الارستقراطية المصرية لا تقل روعة في عمارتها وحسن بنائها وتفردها، وإن لم تحظ بنفس أهمية آثار العصور الوسطى فإنها تحمل العديد من القيم التاريخية والمعمارية والرمزية والثقافية، فهي تضم رفات أعيان القطر المصري من رواد الحركة الوطنية ودعاة الاستقلال ومؤسسي مصر الحديثة". 

وفي مصر، انتشرت ظاهرة سكان المقابر خلال السنوات العشرين الماضية بعدما أجبر مواطنون على السكن فيها نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. وكثيراً ما تتحدث وسائل إعلامية عن هذه الظاهرة من دون إيجاد السلطات أي حلول لها. 
وتتفاوت الأرقام حول عدد سكان المقابر في مصر. وتشير تقارير رسمية صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء إلى وجود مليونين مصري يعيشون في مقابر القاهرة، علماً عدد إجمالي سكان العشوائيات والمقابر يصل إلى نحو 8 ملايين موزعين على 794 منطقة سكنية في كافة أنحاء مصر. إلا أن النسبة الكبرى موجودة حول القاهرة الكبرى بسبب النزوح إلى العاصمة بحثاً عن فرص عمل.
إلا أن التقديرات غير الرسمية تتحدث عن أرقام أكثر ارتفاعاً استناداً إلى دراسات وأبحاث. ويقدر عدد سكان المقابر فقط دون سكان العشوائيات بخمسة ملايين مصري على مستوى الجمهورية. ويتوقع البعض أن يصل عدد سكان المقابر إلى 10 ملايين عام 2030 نتيجة ارتفاع نسبة الفقر. وخلصت دراسة أعدها عالم الاجتماع المصري محمد الجوهري إلى أن أسباب السكن في المقابر مردّها إلى أزمة المساكن الآيلة للسقوط وقد انهار عدد منها، إضافة إلى الاكتظاظ السكاني في القاهرة، وارتفاع أسعار البيوت، وزيادة معدلات الفقر، والنزوح من الريف نحو العاصمة. وكان البنك الدولي قد أعلن العام الماضي، أن نحو 60 في المائة من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر ارتفاع نسبة الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5 في المائة نهاية العام 2017 - 2018، في مقابل 27.8 في المائة لعام 2015 ـ 2016. وفي وقت يتم التجهيز لبناء محور الفردوس، لم يتحدث أحد من قريب أو بعيد عن مصير سكان مقابر المماليك.
في هذا السياق، تشير دراسة تحت عنوان "العشوائيات الآمنة" أصدرها مركز "شفافية" للدراسات المجتمعية والتدريب الإنمائي بالتعاون مع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI)، إلى أن المقابر لم تعد مجرد أماكن مغلقة على الموتى في مصر والعديد من الدول النامية الفقيرة. وأصبح من الطبيعي لمن يزور المقابر الشهيرة في القاهرة أن يرى عائلات بأكملها تعيش وسط المقابر وتتخذ من شواهدها طاولات لوضع أجهزة التلفاز. وفي بعض الأحيان، تدفن عائلة عزيزاً في المكان، ثم يقام في المكان نفسه حفل زفاف لأحد سكان المقابر.

الدراسة نفسها أكدت أن الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي دفعت هؤلاء إلى السكن بجوار موتاهم. قدم البعض للعيش في المقابر منذ ستينيات القرن الماضي بعدما ضاقت أحوالهم، ومنهم من لجأ إلى استئجار مدفن كونه أقل كلفة من الشقق السكنية في العشوائيات.
وتلفت الدراسة إلى أن سكان المقابر يعيشون حياة طبيعية ويمارسون طقوسهم ويقيمون الأعراس بين الموتى، ويحزنون مع وصول جثمان جديد إلى المقبرة. بعض الفتيات تزوجن داخل المقابر وأنجبن أبناء. وتعج المقابر بالزوار في الأعياد ومنتصف شهر رجب، ما يجعل سكان القبور يفتحون أبواب منازلهم الأقل من متواضعة لاستقبالهم والتخفيف عنهم.
وترى السلطات أن سكان المقابر لا يتمتعون بأية حقوق، وبالتالي ما من أي تعويضات لهم أو احتمال نقلهم إلى مساكن بديلة، في حين يطالب حقوقيّون بالنظر في أحوال هؤلاء.
ويأتي الهدم في إطار ما يعرف بخطة الدولة لتطوير العشوائيات، وقد شرعت السلطات في هدم كثير من المنازل في محافظات عدة بدعوى بنائها من دون ترخيص أو تعديها على الملك العام. وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري أنّه لا صحة للصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي التي يظهر فيها هدم مقابر أثرية من أجل شق طريق جديد.
في المقابل، تقدمت عضو مجلس النواب النائبة داليا يوسف بأوّل استجواب برلماني واتهام صريح للحكومة، بشأن هدم المقابر التاريخية والأثرية.

المساهمون