ويذهب بعض المراقبين إلى أن السيسي على الرغم من الحرج والانتقادات التي توجّه إليه جرّاء الفشل الأمني الكبير، خصوصاً أنّه حصل على تفويض من أنصاره لمواجهة الإرهاب، فإنه يستفيد من حوادث التفجيرات في فرض قيود أكبر على الحريات العامة وإبداء الرأي. ويشير هؤلاء إلى أنّ السيسي يتوجّه تارة إلى إصدار قانون مكافحة الإرهاب بسلطات واسعة وتقييد للحريات بشكل غير مسبوق، إضافة إلى تعديل قانون العقوبات، وتارة تخرج دعوات بضرورة تطبيق حالة الطوارئ، بيد أن هناك آراء تتحدّث عن تطبيق قانون الإرهاب وفرض حالة الطوارئ معاً، وأنّه تم تخصيص محاكم خاصة للتحقيق في جرائم الإرهاب.
ويرى مراقبون أنّ توجّه السيسي ورجاله والإعلام المصري سواء العام أو الخاص التابع له، إلى توجيه الاتهامات السياسية إلى جماعة "الإخوان المسلمين" وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، قد يدفع ببعض المعارضين المقموعين، إلى تبنّي العنف كنهج ورد فعل على التعذيب والقتل للشباب، خصوصاً مع انتشار أفكار التشدّد لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"القاعدة" في المنطقة.
ويعتبر مراقبون أنّ الوضع في سيناء خارج عن السيطرة تماماً، مشيرين إلى أنّه فشل أمني غير مسبوق من قبل الشرطة والجيش، وما يؤكد ذلك، عمليات تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وإيقاع خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف الجيش.
اقرأ أيضاً حقوقيون مصريون لـ"العربي الجديد": "تداول المعلومات" قانون لتكميم الأفواه
ويقول الخبير السياسي، مختار غباشي، لـ"العربي الجديد" إنّ "أزمة نظام السيسي تكمن في عدم القدرة على تحديد العدو الأول له، جماعة الإخوان وأنصار مرسي، أم التنظيمات الجهادية"، مشيراً إلى أنّ "على السيسي تحديد أولوياته، والبدء في إحداث انفراجة في الأزمة الحالية، لأنها مفتاح الحل الحقيقي لعمليات التفجيرات واستهداف رجال الشرطة والجيش، سواء في سيناء أو في أي محافظة". ويعتبر أن المصالحة وتسوية الأزمة هي أمر ضروري قبل الدخول في نفق أسوأ، خصوصاً مع انتشار أفكار التشدّد في المنطقة، "لدينا سورية والعراق وليبيا ومنطقة شمال أفريقيا، كما أنّ التفجيرات ضربت قلب دول الخليج".
ويلفت غباشي إلى أنه "لا بد من التفكير بهدوء في محاصرة موجة الغضب الشبابي، حتى لا ينجرّوا إلى العنف، فضلاً عن عدم وجود رؤية موضوعية للتصدي للأزمات المختلفة بعيداً عن الانفعال"، لافتاً إلى أنّ "كثيرين يرفضون قانون مكافحة الإرهاب، لا سيما العقوبات الناتجة عنه والتي تسمح بمحاكمة كل الجرائم"، موضحاً أنّ مطالبة السيسي بفرض حالة الطوارئ، لا تخلق بيئة انتخابات أو حياة سويّة.
من جهته، يقول الخبير السياسي محمد عز، لـ"العربي الجديد"، إن "السيسي والنظام الحالي يستفيدان من موجة التفجيرات التي تحدث لفرض مزيد من القيود على الحريات العامة في مصر وليس القوانين، وذلك خوفاً من أن يواجه مصير الرئيس المخلوع حسني مبارك ومرسي". ويوضح أن "النظام الحالي يدرك خطورة الحريات التي حصل عليها الشعب المصري عقب ثورة يناير، لذلك يلجأ إلى التنكيل بالمعارضين وتكميم الأفواه أكثر من فترة وزير الداخلية، حبيب العادلي، والرئيس مبارك".
ويشير عزّ إلى أن القوانين التي يصدرها السيسي لا فائدة لها، طالما أن الاتهامات سياسية فقط، من دون البحث والتحقيق عن المنفذين لمختلف العمليات، مؤكّداً أنّ القوانين والإقدام على تنفيذ أحكام الإعدام بحق قيادات "الإخوان"، هو فشل لتجاوز التخبط في مواجهة الجماعات الإرهابية.
ويلفت عز إلى أن التعامل بعنف مع الشباب والتعذيب والاعتقالات والتهم الملفّقة، هو ما يولد العنف ويدفع بالشباب للتوجه إلى الجماعات المتطرفة، مشدّداً على ضرورة وضع استراتيجية لحلّ الأزمة من جذورها وعدم إطلاق يد الأمن في التعامل مع المعارضين، وإلا ستكون النتائج كما هي الحال في سورية والعراق وليبيا.
ويشرح خبير في الحركات الإسلامية، طلب عدم ذكر اسمه، أنّ الأزمة لدى الأنظمة المصرية المتعاقبة أنّها تتعمّد صناعة جيل من الشباب بين فترة وأخرى ينتهج العنف لمواجهة القمع والتعذيب والتنكيل والقتل. ويضيف الخبير في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "الأزمة ليست في الجماعات الإسلامية المتواجدة على الساحة، ولكن بطريقة التعامل معها"، متسائلاً: "لماذا لم يمارس شباب التيار الإسلامي أعمال عنف عقب 25 يناير، وعقب عزل مرسي ومجزرتي رابعة والنهضة؟".
ويعتبر الخبير أنّ "التضييق والقمع يولدان عنفاً مضاداً، وهي قاعدة معروفة في العلوم الإنسانية"، مؤكداً أن "القوانين التي يشرعها النظام الحالي لن تطبّق إلا على المظلومين والمعارضين، أما منفذو التفجيرات فلا يخشون القانون أو الشرطة أو الجيش، بل العكس هم في صراع قوي معهم، وسيشتدّ خلال الفترة المقبلة".
وفي سياق الأزمات وجبهات الخلاف التي يفتحها النظام الحالي، وأخيرها حول قانون مكافحة الإرهاب، تدخل الخلافات بين حكومة إبراهيم محلب ونقابة الصحافيين في مرحلة متقدّمة، لرفض بعض مواد القانون التي تمسّ الصحافيين وعملهم. ويوضح خبراء قانونيون أنّ قانون مكافحة الإرهاب يعيد عقوبة حبس الصحافي في قضايا النشر، وهو ما تم إلغاؤه والتأكيد عليه في الدستور، ويكمن الهدف في تكميم الأفواه وسيطرة الصوت الواحد، وهو صوت المؤسسة الرسمية فقط.
ويؤكد الخبراء أنّ نقابة الصحافيين طالبت بإلغاء المادة تماماً من القانون، وتعديل بعض المواد الأخرى، وهو ما حاولت الحكومة التحايل عليه من خلال تسريبات تحدثت عن الإبقاء على المادة "33"، مع تعديل الحبس إلى الغرامة من 200 إلى 500 ألف جنيه، وهو مبلغ كبير، ما يعني حبس الصحافي لعدم القدرة على دفع المبلغ. ويعتبر الخبراء أنّ الأسوأ من عقوبة الحبس، هو "الضرب في صميم عمل مهنة الصحافة، إذ يفرض القانون على وسائل الإعلام معلومات واحدة فقط من الجهات الرسمية، والتي غالباً ما تكون غير صحيحة أو على الأقل غير مكتملة، وهو إهدار لحق القارئ في المعرفة وتعدّد المصادر التي يمكن الاعتماد عليها".
اقرأ أيضاً: تنقلات واسعة لقيادات الداخلية المصرية تعكس الفشل الأمني