أكد عدد من الخبراء والمعنيين بمراقبة الأسواق في مصر، أن مبادرة الحكومة لتحريك الأسواق في ظل موجة ركود خانقة، من طريق تحفيز أنشطة البيع والشراء، بما قيمته 100 مليار جنيه، لن تؤتي ثمارها المرجوّة في ظل إصرار الحكومة على سحب السيولة من الأفراد، سواء من طريق تكبيلهم بالمزيد من فرض الرسوم والضرائب، أو بطرق أخرى، كالمصالحة في مخالفات البناء، التي يتوقع تحصيل غرامات قدرها 500 مليار جنيه، أو إجبارهم على تحويل سياراتهم للعمل بالغاز، وهو ما يكلفهم 250 مليار جنيه.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكرالله، إن الدولة بادرت بطرح هذه المبادرة لاستشعارها بحالة الخطر، إذ أدركت أن هناك أزمة كبيرة في نقص الإنفاق الاستهلاكي، ما أثر بالسلب في الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وأدى إلى تراجع معدلات هذه الاستثمارات.
ويضيف لـ"العربي الجديد": الحكومة تتبع سياسات اقتصادية متضاربة، ففي الوقت الذي تعلن فيه مبادرة لتحريك حركة الركود بالأسواق، تعمل على امتصاص جزء ليس بالهين من السيولة من المواطنين، كتحويل سيارات البنزين للعمل بالغاز، الذي سيكلف طبقاً لتصريحات وزيرة الصناعة 250 مليار جنيه على 5 سنوات، وهو ما يعني سحب 50 مليار جنيه كل عام، وكذلك المصالحة في مخالفات البناء التي تقدم لها حتى الآن 350 ألف مواطن، ويتوقع أن تقترب محصلتها من 500 مليار جنيه، فضلاً عن الرسوم والخدمات والضرائب، التي تُحصَّل من المواطنين.
ويؤكد ذكرالله أن المبلغ الذي أعلنته المبادرة، المقدَّر بـ 100 مليار جنيه لتحريك حركة الأسواق، لن يكون له مفعول طويل الأجل، فحجم الأموال التي خرجت من الأسواق، وما جُمد من أموال في مشاريع اقتصادية يتجاوز 100 مليار جنيه بمراحل، لذلك التعويل على انتعاش الأسواق عبر تحريكها بضخّ هذا الرقم، أمر يحتاج إلى مراجعة.
ويرى أن الحل يجب أن يبدأ بمبادرات كلية لإعطاء السوق المصرية دفعة من التنافسية الرشيدة، تحرك الأوضاع الاقتصادية إلى الأمام، مع وضع معدلات التنمية الاقتصادية بالاعتبار، وعدم الاختباء وراء أرقام معدلات النمو.
ويربط الدكتور عبد النبي عبد المطلب، الباحث في الشؤون الاقتصادية، نجاح المبادرة ، بإمكانية نجاح القطاع المصرفي في تقديم ائتمان بأسعار فائدة مخفضة للأفراد لا تتعدى 5 في المائة، مع إطالة فترات السداد، وكذلك فترات السماح، وتقليل قيمة الأقساط، بالإضافة إلى رفع المرتبات، وزيادة فرص العمل، مع توفير احتياجات المواطنين بأسعار في متناول الجميع.
ويعتقد أن المبادرة لن تحقق أهدافها من تحريك عجلة الإنفاق الاستهلاكي في حال عدم تطبيق مثل هذه الإجراءات.
وكانت الحكومة المصرية قد أطلقت مبادرة لتحفيز الاستهلاك الخاص ودعم المنتج المحلي، يبدأ تطبيقها نهاية الشهر الجاري، تتضمن تحفيز أنشطة شراء وترويج بقيمة لا تقلّ عن 100 مليار جنيه.
وتشمل الحوافز توفير نسب حسم من المصنعين والمنتجين لجميع العملاء، بمتوسط 20 في المائة، إلى جانب حسم إضافي من جانب الخزانة العامة للدولة لحاملي البطاقات التموينية، يصل إلى 10%، تتحمله وزارة المالية بقيمة تقدَّر بـ 12 مليار جنيه، يستفيد منه نحو 64 مليون مواطن من المسجلين على البطاقات التموينية.
وتتيح المبادرة إمكانية التقسيط بفائدة مخفضة عبر البنوك وشركات التمويل، وتصل فترة السداد إلى سنتين، للراغبين في شراء السلع المشاركة خلال فترة المبادرة، التي تستمر لمدة 3 أشهر.
وكشف مسح، أوائل الشهر الماضي، أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكمش بوتيرة أبطأ في مايو/ أيار بعدما سجل أسوأ أداء له خلال عشرة أعوام في الشهر السابق، في الوقت الذي تعصف فيه أزمة فيروس كورونا بالشركات.
وسجل مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات في القطاع الخاص غير النفطي بمصر 40.7 في الشهر السابق، ارتفاعاً من 29.7 في إبريل/ نيسان، لكنه ظل أدنى من مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.
وقالت "آي.إتش.إس ماركت": "إن توقعات النشاط في 12 شهراً ضعفت منذ إبريل/ نيسان، على الرغم من أنها ظلت أعلى من المستوى المتدني المسجل في مارس/ آذار... تأمل الشركات بشكل عام أن يؤدي انقضاء أزمة كوفيد-19 في نهاية المطاف إلى تعافي السوق".