على الرغم من المساعي الدولية والأممية للتوصّل إلى حل سياسي للأزمة الليبية، ووقف إطلاق النار، إلا أن الأوضاع الميدانية على الأرض آخذة في التصاعد، نتيجة رفض حلفاء وداعمي طرفي الأزمة الانصياع للتوصيات الدولية بحظر التسليح على ليبيا، وحثّهما على الاستجابة للنداءات الرامية للحل السياسي ووقف إراقة الدماء. في هذا الإطار، أفادت مصادر مصرية متابعة للملف الليبي بأن القاهرة أرسلت لجنة عسكرية رفيعة المستوى لمراجعة الخطط الأمنية، والوقوف على آخر التطورات على أرض الواقع في محاور القتال. وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة المصرية الجديدة تأتي تمهيداً لبدء مرحلة جديدة من المعارك العسكرية، التي ستتفاعل مع مسار آخر بتفعيل دور القبائل في المناطق المحيطة بالعاصمة. كما أماطت اللثام عن تخريج القاهرة أخيراً دفعة من متدربين ليبيين، من الذين خضعوا لفترة تدريب بقاعدة محمد نجيب العسكرية في المنطقة الغربية المصرية المتاخمة للحدود الليبية. وأوضحت المصادر أن المتدربين من أبناء عدد من القبائل المتحالفة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وبحسب المصادر، فإن تلك الخطوة بإشراك أبناء قبائل الجنوب في المعارك، جاءت بعد تنسيق مصري إماراتي بينهم وبين حفتر، في إطار اتفاقات بعضها مالي، وأخرى متعلقة بالحصول على حصص من الموارد.
من جهته، أفاد مصدر عسكري ليبي بارز تابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، بأن القرار الخاص بحظر التسليح لن يستفيد منه سوى قائد الانقلاب، في إشارة إلى حفتر، مؤكداً أن عمليات نقل السلاح والعتاد العسكري عبر الحدود المصرية لا تتوقف. وأضاف أنه "في الوقت الذي تشارك فيه القاهرة في كافة المؤتمرات الداعية لحل سياسي في ليبيا، نجد أن المسؤولين في مصر والإمارات والسعودية لا يتوانون عن تزويد حفتر بأحدث الأسلحة والعتاد". وكشف أن المدفعية التي قصفت ميناء طرابلس أخيراً، هي بالأساس ضمن أسلحة ثقيلة مصرية زودت بها القاهرة مليشيات حفتر. ودعا القيادي العسكري المجتمعَ الدولي لتفعيل القرار بشكل كامل، وضرورة وجود فرق أمنية لمراقبة الحدود بين شرق ليبيا ومصر.
من جهته، قال مسؤول غربي في القاهرة إن أزمة ليبيا تكمن في تحولها إلى مسرح للحرب بالوكالة، في ظل تلاقي مصالح عدد من الأطراف. ففي الوقت الذي اجتمعت فيه مصلحة دولة مثل الإمارات وحفتر بمواجهة جماعة الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي من جهة، تلاقت مصالح مصرية وسعودية وإماراتية بمواجهة تركيا التي تدعم حكومة الوفاق الوطني ومعسكر الغرب الليبي. وكشف المسؤول الغربي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، عن توسيع التنسيق خلال الفترة المقبلة بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن الملف الليبي، إيماناً من واشنطن بأن أنقرة باتت لاعباً أساسياً في المشهد الليبي، وبمقدورها تنفيذ توجيهات تخدم الرؤية الأميركية فيها.
يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتبر، أول من أمس، أن دخول بلاده إلى ليبيا أوقف عمليات حفتر فيها، مضيفاً: "ندعم انسحاب حكومة الوفاق من اجتماعات جنيف وهي خطوة مهمة"، مشدّداً في الوقت ذاته تعليقاً على القرار الأوروبي بإطلاق عملية لمراقبة حظر التسليح، على أن "الاتحاد الأوروبي لا يملك أي صلاحيات لاتخاذ قرار بشأن ليبيا". وقال أردوغان: "سندعم حكومة الوفاق حتى تبسط سيطرتها على كامل ليبيا".
واعتمد مجلس الأمن في 12 فبراير/ شباط الحالي، مشروع القرار البريطاني الداعم لمخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا والداعي إلى وقف إطلاق النار بتصويت 14 دولة وامتناع روسيا عن التصويت، في وقت أبدى فيه مسؤولون بحكومة الوفاق الليبية مخاوفهم من عدم جدوى القرار في ظل عدم التزام حلفاء حفتر، في ظل عدم السيطرة على الحدود البرية بين ليبيا ومصر التي تعد داعماً أساسياً للواء المتقاعد. ويقضي قرار مجلس الأمن بالتزام أطراف النزاع الليبي بوقف إطلاق النار وتقيُّد المجتمع الدولي بتنفيذ الحظر المفروض على السلاح، إلى جانب استمرار اجتماعات اللجنة العسكرية "5 + 5" من أجل الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، معرباً عن قلقه إزاء ما وصفها بالمشاركة المتزايدة للمرتزقة في النزاع الليبي.
ودان القرار الحصار الذي فرضه حفتر على الحقول النفطية، وأكد ضرورة المحافظة على الثروات النفطية في ليبيا وأن تظل حصراً تحت سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط. ومدد المجلس في قراره حظر تصدير السلاح إلى ليبيا حتى 30 إبريل/ نيسان 2021، مؤكداً أن الحالة في ليبيا لا تزال تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، كما مدد، يوم الثلاثاء الماضي، التدابير المتعلقة بالتصدير غير المشروع للنفط الخام من البلاد.