وأثار إعلان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي إطلاق برنامج لضبط الزيادة السكانية وتنظيم الأسرة داخل البلاد تحت عنوان "وجهة مصر 2030"، في مواجهة الزيادة السكانية التي تشهدها البلاد بنحو 2.5 مليون نسمة في العام، ردود فعل اجتماعية ودينية متحفظة، لأن البعض يعتبرون أن أزمة مصر لا تكمن في عدد مواطنيها، بل في طريقة إدارة موارد الدولة، واستغلال طاقات الشباب التي تمثّل الغالبية بين السكان.
ويُتوقّع أن يناقش البرلمان اقتراحاً مقدماً من رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، النائب كمال عامر، حول إقرار "حوافز إيجابية" للأسر التي تتكون من أب وأم وطفلين، والهادف إلى خفض معدلات الزيادة السكانية، من خلال إقرار حوافز إيجابية في مجال التعليم والدعم التمويني للأسر التي تنجب طفلين فقط، مع حرمان الأسر التي تنجب ثلاثة أطفال وأكثر من تلك الحوافز، بذريعة أن "الزيادة السكانية تمثل عائقاً أمام التنمية".
كما يناقش عدد من لجان مجلس النواب ملف الزيادة السكانية خلال الفترة المقبلة، لبحث الضوابط التشريعية اللازمة في مواجهة الزيادة السكانية، بالتزامن مع تحركات الحكومة إزاء إلزام المستشفيات الخاصة والعسكرية بفتح وحدات لتنظيم الأسرة، والتعاون مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في موضوع "تجديد الخطاب الديني"، حتى يتوافق مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على التركيبة السكانية للمصريين.
كذلك، تعتزم لجنة التضامن الاجتماعي في مجلس النواب مناقشة مشروع قانون مقدم من بعض أعضائها بشأن "تنظيم الأسرة"، يهدف إلى حرمان الطفل الثالث (ومن يليه) من الخدمات المقدمة من الدولة، على غرار الدعم التمويني والصحي والتعليمي، على أن يسبق إقرار القانون عقد بعض جلسات الحوار المجتمعي حول قضية الزيادة السكانية، وتأثيرها السلبي على معدلات التنمية في مصر.
وقدّمت وزيرة الصحة والسكان المصرية هالة زايد، عرضاً حول المقترح الخاص بالمشروع القومي لتنظيم الأسرة، خلال اجتماع مجلس الوزراء، أمس، مبينة أن الإطار العام للمشروع يهدف إلى خفض معدل الإنجاب لكل سيدة من 3.4% إلى 2.1%، من خلال استهداف المناطق الأكثر نمواً، والتركيز على الشريحة العمرية ما بين 12 و50 عاماً.
وشددت على ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لتحسين الخصائص السكانية، والعادات الصحية الإنجابية، ودعم التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، فضلاً عن تقديم الخدمات المحددة وفقاً لاحتياجات الفئات المستهدفة، مع التركيز على المحافظات الأكثر فقراً، لافتة إلى أن "المشروع سيساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة".
من جهته، قال وزير الأوقاف محمد مختار جمعة إن المفاهيم الدينية الخاطئة ساهمت في تفاقم مشكلة الزيادة السكانية، مشيراً إلى الاتفاق مع المجلس القومي للسكان لتكثيف التوعية المجتمعية والطبية والدينية خلال الفترة المقبلة، مع إتاحة الخدمات الطبية اللازمة، وتوفير وسائل تنظيم الأسرة الآمنة بصورة أكبر للقرى والمناطق المحرومة وغيرها". أضاف أن لدى "الوزارة عدداً من الواعظات للعمل مع الرائدات الريفيات في هذا المجال، لتوعية المرأة المصرية بأن تنظيم الأسرة لا يتعارض إطلاقاً مع الشرع".
كذلك، استعرضت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، جهود الوزارة في التعامل مع ملف الزيادة السكانية، مشيرة إلى أن الإطار الاستراتيجي يقوم على تفعيل دور المجتمع المدني في مجال تنظيم الأسرة، والتأثير الإيجابي على المفاهيم والسلوكيات من خلال الحملات الإعلامية التوعوية، والتعاون بين الوزارات المعنية والشركاء المحليين، والتركيز على أسر "تكافل وكرامة" والأكثر فقراً.
ويتحدث عن تكليفات إلى الجهات المعنية بخصوص هذا الأمر، في مقدمتها وزارة الصحة والسكان، التي تعمل حالياً على إطلاق حملات طرْق أبواب المنازل، وتدشين حملة إعلامية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، للدعوة إلى تنظيم النسل، إضافة إلى التوجه إلى وزارة التربية والتعليم بهدف إدراج المشكلة السكانية ضمن مناهج التعليم، وتركيز وزارة الأوقاف على مواجهة الزيادة السكانية عن طريق "منابر الجمعة".
يضيف المسؤول، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه سيكون هناك دور للدراما الفنية في تناول قضية السكان، والترويج لضرورة مراعاة الظروف التي تمر بها الدولة من زيادة في عدد السكان. محذراً في الوقت نفسه من المساس بقواعد الدين الذي قد يكون له تأثير سلبي بين المصريين.
كما أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية أنها بصدد إنشاء عيادات ثابتة ومتنقلة لتغطية كل المناطق العشوائية والنائية، والتركيز على محافظات ومدن الصعيد، للعمل على تنظيم الأسرة وتوفير حبوب منع الحمل والواقي الذكري واللولب الرحمي.
ويقول وكيل كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر د. محمود الصاوي، في تصريحات خاصة، إن "إصدار قانون لتحديد النسل يعد تدخلاً في إرادة الله، وتحديد النسل بعدد معين من الأطفال من أجل حل أزمة الزيادة السكانية هو حل لا تجيزه الشريعة الإسلامية، كما أنه غير واقعي، ولن يكتب له النجاح في مواجهة المشكلة". يضيف: "هناك حلول كثيرة يمكن اتباعها في هذا الصدد، مثل إعادة توزيع السكان، واعتماد وسائل حديثة لزيادة الموارد الطبيعية والبشرية".
يضيف الصاوي أن هناك فرقا بين تحديد النسل وتنظيم النسل. الأول محرم، لأنه لا يصح شرعاً وضع قوانين تُجبر الناس على تحديد النسل بأي وجه من الوجوه. أما تنظيم النسل فهو جائز "إذا كانت هناك ضرورة تحتم ذلك"، فللزوجين الحق في أن يتصرفا طبقاً لما تقضيه الضرورة. ويقول الأستاذ في جامعة الأزهر د. عبد المنعم فؤاد، إنه في حال صدور تشريعات من مجلس النواب بتحديد النسل، فإن الشعب المصري لن يطبقها، لأنه لا يجوز منع النسل مطلقاً بحجة الاكتفاء بعدد معين من الأولاد، والتفرغ لتربيتهم، موضحاً أن الأزهر ودار الإفتاء حرّما من قبل تحديد النسل.
بدوره، يقول عضو مجلس النواب فتحي قنديل، في تصريحات خاصة أيضاً، إن مسألة تحديد وتنظيم النسل نوقشت أكثر من مرة. لذلك، يجب الابتعاد عن محرمات الدين بمنع النسل، مشيراً إلى أن العشرات من أعضاء البرلمان نادوا مراراً من خلال بيانات وطلبات إحاطة تحت القبة بمواجهة أزمة الزيادة السكانية، إلا أنها كلها حبيسة الأدراج. ويسأل: "هل عجْز الموازنة سببه زيادة عدد السكان؟ الإجابة هي لا، إذ يجب وضع حلول فعلية لأزمات البلاد بعيداً عن هذا الإطار".
أما المعارضون لتحديد النسل، وغالبيتهم من المواطنين العاديين، فيرفضون فكرة تطبيق تشريع جبري لتحديد النسل، لأن الدين والعادات والتقاليد والثقافة المصرية ترفض هذه القوانين، مؤكدين أن أزمة مصر لا تكمن في عدد السكان فقط، وإنما في الإمكانيات المتاحة في الدولة، خصوصاً أن البعض يرى أن ظروفه الاجتماعية والصحية والاقتصادية تسمح بإنجاب عدد أكبر من الأطفال.