مصر تجني الوهم بعد عقد من الشراكة مع أوروبا

25 ديسمبر 2014
الاقتصاد المصري لم يستفد من الشراكة مع أوروبا (أرشيف/Getty)
+ الخط -

بدأت مصر في عام 1995 التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية الشراكة، وتمت الموافقة عليها في عام 2001، إلا أن الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2004، وكان ثمن التوقيع إقالة وزير الصناعة حيذاك الدكتور مصطفى الرفاعي، الذي كان يرى أن الاتفاقية ليست في صالح الصناعة المصرية.

ومنذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، لم يكف الإعلام ولا المسؤولون الحكوميون في مصر عن ذكر محاسن الاتفاقية اقتصادياً، وأنها سوف تؤدي إلى نقلة نوعية للاقتصاد المصري، ولكن بعد عشر سنوات، وُجد أن أداء الاقتصاد المصري لم يختلف كثيراً، وإن كانت الأرقام المطلقة تنم عن زيادة في حجم العلاقات التجارية والاستثمارية بين الطرفين. ولكن السؤال هو هل أدت الاتفاقية إلى وجود نقلة نوعية في الاقتصاد المصري؟

وشأن العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية، أهملت الإدارة الاقتصادية المصرية الاستفادة من الفترات الانتقالية، لتجد الأنشطة الاقتصادية المصرية نفسها أمام تحديات لا قبل لها بها، ما حدث بعد توقيع اتفاقية منظمة التجارة العالمية، هو ما حدث مع توقيع اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، والكوميسا وغيرها.

الصناعة المصرية بمكوناتها البسيطة وتخلفها التكنولوجي، واعتمادها الكبير على استيراد التكنولوجيا، وجدت نفسها فجأة في عام 2004 أنها تواجة منافسة الصناعات الأوروبية، التي تعتمد على مكون تكنولوجي عالٍ ومتقدم، ومن عجب أن المسؤولين الأوروبيين يعلنون هذه الأيام بأن السيارات الأوروبية ستدخل مصر في عام 2019 بلا جمارك!

معنى دخول السيارات الأوروبية لمصر بدون جمارك في بداية عام 2019، أن صناعة السيارات الموجودة بمصر الآن سوف تغلق أبوابها، خلال هذه الفترة، فمقومات هذه الصناعة في مصر لا تقوى على المنافسة مع الصناعات الأوروبية، فضلاً عن أن المستهلك المصري مؤهل نفسياً للإعجاب بكل ما هو أجنبي، وبخاصة المنتج الأوروبي. وهو ما يعني أن مصر ستكون مجرد سوق في عام 2019 لصناعة السيارات الأوروبية.

تواضع التبادل التجاري

من الأوهام التي رُوّجت عند التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أن التبادل التجاري لمصر مع الاتحاد الأوروبي سوف يشهد قفزات كبيرة، وأن الصادرات المصرية ستنفذ إلى 15 دولة أوروبية، ولكن الواقع بعد عشر سنوات لم يدل على هذا التفاؤل المفرط.

فالصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي في عام 2004/2005 أي بعد العام الأول من توقيع الاتفاقية بلغت 5.1 مليار دولار وبما يعادل نسبة 37.2 % من إجمالي الصادرات المصرية. وفي عام 2012/2013 أي بعد ما يقرب من عشر سنوات، وجد أن الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي تبلغ 9.7 مليار دولار وبنسبة تبلغ 37.2 % من إجمالي الصادرات المصرية لنفس العام.

والملاحظ أن الفارق بعد نحو عشر سنوات ضئيل للغاية، ويتمثل في 4.6 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الفارق يرجع بشكل كبير إلى ارتفاع أسعار النفط، حيث يمثل النفط الخام والغاز الطبيعي جزءاً كبيراً من الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي، وإذا ما أردنا أن نحسب متوسط الزيادة على مدار العشر سنوات في صادرات مصر للاتحاد الأوروبي نجد أنها لا تزيد عن 460 مليون دولار فقط.

أما عن الواردات المصرية من الاتحاد الأوروبي، فإنها بلغت 7.8 مليار دولار في عام 2004/2005، وبما يمثل 32.4 % من إجمالي الواردات المصرية لنفس العام، وارتفعت في عام 2012/2013 لتصل إلى 17.6 مليار دولار، لتمثل نسبة 30.7 % من إجمالي الواردات المصرية لنفس العام.

أي أن الواردات المصرية من الاتحاد الأوروبي زادت بواقع 9.8 مليار دولار، وبما يصل إلى متوسط قدره نحو مليار دولار سنوياً. وهو ما يعني أن الميزان التجاري لا يزال في صالح الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي زادت فيه الصادرات المصرية في المتوسط سنوياً بنحو 460 مليون دولار، زادت واردات مصر من الاتحاد الأوروبي في المتوسط بنحو مليار دولار.

ويعد ذلك وضعاً طبيعاً لأداء الاقتصاد المصري، فهو اقتصاد ريعي، ويعتمد على الاستهلاك، أي أنه ليس اقتصاداً تصديرياً، ولذلك لم تحصد مصر من علاقاتها بالاتحاد الأوروبي عبر اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية المزايا المنتظرة التي كان يروج لها عند توقيع الاتفاقية منذ عشر سنوات.

وبالنظر إلى طبيعة مكونات التبادل التجاري بين الطرفين، نجد أنها سلع تقليدية، ولا تمثل نقلة نوعية تحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصري، فحسب بيانات تقرير البنك المركزي السنوي لعام 2012/2013، نجد أن صادرات مصر للاتحاد الأوروبي تتمثل في البترول الخام، ومنتجات بترولية، وآلات، وأجهزة كهربائية. بينما واردات مصر من الاتحاد الأوروبي تتمثل في المنتجات البترولية، واللدائن ومصنوعاتها، ومصنوعات من الحديد والصلب.

إن علاقة الاتحاد الأوروبي بمصر لا تتوقف عن التبادل التجاري، ولكن هناك مجالان مهمان تتضمنهما هذه العلاقة، وهما السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تمثل مساهمة الاتحاد الأوروبي في تدفقات الاستثمار الأجنبي لمصر نسبة 60 %، ولكن مع ذلك فإن جملة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر لازالت محدودة من حيث القيمة، فهي في أحسن الأحوال سجلت 13 مليار دولار من مختلف دول العالم في عام 2006/2007، وبشكل عام فإن أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، بما فيها مساهمات دول الاتحاد الأوروبي، لم تغير من طبيعة الصادرات المصرية، ولم تطور صناعتها المحلية، ولم تسهم بشكل كبير في تخفيف مشكلة البطالة.

أما المجال الثاني المهم في علاقة الطرفين فهو مجال السياحة، حيث يمثل الاتحاد الأوروبي نسبة لا تقل عن 70 % من حركة السياحة بمصر على مدار السنوات الماضية، وبخاصة في الموسم السياحي الشتوي بمصر والذي يتواكب مع عطلات المجتمعات الأوروبية السنوية، ولكن السياحة في مصر تعاني من تراجع وركود على مدار السنوات الأربع الماضية، فضلاً عن أن السياحة الأوروبية بشكل عام شديدة الحساسية للأحداث السياسية والأمنية التي تشهدها مصر والمنطقة العربية، مما يعرض السياحة الأوروبية لمصر لتقلبات سلبية كبيرة.

تحديث الصناعة

تبنت اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي برنامجاً لتحديث الصناعة المصرية، على أن يكون تمويل البرنامج مناصفة بين الجانبين، وعُوّل كثيراً على هذا البرنامج، ولكن الواقع أن هذا البرنامج لم يستفد منه بشكل مباشر إلا المكاتب الاستشارية، وبعض شركات البرمجيات، فوجهة النظر الأوروبية كانت تركز على الجانب الإداري وتطويره باعتبار مشكلة مصر في مجال الصناعة هي مشكلة إدارة، بينما عبّر رجال الأعمال المصريون في أكثر من محفل بأن قضيتهم هي نقل التكنولوجيا، وهو ما لم يحدث من الجانب الأوروبي، فظلت الصناعة المصرية تعتمد على تكنولوجيا تقليدية، وفي الغالب مستوردة، وثمة تغير ملحوظ في العدد والآلات المستخدمة في الصناعة المصرية على مدار العقدين الماضيين، أنها تعتمد بشكل رئيس على استيراد هذه المكونات من الصين، نظراً لرخص سعرها، وتوافر قطع غيارها بأسعار رخيصة.

والملف للنظر أن برنامج تحديث الصناعة، شابته الكثير من تهم الفساد، حتى أن آخر مدير له قبل ثورة 25 يناير حوكم في قضية فساد بعد الثورة، وهو واحد ممن يشار إليهم بالبنان في عالم القطاع الخاص المصري.

بقي أن نشير إلى أن هناك من المستثمرين الأجانب الذين استفادوا من الاتفاقيات الإقليمية التي وقعتها مصر بشكل كبير مثل الهنود والأتراك، وبخاصة في النسيج والملابس الجاهزة والأجهزة الكهربائية. فهؤلاء المستثمرون الأجانب أتوا ليستفيدوا من المزايا الجمركية والضرائبية التي تتيحها اتفاقية الشراكة مع أوروبا أو اتفاقية الكوميسا مع أفريقيا، أو اتفاقية التجارة العربية الحرة. أما المنتجون المصريون فغالبيتهم ركزوا على التجارة وانصرف عن الصناعة لضعف المردود المادي منها، ولضعف منافسة الصناعة المصرية للصناعات الأخرى لدى الشركاء.

المساهمون