لا تقتصر مشكلات إدارة مصر لأزمة كورونا على ضعف الإمكانيات التمويلية والتضارب في القرارات ذات الصلة وعدم توفير حماية للأطباء والمرضى إلى درجة اقتراب المنظومة الصحية من الانهيار، بل طاولت بروتوكولات العلاج المتّبعة في المستشفيات مع الإصرار على مخالفة توصيات منظمة الصحة العالمية وذلك في ظلّ تعثّر مساعي الحكومة لجلب عقاقير جديدة من الدول المصنّعة والمشاركة في تجربتها سريرياً في البلاد.
بعد نحو أسبوع من تحذير منظمة الصحة العالمية من استخدام عقار "هيدروكسي كلوروكين" لعلاج المصابين بفيروس كورونا الجديد، جدّدت وزارة الصحة والسكان المصرية ثقتها في اعتماد هذا العقار كعلاج أساسي للإصابات في مستشفيات الفرز والإحالة والعزل تحت إشراف طبي، على الرغم من إعلانها في وقت سابق أنّها في صدد تغييره عقب اكتشاف أنّ آثاره الإيجابية محدودة قياساً بسلبياته على الحالات الأكبر سناً والتي تعاني أمراضاً مزمنة. وقد أتى ذلك بعد ساعات من العمل بتدابير وقائية مخففة في الشارع المصري ابتداءً من السبت 30 مايو/ أيار، مع تطبيق حظر تجوّل من الساعة الثامنة مساء وحتى الساعة السادسة صباحاً مع خروقات مستمرة، إلى جانب إعادة فتح المحال والمراكز التجارية (المولات) من الساعة السادسة صباحاً حتى الساعة الخامسة مساء، مع إلزام جميع المواطنين في الشوارع والمنشآت بوضع الكمامات.
يقول مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" إنّ "اللجنة العلمية المختصة بتحديث بروتوكول العلاج جدّدت الاعتماد على هيدروكسي كلوروكين لعجزها عن إيجاد بديل مناسب لجهة التأثير والثمن لتعميمه كعلاج أساسي، خصوصاً أنّ الوزارة تحتفظ بكميات هائلة من العقار في ظلّ عجز كبير في عقاقير عدّة في السوق المصري". يضيف المصدر أنّ "اللجنة وضعت شروطاً إضافية لاستخدام العقار تهدف إلى تقليل استخدامه والمعرّضين له بشكل عام، كذلك لن يتمّ الاعتماد عليه بشكل أساسي في علاج الحالات البسيطة المعزولة منزلياً".
ويوضح المسؤول نفسه أنّ "اللجنة ألغت استخدام عقار تاميفلو الخاص بعلاج إنفلونزا إتش1 إن1، والذي كانت مصر من الدول القليلة جداً التي تستخدمه في بروتوكولات علاج كورونا، وذلك لأسباب عدّة، أبرزها أنّ استخدامه بكثافة في المستشفيات أدّى إلى تضاعف سعره أكثر من 10 مرات واختفائه من الأسواق بالإضافة إلى عدم تحقيقه نتائج إيجابية تذكر إلا في حالات نادرة". ويشير المصدر إلى أنّ "الوزارة ما زالت تنتظر دفعات من عقار ريمديسيفير الذي اعتُمد في عدد من الدول ذات السجل الجيّد في التعامل مع الأزمة"، متابعاً أنّه "كان من المفترض وصول كميات من العقار في منتصف مايو/أيار المنصرم بناءً على تنسيق مسبق بين القاهرة وواشنطن لتجريبه سريرياً. لكن ما حدث هو أنّ الدفعات المتّفق عليها والمموّلة من قبل منظمة الصحة العالمية تأخرت لأسباب تتعلق بالجانب الأميركي".
أما العقار الآخر الذي تمّ تجريبه سريرياً في مصر فهو "أفيجان" الياباني، ويقول مصدر وزارة الصحة نفسه إنّه "لم يحدث تأثيراً إيجابياً يُذكر. بالتالي فإنّ الكميات التي تمّ استيرادها بمعظمها بواسطة الصين لم يعد لها نفع، خصوصاً بعدما ثبت تضارب تأثيره مع هيدروكسي كلوروكين وعقاقير أخرى".
وتُعَدّ نسبة التعافي من فيروس كورونا الجديد المسجلة في مصر من أدنى النسب عالمياً، مع أقلّ من 25 في المائة فيما تصل نسبة الشفاء العالمية إلى نحو 43 في المائة. وتعزو السلطات انخفاض نسب التعافي إلى وصول المصابين في مرحلة متأخرة إلى المستشفيات، إمّا للتأخّر في الإبلاغ وإمّا لصعوبة استقبال الحالات، بالإضافة إلى ضعف المناعة وازدياد معدلات الإصابات المسجّلة بين كبار السنّ.
تجدر الإشارة إلى أنّ خطة التعايش مع فيرس كورونا التي كلفت الحكومة وزيرة الصحة والسكان هالة زايد بإعدادها، تتضمن بنوداً عدّة غامضة لجهة إمكانية تطبيقها في مصر ولجهة مدى واقعيتها في ضوء الكفاءة الفنية وكذلك الاقتصادية للدولة، من قبيل إلزام جميع المواطنين بوضع كمامات في حين تراجعت الحكومة عن فرض تسعيرة للكمامات ومستحضرات التعقيم الكحولية لمدّة شهرين بعد ضغط من كبار مستوردي تلك السلع وموزّعيها ومصنعيها وامتعاضهم من ضعف المردود المالي العائد عليهم في حال تنفيذ قرار رئاسة الوزراء.