أجّلت محكمة جنايات القاهرة المصرية، اليوم الأربعاء، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، أولى جلسات إعادة محاكمة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، و15 آخرين من المعتقلين بأحداث مكتب الإرشاد، بعد إلغاء أحكام الإعدام والمؤبد الصادرة ضدهم في القضية، من محكمة أول درجة، إلى جلسة 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لحين اتخاذ إجراءات رد ومخاصمة المحكمة.
وأمر القاضي بإخراج بديع خارج القاعة، وذلك لما ارتأته المحكمة ارتكاب فعل من شأنه الإخلال بنظام الجلسة، على حد زعمها.
وأثبتت المحكمة في ملحوظتها بمحضر الجلسة أنه وأثناء حديثها، تحدث بديع بشكل يخل بنظام الجلسة، لتطالبه بعدم التحدث إلا بإذن منها، إلا أنه استمر في الحديث، وهو ما اعتبرته المحكمة بأنه يُشوّش عليها فأمرت بإخراجه.
وعقب ذلك غضب المعتقلون، وطالب عضوا مجلس الشعب السابقين عصام العريان ومحمد البلتاجي، برد المحكمة لتربّصها بالمعتقلين ووجود خصومة بينهم تمنعها قانونيا من استكمال المحاكمة.
وقال العريان إن هناك خصومة بين المحكمة والمعتقلين، وهو ما وصفه العريان بـ"الثأر الشخصي"، قائلاً: "هناك ثأر شخصي مع رئيس الدائرة، لأن والده شيرين فهمي، قُتل وأحيل بعدها متهمون ينتمون لجماعات إسلامية في تلك القضية، ولذلك فهناك ميل شخصي لدى رئيس الدائرة ضد كل من ينتمي للجماعات الإسلامية".
أما البلتاجي، فأكد أن هناك خصومة شخصية مع المحكمة، ورئيس الدائرة ينتقم من كل مَن ينتمى إلى التيار الإسلامي.
وكانت محكمة النقض قضت بقبول الطعون المقدمة من هيئة الدفاع عن بديع، و15 آخرين من المتهمين بأحداث مكتب الإرشاد، الذين يطالبون فيها بإلغاء أحكام الإعدام والمؤبد الصادرة ضدهم في القضية، وقررت المحكمة إلغاء الأحكام، وإعادة محاكمتهم أمام دائرة مغايرة.
واستمعت محكمة النقض لمرافعة هيئة الدفاع الموكلين عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين، حيث دفع الدفاع في المرافعة بمجموعة من الأسباب، أبرزها الفساد في الاستدلال، حيث إن الحكم الطعين قد أقام قضاءه بالإدانة على ما جاء بالتحريات متخذاً منها ومن أقوال مجريها سنداً لقضائه بإدانة الطاعنين وآخرين بتهمه الاشتراك.
وأوضح أن التحريات التي أقامها ضباط الأمن الوطني والتي اعتمد عليها الحكم الطعين، لا تصلح بذاتها أن تكون دليلاً كاملاً على ثبوت إدانة الطاعن وأنها لا تعدو كونها تعبيرا عن رأي مُجريها لكونها في حقيقتها غير محددة المصدر بما لا يمكن المحكمة من بسط رقابتها عليها وتقديرها والتعويل عليها كدليل، وإعفاء التقارير الطبية والتي لم يرد فيها آثار تعذيب أو أي شيء وهو ما استقرت عليه.
وأضاف أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءة صادرة في ذلك عن عقيدة منه هو ما يجريه من التحقيق مستقلاً عن تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقع التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً سواه.
وتابع: كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً على ثبوت التهمة.
كما دفع الدفاع أن الحكم الطعين في تأسيسه لقضائه بالإدانة، استند إلى أن مصلحة المتهمين، ومنهم الطاعنون، دليل سائغ يترتب عليه إدانتهم بالرغم من الاشتباه، ولا يمكن التعويل عليه كدليل في القضاء بالإدانة وهو ما تمسك به دفاع الطاعنين في مرافعته مستندا في ذلك الى ما جاء بالعديد من أحكام محكمة النقض عن أن الاشتباه لا يكفي بذاته للقضاء بالإدانة ولا يعد دليلاً على ارتكاب المتهمين لفعل الاشتراك في القتل.
والدفع أيضاً بقصور الحكم في التسبيب، حيث يشترط في ذلك أن تتحد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه (القتل) وهو ما لم يدلل الحكم على توافره فلم يبين عناصر الاشتراك والقصد في ارتكاب الفعل واكتفاء الحكم في ذلك بالتسبيب المجمل بما لا يبين حقيقة مقصود الحكم، ولا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من التسبيب، الأمر الذي يصِم الحكم بعيب القصور في التسبيب ويوجب نقضه.
وكذلك الدفع بفساد الحكم في الاستدلال، حيث إن الحكم الطعين قد تعسف في الاستنتاج وحمل شهادة الشهود على غير مؤداها، ولما كان حكم قد قصر عن بيان ذلك لم يعن بالنظر إلى أقوال شهود الإثبات وبيان صحيح مؤداها مخالفا في ذلك أصول الاستدلال.
وأخيرا الدفع بعجز قرار الاتهام عن إسناد الفعل الإجرامي إلى الطاعن وأيضاً عجز الحكم عن ذلك.
وقالت هيئة الدفاع إن كل ما تقدم يبين بوضوح تام لا لبس فيه ولا إبهام أن الحكم الطعين قد أصابه العوار الذي يعيبه ويوجب نقضه.
وشهدت الجلسة الماضية قيام نيابة النقض بتقديم مذكرة إلى المحكمة، توصي فيها بقبول الطعون المقدمة وإلغاء الأحكام المطعون عليها، وإعادة المحاكمة أمام دائرة جديدة.
وكانت هيئة الدفاع سلمت إلى محكمة النقض عددا من المذكرات الخاصة بالطعن على الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة المصرية، في القضية الشهيرة إعلامياً باسم "أحداث مكتب الإرشاد"، التي وقعت في 30 يونيو/حزيران 2013، بمحيط مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة المقطم في القاهرة، بإعدام 4 قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، والسجن المؤبد لـ12 آخرين من قيادات الجماعة وذلك لاتهامهم بذات القضية.
وشملت أسماء المحكوم عليهم بالإعدام كلا من: محمد عبد العظيم البشلاوي، ومصطفى عبد العظيم فهمي، وعاطف عبدالجليل محمد، وعبد الرحيم محمد عبد الرحيم. بينما شملت أسماء المحكوم عليهم بالمؤبد كلا من: المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، والنائب الأول للمرشد العام للجماعة، المهندس خيرت الشاطر، والنائب الثاني للمرشد العام للجماعة رشاد بيومي، ورئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، الدكتور سعد الكتاتني، ونائبه الدكتور عصام العريان، وعضو المكتب التنفيذي للحزب الدكتور محمد البلتاجي، والمرشد العام السابق الدكتور محمد مهدي عاكف، ووزير الشباب السابق أسامة ياسين، ومستشار رئيس الجمهورية السابق أيمن هدهد.
كما ضمت أسماء المحكوم عليهم بالمؤبد أعضاء وقيادات الجماعة: أحمد شوشة، وحسام أبوبكر الصديق، ومحمود الزناتي، وهم أعضاء في حزب الحرية والعدالة ومكتب الإرشاد.
وكانت الأحكام قد صدرت رغم أن الطب الشرعي وتحريات الأمن الوطني جاءت في القضية لصالح المتهمين وأنهم كانوا في حالة دفاع عن النفس.
فقد جاءت شهادة الدكتور محمد رمضان سيد، طبيب بمصلحة الطب الشرعي، وأحد المشاركين في إعداد تقرير حول القضية وتشريح جثامين المتوفين فيها، بأن إطلاق الرصاص على المجني عليهم، كان من أعلى إلى أسفل، موضحا أن اتجاه إطلاق الرصاص بدا واضحا خلال الكشف الظاهري على المجني عليهم، ومعاينة فتحات الدخول والخروج والمسار الذي أطلق منه الرصاص، وأن مُطلقي الرصاص كانوا يعتلون سطح بناية قريبة من موقع المتظاهرين في المنطقة التي يقع فيها مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين.
وأضاف الشاهد أن إطلاق النار لم يكن من داخل بمبنى الإرشاد، وإنما من عقارات مجاورة. وعقب هذه الشهادة أعلن الدفاع تنازله عن مناقشة باقي الأطباء الشرعيين ورغبته في سماع باقي الشهود في القضية، لأن هذه الشهادة تصب في مصلحتهم وتعبر عن حقيقة ما حدث من وجود مؤامرة.
كما جاءت تحريات الأمن الوطني، والتي أعدها الرائد مصطفى عبد الغفار عفيفي (34 سنة)، ويحمل كارنيها رقم 909 لسنة 2001 صادر عن وزارة الداخلية، والتي تم الانتهاء منها في المحضر الرسمي المسطر في تمام الساعة الثانية عشر مساء يوم 5 يوليو/ تموز 2013، وفقا لنص التقرير، أنه تنفيذا لقرار النيابة العامة في المحضر رقم 6187 لسنة 2013 جنح المقطم، المتضمن طلب تحريات الأمن الوطني عن الأحداث، فقد أدت التحريات إلى صدور دعوات للتظاهر ضد سياسات جماعة الإخوان المسلمين، والرئيس الدكتور محمد مرسي العياط، في إدارة شؤون البلاد وقتها.
واعتزام المواطنين الخروج في تظاهرات ومسيرات يوم 30 يونيو/ حزيران 2013، حيث شملت تلك الدعوات التظاهر أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، ومقار حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين على مستوى الجمهورية بتاريخ 30 يونيو 2013.
ودلت التحريات أنه في مساء يوم 30 يونيو 2013، بدأ توافد بعض المجموعات من المتظاهرين أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، الكائن بمنطقة المقطم بشارع 10 المتفرع من شارع 9 دائرة قسم المقطم، للإعراب عن اعتراضهم على أسلوب إدارة البلاد خلال فترة تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة البلاد.
حيث تطورت الأحداث وتصاعدت وتيرتها في أعقاب اضطلاع عدد من المتظاهرين بمحاولة اقتحام الباب الأمامي الخاص بالمقر المشار إليه، وقيامهم بإلقاء قطع الحجارة وزجاجات المولوتوف للتعبير عن غضبهم، وقد أعقب ذلك ظهور عدد من الأشخاص من خلال نوافذ مبنى مقر الجماعة المشار إليه، مستغلين في ذلك عدم وجود إضاءة داخل المبنى.
وبادروا بإطلاق الأعيرة النارية وطلقات الخرطوش باتجاه المتظاهرين عبر النوافذ، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد من المتظاهرين ما بين مصاب ومتوفى، جراء تعمّد إطلاق الأعيرة النارية من أنواع متعددة من الأسلحة ممن كانوا متواجدين داخل المقر.
ووفقا لهذا الجزء من التحريات، فإنه يؤكد اعتداء المتظاهرين أولا على المقر، وقد أدى ذلك إلى تحطم المقر، واشتعال النيران به جراء إلقاء قنابل المولوتوف – وفقا لتسلسل الأحداث – وتعرض حياة المتواجدين فيه للخطر، قبل مبادرتهم بالرد على هذه الاعتداءات الإجرامية دفاعا عن النفس، بينما قامت النيابة العامة بتوجيه اتهامات لقيادات جماعة الإخوان المسلمين بالقتل والتحريض على القتل في الواقعة رغم كونهم المعتدى عليهم.
ومن الغريب أيضاً، أن دائرة أخرى في محكمة جنايات القاهرة المصرية، أصدرت في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2014 حكماً ببراءة 30 متهماً من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم هاربون، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"أحداث المقطم الأولى"، بعد أن تبين للمحكمة بناء على مرافعة الدفاع، أن المتهمين كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس، وإثبات أن بعض المتهمين لم يكونوا في أماكن الواقعة لحظة وقوعها، وتضارب تحريات الأمن الوطني، وهو ما ثبت يقيناً لدى هيئة المحكمة التي أصدرت حكمها.