مصر بعد الانقلاب: بحثاً عمّا تبقّى من شعارات الثورة

02 يوليو 2014
شعارات الميادين لم تتحوّل إلى واقع معاش (جون موري/Getty)
+ الخط -

خرج الشعب المصري في ثورة يناير، هاتفاً بشعارات "العيش"، و"الحرية"، و"العدالة الاجتماعية". وبعد عام من الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي، يبدو أن الشعارات حافظت على نفسها كشعارات فحسب، من دون أن تتحول إلى وقائع ملموسة، بل إن نظرة أخرى للواقع المصري الحالي تؤكد أن البلد يعود للخلف حتى على مستوى الشعار. شواهد كثيرة تؤكد على ذلك، بدءاً بالأحوال المعيشية، والإضرابات العمالية التي تتصاعد، وأوضاع السجون التي تمتلئ بحكايات التعذيب.

الصورة السابقة يرسمها شبان مصريون، شاركوا في ثورة يناير، وباتوا يتساءلون اليوم، بعد عام على الانقلاب، عن مصير ما صدحت به حناجرهم هتافاً وشعاراً.

سرقة الثورة

شارك شهاب عبد السلام في ثورة يناير وهو، اليوم، يرصد أخطر القرارات التي صدرت، والتي يعتبرها "مضادة" للثورة، بدءاً برفع أسعار الكهرباء، والمياه، وغاز المنازل. الأمر الذي ترك أثره، بحسب عبد السلام، على جميع المواطنين، ولا سيما على الفقراء، وهو الواقع الذي يتناقض، بصورة جذرية، مع شعار "ميدان التحرير"؛ العدالة الاجتماعية.

يتحدث عبد السلام عن أزمة "البوتاغاز"، بعدما وصل سعر الأسطوانة إلى 60 جنيهاً تقريباً، من دون أن يُسمع صوت لأولئك الذين "صدعونا بالحديث عن العدالة والكرامة"، كما يقول.

من جهته، يقول أحد ثوار "ميدان يناير"، أسامة الرفاعي، إن "الثورة قامت ضد نظام حسني مبارك الذي انعدمت فيه الحرية والعدالة الاجتماعية، وانتهكت الكرامة، وتجبّرت فيه الشرطة على الشعب الأعزل". ولا يتردد الرفاعي بالقول إنه شارك في تظاهرات 30 يونيو/حزيران ضد حكم الإخوان، قبل أن يضيف "لكن العسكر للأسف سرقوا الثورة، وتنكروا لشعاراتها، وانتعش فلول مبارك من جديد، حتى صار إبراهيم محلب رئيسًا للوزراء، وهو احد أكثر رجال مبارك إخلاصاً".

ويتساءل الرفاعي عن كيفية تحقيق أهداف الثورة، بعد إصدار "الانقلابيون" قانوناً يمنع التظاهر. يجيب عن السؤال بنفسه: "نحن ننادي بتطهير البلاد من الفساد، وننادي بمحاكمة كل من أجرم في حق الشعب، والقضاء على الوساطة والمحسوبية، وننادي بالعمل فوراً على تحقيق شعار الثورة"، ولكن كيف يمكن القيام بذلك في ظل غياب حق التعبير عن الرأي عبر التظاهر؟

مؤشرات واضطرابات

يركز الباحث الاقتصادي، سليمان عبد البر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على مسألة المطالب الشعبية المتعلقة بمسألة الأجور، ويقول إنه "إذا تم التفاوض على الحد الأدنى من الأجور، فإن التطبيق تم بطرق ملتوية أفرغته من مضمونه"، ويضيف متسائلاً "أية حياة كريمة، وأية كرامة، وأية عدالة اجتماعية، يمكن أن تتحقق في ظل تفاوت مستويات الدخول الرهيب، وهو تفاوت يفوق ما كان عليه الوضع أيام مبارك؟".

وتؤكد التحركات العمالية، التي تعتبر مؤشراً عن الأوضاع المزرية بشكل عام، على كلام عبد البر. فقد شهد الربع الأول من العام الجاري، 1420 احتجاجاً عمالياً، بحسب تقرير صادر عن "مركز المحروسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية". وأكد التقرير أن مصر شهدت، خلال هذه الفترة، موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات والإضرابات العمالية، والتي شارك فيها العمال من قطاعات اقتصادية مختلفة.

من جهته، يقدم الخبير الاقتصادي، هاني الحسيني، تعريفاً بسيطاً لـ"العيش"، معتبراً أنه الحياة الكريمة، ويضيف: "لكي نحصل على العيش، يجب أن نملك مصادره، ولكي يتحقق لنا ذلك، يجب أن تكون هناك دولة تعرف أن من مَلك قُوته ملك قوّته، فنداء الثورة بالعيش، كمطلب

وهدف، كان نداءً خالصاً كي تكون لنا سلطة تعرف أن مستقبل الدولة مرتبط بالحفاظ على قوت شعبها".

يستفيض الحسيني في شرح رؤيته لدور الدولة، ويرى أنها قادرة، إذا أرادت، على تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنها "اختارت السير على طريق ما قبل الثورة". ويشير إلى أن "الضرائب لا يجب أن تكون مجرد أداة مالية محايدة لتمويل الإنفاق العام للدولة، بل أداة ضرورية نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لعملية التنمية، بل ويمكن أن تسهم في منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات العاملة، والعديد من الفئات في المجتمع".

الكرامة

يلفت مدير مؤسسة "الدفاع عن المظلومين"، محمود حامد، إلى أن الكرامة "تعني ألا يكون هناك تمييز في الخدمات الحكومية بين الأفراد، وأن يجد المواطن إنسانيته حين يستقل وسيلة المواصلات المناسبة، وحين يدخل أولاده مدرسة تليق ويطمئن إلى حسن التعليم فيها". الأمور التي يتحدث عنها حامد تبدو بعيدة جداً عن الواقع المصري، فاحترام أصحاب السلطة في إدارتهم للمصالح الحكومية غير متوفر، وحماية المواطن من التعرض للتعذيب في السجون وأقسام الشرطة، غير مضمون بتاتاً، ويكفي، يقول حامد، "ما نتلقاه من تقارير حول ما يحدث في السجون، وبالأخص فيما يتعلق بالنساء كي تتضح الصورة".

يلخص حامد وضع مصر، ما بعد الانقلاب، بالقول إنها "تعود للخلف"، بدليل استمرار تقييد الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، وارتكاب جرائم التعذيب والاغتصاب بحق المعتقلين والمعتقلات، في إطار سلسلة من جرائم وصفت بأنها ضد الإنسانية، حسبما أشارت تقارير صادرة عن منظمات حقوقية ونشطاء سياسيين.

هكذا بقيت الشعارات حبيسة الفضاء، ولم تتحول لواقع. فعلاً مصر "تعود للخلف".

المساهمون