وأدى ذلك إلى بروز مطالبات داخل الحزب باستبعاد يونس مخيون من منصبه كرئيس الحزب، والدفع ببسام الزرقا مستشار الرئيس المعزول محمد مرسي سابقاً، رئيساً للحزب خلفاً له. وذلك بعد فشل سياسات مخيون وقيادات "الدعوة السلفية"، الذين اعتادوا، وفقاً لمصادر داخل الحزب، على "الانبطاح" أمام النظام الحالي.
وفي محاولة لامتصاص ثورة الغضب داخل الحزب، أجرت قياداته استطلاعاً للرأي في مختلف المحافظات، استفتت فيه قواعد الحزب بشأن ردّ الفعل الذي يجب أن يتخذه الحزب تجاه ما يتعرّض له، حسبما كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد". وتمّ تخيير أعضاء الحزب بين أربعة خيارات، في الاستطلاع، منها: الانسحاب الكامل من الحياة السياسية، مع التركيز على العمل الدعوي فقط كما كان قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، أو الانسحاب الجزئي من انتخابات مجلس النواب في مرحلتها الثانية المقررة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أو الانسحاب الكامل من العملية الانتخابية وسحب قائمة وسط الدلتا وكافة المرشحين في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب.
يأتي ذلك في وقتٍ يبدي فيه مخيون اعتقاده بأن "هذه أسوأ انتخابات في تاريخ البرلمان المصري"، مضيفاً على حسابه على موقع "فيسبوك"، أن "هذه الانتخابات ستظلّ نقطة سوداء مظلمة في تاريخ هذا العهد". ويعرب عن استعداد قيادات "النور" لحلّ الحزب والانسحاب من الحياة السياسية.
وتأتي تصريحات مخيون في ظلّ حملة شرسة يتعرّض لها الحزب من وسائل الإعلام، التي انقلبت على "النور"، بعدما ظلّت تمتدحهم عقب دعمهم لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013. وبلغ الهجوم ذروته قبل انتخابات المرحلة الأولى بساعات، حين انتقد الإعلامي إبراهيم عيسى في برنامجه على قناة "القاهرة والنَّاس"، حزب "النور"، قائلاً إن "كل سلفي هو إرهابي، وأن أعضاء حزب النور إرهابيون ويريدون إعادة مصر إلى عهود الجهل والظلام". ويصفهم الإعلامي أحمد موسى، بدوره بأنهم "ظلاميون وإرهابيون"، داعياً المصريين إلى "عدم السماح لهم بالمرور للبرلمان عن طريق الصناديق".
وفي السياق، يهاجم القيادي، ياسر برهامي، الرئيس عبد الفتاح السيسي علناً، بقوله في إحدى البرامج التلفزيونية: "سأُحاجج السيسي أمام الله"، في إشارة للتجاوزات التي حدثت خلال أيام الانتخابات. ويضيف، في تصريحات صحافية لاحقة، أن "شراء الأصوات حدث أمام اللجان من دون تدخّل من أجهزة الدولة، والجهات المسؤولة عن عملية تأمين الانتخابات".
اقرأ أيضاً ارتدادات زلزال "المقاطعة" المصري: بدء مسلسل الانسحابات
كما انطلقت حملة نظمها عدد من المنتمين للحزب "الوطني" المنحلّ، وبعض داعمي 30 يونيو/حزيران 2013، بعنوان "لا للأحزاب الدينية"، وقاموا بجمع توقيعات شعبية لحلّ ما سمّوه "الأحزاب ذات المرجعية الدينية"، وفي مقدمتها "النور".
من جهته، يكشف أحد قياديي "النور" في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "هناك العديد من الآراء التي تعجّ بالحزب في الوقت الراهن". ويلفت إلى أن "هناك اتجاهاً للاكتفاء بالأصوات التي حصدها الحزب في المرحلة الأولى، مع الترويج لنجاحه في حصد هذه الأصوات، في ظلّ حملة الهجوم الشرس عليه، والتضييق من جانب أجهزة الدولة". ويضيف أن "هذا الاتجاه يقابله رأي آخر يقضي بتفرّغ الحزب خلال فترة الدعاية، لتحقيق أهداف أخرى، مثل الانتشار على الأرض والردّ على الشبهات". ويتابع القيادي بالحزب مردفاً، بأن "هناك مشاورات بين قيادات الحزب وقيادات بعض الأجهزة الأمنية في الوقت الراهن"، رافضاً الكشف عن طبيعة تلك المناقشات.
وكان الخلاف بين النظام و"النور"، قد بدأ على خلفية بداية تحجيم دوره في الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة، علماً أن الحزب، الوحيد المحسوب على الأحزاب الإسلامية، قد انضم إلى خارطة الطريق التي وضعها الجيش، عقب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، في 3 يوليو.
وعلى الرغم من العلاقات القوية التي ظهرت بين السيسي وقيادات الحزب، قبل تولّيه الحكم العام الماضي، إلا أن الأوضاع بدأت تتغير، تحديداً مع وجود رغبة قوية بعدم السماح بحصد "النور" لمقاعد في مجلس النواب. مع العلم أن "النور"، هو الوحيد الذي التقى السيسي في لقاء غير معلن، فضلاً عن لقاء قيادات في "الدعوة السلفية".
ويشير مراقبون، إلى أن "النظام الحالي يريد الإبقاء على حزب النور في دائرة النظام، لناحية رفع الحرج عنه دولياً وإقليمياً، في ظلّ الاتهامات الموجّهة للسيسي حول رغبته في إقصاء التيار الإسلامي". ولكن يبدو أن المعادلة ونظرة النظام لـ"النور" بدأت تتغير، في ظلّ السؤال حول سرّ هذا التغيير.
ويكشف قيادي في "النور" لـ"العربي الجديد"، عن "تواصلٍ حدث ليلة اليوم الأولى لعملية الاقتراع في الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب، مع مكتب السيسي وبعض المقرّبين منه من دائرة رئاسة الجمهورية". ويشرح أن "التواصل تمّ على أساس وجود خرق للقوانين وتجاوزات، لا بحقّ حزب النور فقط بل في العملية الانتخابية إجمالاً، تتعلق بحالات شراء أصوات بكثافة أمام اللجان". ويضيف أن "التواصل استمر على مدار اليوم الثاني، وسط تلميحات لمكتب السيسي باستمرار التجاوزات، ووجود عمليات تزوير في بعض اللجان، وتدخل أجهزة في الدولة لصالح قائمة في حب مصر، ومرشحي الفردي، التابعين للأحزاب المشاركة في القائمة".
ويلفت إلى أن "شراء الأصوات كان يحصل بشكل كبير جداً، تحديداً في الدوائر التي تشهد تواجداً كبيراً للنور، لكن من دون تدخّلٍ من السيسي". ويردف أنه "تمّ القبض على أعضاء حزب النور من محيط بعض اللجان، في حين تمّ السماح لأنصار مرشحين آخرين بشراء الأصوات على بُعد أمتار من بعض اللجان".
ويُتّهم عدد من أعضاء "النور"، بمخالفة قانون الانتخابات، والتورّط في عملية توجيه الناخبين وشراء الأصوات، في عدة محافظات أبرزها الإسكندرية. غير أنه تمّ الإفراج عن عدد من الأعضاء بكفالة، بعد تحويل البلاغات إلى النيابة العامة، إثر تواصل عدد من قيادات "النور" و"الدعوة السلفية"، وعلى رأسهم ياسر برهامي، مع قيادات الأمن ومكتب السيسي.
في المقابل، يُطالب عدد من شباب الحزب بالانسحاب من الانتخابات، ردّاً على ما اعتبروه "تعمّداً لإفشال الحزب في الانتخابات، من خلال تدخل أجهزة في الدولة لصالح مرشحين بعينهم، وغضّ الطرف عن عمليات شراء الأصوات". ولكن هذه الدعوات لم تلقِ استجابة واسعة من قبل قيادات الحزب، إلى حدّ يؤكد فيه قيادي بارز في الحزب، أن "الحزب لم يُدرج على جدول أعماله خلال الأيام القليلة المقبلة، دراسة أمر الانسحاب من الانتخابات من الأساس".
ويشير أحد القياديين البارزين، في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "من الصعب الانسحاب من الانتخابات، الذي يعني الانسحاب من خارطة الطريق، وبالتالي سيكون المصير هو التنكيل بأعضاء الحزب، مثلما الحال مع جماعة الإخوان".
وتبدو واضحة مقاطعة التيار الإسلامي للانتخابات، على خلفية رفض النظام الحالي وتأييد مرسي، وهو ما يؤثر على شعبية وحشد "النور". وتراجعت الكتلة الصلبة التي كان يعتمد عليها الحزب في الحشد خلال الانتخابات، بشكل ملحوظ، حتى وصلت في بعض الدوائر إلى 50 فرداً، في حين كانت خلال الانتخابات عقب ثورة 25 يناير، تزيد عن 300 فرد.
وحول سبب الخلافات الحالية بين السيسي و"النور"، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن "الأول كان يعتمد على الحزب في نفي فكرة تعمّد إقصاء التيار الإسلامي". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "نظام السيسي نجح في فصل النور أكثر وأكثر عن التيار السلفي، بشكلٍ أضعفه تماماً، وهي خطوة كانت متوقّعة في تحجيم دوره". ويشير إلى أن "السيسي حينما بدأ يشعر بأن الأوضاع بدأت تستتب له من حيث النظرة الخارجية، بدأ في مسلسل إقصاء حزب النور، مع ضرورة منحه عددَ مقاعدٍ محددا في مجلس النواب، كنوع من تجميل الصورة". ويلفت إلى أن "تصريحات اللواء سامح سيف اليزل، مقرر قائمة في حب مصر، المدعومة من الدولة ونظام السيسي، بأن حزب النور لن يحصل على أصوات في الإسكندرية، كانت رسالة واضحة بأن دور الحزب انتهى". ويشدد على أن "السيسي لا يشغله حزب النور أو غيره، بل تحجيم دور الجميع بحيث لا توجد قوة يمكنها معارضته، خصوصاً أن عليه ضغوطاً كبيرة من أحزاب رافضة للتيار الإسلامي، بضرورة تحجيم دور النور".
اقرأ أيضاً: مقاطعة الشباب المصري الانتخابات... هل تكون نُذرُ ثورة جديدة؟