وسط غياب الرقابة الحكومية على المبيدات والجهل بطرق استخدامها، يخسر الاقتصاد المصري مليارات الدولارات نتيجة حظر الدول لصادرات الخضر والفواكه، كما تتفشى أمراض خطيرة في البلاد.
وكشف تقرير صادر عن المركز القومي للبحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة في مصر، عن دخول 16 ألف طن من المبيدات الحشرية بمبالغ تقدر بأكثر من ملياري جنيه، من بينها 60% مبيدات من إنتاج "مصانع بير السلم"، إضافة إلى مبيدات مهربة من الخارج.
وغالبية هذه المبيدات تتكون من مركبات لها آثار خطيرة على الزراعة والأرض معاً، معظمها محظور دولياً، فضلاً عن إلقاء كميات كبيرة من المبيدات في مياه النيل، وسرعان ما تتفاعل تلك المبيدات مع المياه وتكوّن ما يقرب من 170 مادة كيميائية سامة تسبب العشرات من الأمراض للمواطنين.
ومن أبرز المبيدات الخطيرة، التي ما زالت تستخدم بكثرة وتدخل البلاد بطرق عشوائية وغير قانونية، في ظل عدم وجود رقابة حقيقية من قبل الدولة، مبيدا "بروميد الميثيل" و"التمك"، وهما من أخطر المبيدات المهربة، لأن المادة الفعالة لهما تظل موجودة بعد رشهما مدة 6 أشهر، ويمنع استخدامهما في رش الخضروات والفواكه.
ومن المبيدات الخطرة الأخرى، مبيد "التمارون"، ومبيد "التوكسافين". وأضاف تقرير وزارة الزراعة، أن هناك المئات من المزارعين يستخدمون تلك المبيدات من أجل التسريع في نضوج الفواكه والخضروات بسرعة دون معرفتهم بمخاطر استخدامها.
وتسببت بقايا المبيدات في خسائر كبيرة للاقتصاد المصري، من بينها تراجع الصادرات إلى الخارج، والسمعة السيئة للمنتجات الزراعية المصرية، وهو ما أدى إلى خسائر تقدر بأكثر من مليار ونصف المليار جنيه مصري خلال العام الماضي، بعد رفض عدد من الدول، بينها الولايات المتحدة والسودان ولبنان، ودول خليجية، إدخال المنتجات المصرية لعدم استيفائها للاشتراطات البيئية والزراعية.
وحتى الآن فشلت كل المحاولات في دخول المنتجات الزراعية إلى العشرات من الدول العربية والأجنبية، على الرغم من تأكيدات وزارة الزراعة أن الخضر والفواكه تخضع لرقابة المعمل المركزي للمبيدات، إلا أن ذلك لم يؤد لأي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
وتم استهلاك كميات الخضر والفواكه في السوق الداخلي، فضلاً عن تلف جزء كبير منها، فيما كشفت مصادر مسؤولة عن أن إقالة وزير الزراعة الأسبق الدكتور عبد المنعم البنا من منصبه الوزراي كانت بسبب فشل الوزارة في علاج مشكلة عدم دخول المنتجات الزراعية المصرية لعدد من دول العالم.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الاستخدام العشوائي للمبيدات في رش الزراعات، أدى إلى تفشي الأمراض المختلفة والأوبئة، وفي مقدمتها الفشل الكلوي والكبدي والسرطان وغيرها من الأمراض المختلفة.
كما أدت هذه المبيدات إلى تلوث البيئة في الريف وإصابة التربة في الأراضي الزراعية بأنواع مختلفة من الحشرات، من بينها 250 آفة وحشرة.
في هذا الصدد، قال الدكتور سميح عبدالقادر، أستاذ علم السموم البيئية بالمركز القومي للبحوث، إن خطر المبيدات ودخولها في مياه البحر، دون ضابط أو رادع، أدى إلى الكثير من المشاكل الصحية والبيئية في مصر، مشيراً إلى أن الأزمة تتواصل منذ سنوات، وما زالت مصر تستورد مبيدات بالأطنان دون النظر لخطرها، مشدداً على أن بعض المبيدات لها فائدة للأرض، إلا أنه يتم إدخال كميات ممنوع دخولها دولياً.
وكشف الدكتور عبد القادر أن هناك مبيدات يتم دخولها، ولكن المكونات الموجودة بالعبوة تختلف عن المسجلة على الورق، وذلك لضعف الرقابة من قبل الحكومة، وتؤدي تلك المبيدات الفاسدة إلى سلالات جديدة من الحشرات تقاوم المبيد وتمكث في الأرض لسنوات طويلة، فضلاً عن تأثير المبيد على جسم الفلاح، مضيفاً أن وزارة الزراعة مسؤولة عن دخول تلك المبيدات.
بدوره، كشف الدكتور فتحي حسين، أستاذ الباطنية بجامعة عين شمس، أن أسباب انتشار الأمراض في مصر، خاصة الأمراض الثلاثة المدمرة: (السرطان – الكبد – الفشل الكلوي) تعود إلى استعمال تلك المبيدات الحشرية وشرب الماء المصاب بتلك المبيدات، كما أن تلك المبيدات تسبب الإصابة بالعقم.
وأشار الطبيب حسين إلى أن تناول الفواكه والخضروات دون أي رقابة من المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات، وعدم التأكد من أن النسب المتبقية من المبيدات في الخضروات والفاكهة في حدود المسموح به قبل وصولها للمواطن، يعتبر من الأسباب الرئيسية للكثير من الأمراض التي زادت في البلاد خلال السنوات الماضية.