عشية عيد العمال الذي يحتفل به العالم في الأول من مايو/أيار من كل عام، انضم عمال شركة "بسكو مصر" للصناعات الغذائية بالإسكندرية، للإضراب عن العمل الذي يبدأه زملاؤهم في القاهرة، بعد إصرار الإدارة على عدم صرف مستحقات العمال المالية ونسبتهم من الأرباح السنوية للشركة المقدرة بـ45 يومًا عن العام الواحد.
فيما يواصل عمال "بسكو مصر" في المقر الرئيسي بالقاهرة، إضرابهم عن العمل الذي بدأوه السبت الماضي، واعتصامهم داخل المصنع بعد تهديد رئيس مجلس الإدارة بعدم صرف الحوافز أو الرواتب في حال استمرار مطالبتهم بالأرباح.
وردًا على تصعيد العمال، أصدرت إدارة الشركة قرارًا بمنح العاملين أجازة مدفوعة الأجر اعتبارًا من الاثنين 23 إبريل/نيسان والعودة إلى العمل يوم الأحد 6 مايو/أيار.
يشار إلى أن خطوة الاعتصام جاءت بعدما ألقت قوات الأمن المصرية القبض على 6 من عمال الشركة، بتهمة تنظيم تظاهرة بدون تصريح، قبل أن تخلي نيابة الأميرية، شرقي القاهرة، سبيلهم يوم 26 إبريل/نيسان الماضي، بضمان محل إقامتهم.
أزمة عمال "بسكو مصر" تلخص إلى حد كبير أوضاع العمال في مصر. فلم يعد للعمال أي متنفس يطالبون من خلاله بحقوقهم، وفي حالة "التجرؤ" على المطالبة بالحقوق، تكون الملاحقات الأمنية والتعسف الإداري نتيجة حتمية لتحركاتهم "المشروعة".
كان النظام المصري قد أصدر القانون رقم 107 لسنة 2013، والمعروف إعلاميا باسم "قانون التظاهر"، المعني بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة، والمواكب، والتظاهرات السلمية، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ولكنه تسبب في اعتقال الآلاف من النشطاء السياسيين في الحركات الثورية المدنية والتيارات الإسلامية والعمال.
وهناك العديد من الأحزاب والمجموعات والحركات السياسية والشبابية تطالب بإلغائه، نظرا لما يحمله من نصوص تنال من الحق في التجمع، فضلا عن النتائج التي أحدثها تطبيق هذا القانون من الزج بالعديد من فئات المجتمع في السجون بزعم خرق نصوصه.
فالقبضة الأمنية التي تحكم المجال العام في مصر، تطاول العمال أيضًا، وعلى الرغم من ذلك نظم العمال حوالي 66 فعالية احتجاجية خلال الربع الأول من العام الجاري، بحسب إحصاء أخير صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
هذه الاحتجاجات، وإن تراجعت بشكل كبير جدًا، ليس لانتهاء أزمات العمال وتنفيذ مطالبهم أو حتى بحثها، بل نتيجة للقبضة الأمنية في مصر، تمثل قمة الغضب المكتوم في المجتمع المصري.
وكان تقرير صادر عن الشبكة ذاتها، في أول يناير/كاون الثاني من العام الجاري، قد أشار إلى أنه على الرغم من الأوضاع السياسية التي بات خلالها الاحتجاج السلمي أو التعبير الجماعي عن رأي أو موقف مغامرة محفوفة بالمخاطر، إلا أنه تم رصد نحو 505 احتجاجات عمالية واجتماعية خلال عام 2017، (165 احتجاجا عماليا، و340 احتجاجا اجتماعيا)، معظمها احتجاجات حقيقية على الأرض، بعيدا عن التلويح بالاعتصام أو الإضراب أو الإعلان عنه قبل حدوثه.
وأشارت الشبكة في تقريرها الراصد للاحتجاجات العمالية والاجتماعية خلال 2017، إلى أن هذا الحصر يمثل الحد الأدنى الذى رصدته الشبكة سواء من الصحف أو عبر محاميها في القاهرة والمحافظات.
وخلص التقرير إلى أنه "رغم انحسار المجال العام نتيجة القمع ورغم اعتقال الكثير ممن مارسوا هذا الاحتجاج، سواء في المجال الاجتماعي أو في المصانع والشركات والهيئات الحكومية بالنسبة للعمال، فمن الواضح أن هذا القمع لم يكن الحل الأمثل للتعاطي مع المشاكل والأزمات التي تسببت في هذه الاحتجاجات".
وفي مقابل هذا الغضب المكتوم، فإن ملفات المصانع المغلقة والأزمات المالية للمصانع والشركات التابعة للقطاعين العام وقطاع الأعمال في مصر، مقفول عليها في أدراج المسؤولين، دون دراسة أو حل، ولا تظهر إلا قبيل الانتخابات فقط من باب الدعاية السياسية، تمامًا مثلما فتح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ملف العمالة غير المنتظمة وضرورة أن تشملهم مظلة تأمينية، قبل الانتخابات الرئاسية في أواخر مارس/آذار الماضي.
وفي تقديرات بعض الخبراء، فإن إجمالي عدد المصانع التي أغلقت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحتى العام، حوالي 8223 مصنعًا، علاوة على المصانع الصغيرة التي لا يوجد لها حصر والتي تصل إلى عشرات الآلاف.
ويرى أستاذ الإدارة المحلية، حمدي عرفة، أن إغلاق تلك المصانع أفقد الدولة ما لا يقل 880 مليار دولار على الأقل منذ إغلاقها.
وأشار عرفة إلى أن العاطلين من العمال – عمالة منتظمة أو غير منتظمة – يصل عددهم في بعض التقديرات غير الرسمية لأكثر من 8 ملايين عامل.
والعمالة غير المنتظمة التي تشمل عمّال المخابز والمناجم والخدمات المنزليّة والزراعة والتراحيل والمقاولات والبناء والتشييد وغيرها، تصل لحوالي 18 مليون عامل، بحسب تقديرات لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري.
ولا تتمتع العمالة غير المنتظمة في مصر بأية تأمينات اجتماعية ولا صحية، ولا حتى بغطاء قانوني، إذ إن قانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003، يعرف في مادته الأولى العامل بأنه "كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه". ما يعني أن كافة العمالة غير المنتظمة لا تندرج تحت هذا التعريف ولا يشملها هذا القانون.
بينما تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، إلى أن عدد العاطلين من العمل في البلاد بلغ في الربع الأخير من العام الماضي 3.309 ملايين شخص.
الجهاز نفسه أكد في آخر تقرير له في فبراير/شباط الماضي، تراجع معدل البطالة في مصر في الربع الأخير من العام الماضي 2017 إلى 11.3%، مقابل 11.9% في الربع السابق له، و12.4% في الربع المماثل من 2016.