مصر التي في الكمين

28 ابريل 2016
(تصوير: محمود حمس)
+ الخط -
منذ قبل ثورة يناير، وحتى اليوم، تُجسّد نقاط التفتيش الأمنية مشهداً يمثّل حياة المواطن المصري. ففي عهد المخلوع حسني مبارك، أيام قبضة الداخلية، كان المواطن يستطيع معرفة أنه مقبل على كمين شرطة؛ حيث يجد أن الطريق تحوّل من ثلاث حارات (مسارب) إلى حارة واحدة للسير ببطء شديد. هكذا، تمر سيارته في الكمين، فيواجه أمين الشرطة الذي سيحدّق في جميع الركاب، ثم يشير إلى سائق الميكروباص بأن "يركن على جنب".

هناك حارة مخصصة للقوات المسلحة؛ ما أن يقترب الضابط من الكمين ويضغط على "السرينة" (ضوء التنبيه الأحمر) حتى يقفز مجند الشرطة العسكرية من ثكنته ليزيل الحواجز، ثم يعود ثانية إلى برج المراقبة ليكمل استماعه إلى نجوم الإف إم على الراديو.

كما سنشاهد، أيضاً، سيارتي ملاكي سوداوي اللون، ذات زجاج مخفي. وسنعرف أن لكل واحدة مالكها وأطباعه وطريقته في التصرّف. فلو تحدّث الضابط قائلاً: "باشا.. مع سلامة الله يا باشا"، سنعرف أن صاحب السيارة مستشار، فلا يليق بمقامه الوقوف مع العامّة.

من السيارة الثانية، سيجيء صوت الضابط قائلاً: "سعاااادة البااااااااشا، أخبار معاليك يا أفندم؟ الكيمن منور يا باشا. توصل بالسلامة سعادتك. اتفضل". لنعرف أنه ضابط زميل له، وأقل رتبة منه.

أما المواطن، سيظل منتظراً حتى يدخل الضابط إلى استراحته، ويعود أمين الشرطة متمنياً أن يجد مع أحد المُنتظرين شريط ترامادول، أو آلة حادّة، أو قطعة حشيش؛ فيساومه: مقابل 100 أو 200 جنيه، سأجعلك تذهب، وإلّا سيكون على المواطن أن يتحوّل إلى الحجز.

لا يختلف الأمر كثيراً مع السيارات الملاكي غير الفارهة؛ إذ يتركها الضابط للأمين حتى يتعامل معها، أو يجد رزقه من خلالها في حال وجود ممنوعات مع أحدهم. والممنوعات، في أيامنا هذه، لا تقتصر على ما ذُكر، بل تشمل أيضاً التطبيقات المُحمّلة على الهواتف الذكية؛ إذ يتعرّض فيسبوك إلى المراقبة، وبحسب المنشورات التي يكتبها أو يشاركها صاحب الهاتف، يُصدر الأمين قراره. أما السيارات الفارهة، فهي من اختصاص الضابط نفسه، مع فارق الأرباح التي قد يحصدها.

تطوّر الكمين أكثر، ولم يعد لجني هذا النوع من الأرباح وحسب، فالقوّات المسلحة لها كمائنها التي تُشكّلها المدرّعات أحياناً، بجانبها يقف عدد من المجنّدين وضباط الشرطة، الأخيرون الذين يرتدون واقياً للرصاص، ويشهرون أسلحتهم أمام المارّة لدواعي محاربة الإرهاب.

يعتقد هؤلاء أنهم معرّضون لهجوم في أي لحظة، ويطلبون زيادةً في الرواتب لأن حياتهم معرّضة للخطر. أما المستشار إيّاه، فهو حاضرٌ أيضاً، ليطمئن على استمرار احتجاز الناس، وجار تلفيق التهم لهم، وبالتالي استمرار "سبوبة" قضايا الإرهاب.

 

المساهمون