أفادت مصادر برلمانية مصرية، في حديث مع "العربي الجديد" بأن "جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة) التابع لوزارة الداخلية تسلم ملف إدارة مجلس النواب من الاستخبارات العامة، بعد ثلاث سنوات من تولي الأخيرة مهمة اتخاذ قرارات البرلمان من وراء الستار". وأشارت المصادر إلى أنه "يوجد صراع بين الجهازين على مدى الأشهر الماضية لإثبات الولاء لمؤسسة الرئاسة، والتي اتخذت في النهاية قراراً بتحجيم دور ائتلاف الأغلبية النيابية (دعم مصر) لصالح حزب مستقبل وطن".
وبحسب المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد" فإن "حزب مستقبل وطن مُدار بالكامل من خلال قيادات الأمن الوطني، رغم كونه جزءاً من ائتلاف الغالبية شكلياً"، منوّهة إلى "صدور تعليمات أمنية إلى أعضاء الائتلاف تباعاً بالانسحاب منه، والانضمام إلى (مستقبل وطن) الذي أسسه جهاز الاستخبارات الحربية قبل أربعة أعوام ليكون ظهيراً سياسياً للرئيس عبد الفتاح السيسي، وجرى تسليم إدارته إلى الأمن الوطني في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة".
وحسب المصادر، فإن "حالة من الغضب المكتوم تنتاب قطاعاً عريضاً من أعضاء الائتلاف، الذين كانوا يحبذون تلقي الأوامر من ضباط الاستخبارات بدلاً من رجال وزارة الداخلية"، لافتة إلى أن "رئيس البرلمان، علي عبد العال، والدائرة المقربة منه، ممثلة في وكيليه، السيد الشريف، وسليمان وهدان، ومستشاره القانوني، محمود فوزي، لا يزالون يخضعون بشكل مباشر لتعليمات مؤسسة الرئاسة، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل".
وعقد أعضاء "دعم مصر" جمعية عمومية لاختيار رئيس جديد للائتلاف، ظهر أمس الإثنين، في أحد الفنادق الكبرى شرقي العاصمة القاهرة، توجه خلالها السويدي بالشكر إلى أعضاء الائتلاف، على ما سماها "جهودهم المخلصة لخدمة الوطن"، و"إنجازاتهم التشريعية"، في إشارة منه إلى مئات القوانين "سيئة السمعة" التي مررها مجلس النواب، منذ انعقاده في 10 يناير/كانون الثاني 2016، وتستهدف في المقام الأول خصخصة الخدمات العامة، وتقييد الحريات.
وجاء اختيار نائب رئيس حزب "مستقبل وطن"، عبد الهادي القصبي، في منصب رئيس الائتلاف، لتأكيد سحب ملف البرلمان من الاستخبارات العامة، وتولي الأمن الوطني مسؤولية إدارة الغالبية البرلمانية، تقديراً لدور الجهاز في التواصل مع كبار العائلات في المحافظات، وإرغام المواطنين، خصوصاً من العاملين في جهاز الدولة الإداري، على التصويت "قسراً" لمصلحة السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مستخدماً في ذلك العديد من وسائل الإكراه المعنوي.
والقصبي هو رئيس لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان، وصاحب مشروع قانون الجمعيات الأهلية، الذي مرره البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ويواجه رفضاً دولياً واسعاً، دفع الحكومة إلى عدم إصدار لائحته التنفيذية إلى الآن. والقصيبي معروف بين أوساط الصحافة والإعلام بـ"درويش كل العصور"، على اعتبار أنه أحد قادة الطرق الصوفية في البلاد، واستطاع نيل رضا جميع الأنظمة المتعاقبة.
وشددت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، على أن "تفكك ائتلاف دعم مصر سيكون بنهاية الدورة البرلمانية الحالية بعد عامين، لإفساح المجال أمام استحواذ حزب مستقبل وطن على مجلس النواب المقبل، من خلال وضع نظام انتخابي جديد بنسبة 75 في المائة للقوائم المغلقة، و25 في المائة للمقاعد الفردية. ويهدف ذلك إلى ضمان أغلبية مريحة لحزب الرئيس، في ضوء سيطرة الأجهزة الأمنية على المشهد الانتخابي، وخضوع الهيئة الوطنية للانتخابات لإملاءات مؤسسة الرئاسة".
وتستهدف دائرة السيسي الأمنية من تصدر الحزب للمشهد السياسي بناء ظهير شعبي في المحافظات، وتولي مسؤولية الحشد في الانتخابات المقبلة، سواء المحلية أو النيابية أو الرئاسية، إلى جانب محاولة تحسين صورة السيسي، بعد انهيار شعبيته بين المواطنين على وقع قرارات رفع الأسعار المتتالية، منذ حصول مصر على الشريحة الأولى لقرض "صندوق النقد الدولي" في نوفمبر 2016.
ونظم الدستور المصري إجراءات إسقاط العضوية عن نواب البرلمان، في حال تغيير الصفة الحزبية التي انتخب النائب على أساسها، غير أنه اشترط موافقة ثلثي عدد أعضاء البرلمان، الأمر الذي يصعب تحققه بعد انضمام هذا العدد الكبير من الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن"، والتي كانت تضم في السابق 51 نائباً فقط، وهو ما يعني استحواذه على نسبة "الثلث المعطل"، مع الأخذ في الاعتبار حالة "التوأمة" بين الحزب وائتلاف الغالبية.
وقبل تولي الأمن الوطني مهام إدارته، أدى جهاز الاستخبارات الحربية دوراً كبيراً في تشكيل حزب "مستقبل وطن"، وتجاوز مرحلة دعمه أو توجيهه إلى إنشائه وتمويله، وتوفير مقار له في المحافظات، في أعقاب انتخابات الولاية الأولى للسيسي عام 2014. وكان الحزب في الأصل جبهة تحمل الاسم نفسه، أسستها الاستخبارات ككيان شبابي لدعم السيسي في انتخابات ولايته الأولى، بحسب شهادة مسؤول الشباب السابق في حملة السيسي، المعتقل حالياً، حازم عبد العظيم.
وقيادات "مستقبل وطن" هم أنفسهم قيادات حملة "معاك من أجل مصر"، الداعمة للسيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي تأسست تحت إشراف القيادي السابق في الحزب الوطني "المنحل"، محمد هيبة، وهو أمين الشباب في حزب الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وأحد الناجين من المسؤولية الجنائية عن موقعة "الجمل"، بوصفه متورطاً في حشد "البلطجية" للاعتداء على المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.