مصر: "إذا كنت تحبني فلا تتابعني على فيسبوك"... أينما كنت يدركك الحجب​

02 سبتمبر 2018
الحديث عن مساوئ هذا القانون انطلق مبكرًا(studioEAST/Getty)
+ الخط -
استفاقت وسائل الإعلام المصرية على تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قوانين الصحافة والإعلام الثلاثة التي تعد بمثابة "قوانين إعدام الصحافة" بحسب وصف مراقبين ومنظمات حقوقية مصرية.

وبدأت الصحف والمواقع الإخبارية تنشر أبرز مواد العقوبات الواردة في نص القانون، وتحذر من المواد الجديدة المضافة إليه خاصة تلك المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي.

ونشرت الجريدة الرسمية في عددها الصادر، اليوم الأحد (2 سبتمبر/أيول)، تصديق السيسي، على القانون رقم 180 لسنة 2018، في شأن إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

وجاء إقرار السيسي لقانون الهيئة الوطنية للإعلام، عقب يومين من تصديقه لقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وقانون الهيئة الوطنية للصحافة.

القانون الجديد، يحقق مقولة "إذا كنت حقًا تحبني، فلا تتابعني على فيسبوك"، وذلك لأن المادة
19 من القانون الجديد تفتح الباب لمطاردة الكلام حتى على فيسبوك وتقنن الحجب وتتوسع في العبارات المطاطة لمعاقبة الصحافيين والسيطرة على مهنة الكتابة.

وتنص المادة على أنه: "يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية. واستثناء من حكم المادة الأولى من مواد إصدار هذا القانون، يلتزم بأحكام هذه المادة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر. ومع عدم الإخلال بالمسؤولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة يجب على المجلس الأعلى اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة وله في سبيل ذلك، وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه".

اللافت أن الحديث عن مساوئ هذا القانون انطلق مبكرًا، وعلى مرأى ومسمع القائمين على الإعلام ونقاباتهم، لكن أحداً لم يحرك ساكنًا.

وفي العاشر من يونيو/حزيران الماضي، وافق مجلس النواب المصري، بشكل بدئي على مشروع قانون تنظيم الصحافة، ما أحدث حالة من الجدل الواسع في أوساط الصحافيين لضرورة التصدي لبعض المواد في مشروع القانون قبل تمريره.



حينها تعالت الاعتراضات والأصوات المطالبة جموع الصحافيين بضرورة التحرك لإنقاذ الوضع، وتمت الدعوة لاجتماعات للجمعية العمومية لأعضاء النقابة، وكذا الدعوة لتنظيم وقفات احتجاجية على سلم النقابة، لكنّ أيا منها لم يُنفذ.

ثم في 16 يوليو/تموز الجاري، وافق مجلس النواب المصري رسميًا بموافقة غالبية الأعضاء، على القانون، رغم الاعتراضات الواسعة التي أطلقها صحافيون وأعضاء مجلس نقابة الصحافيين على مشروع القانون ومواده.

لكن تلك الاعتراضات لم تتبلور في صورة تحرك حقيقي، حتى تصديق السيسي على القوانين ونشرها في الصحيفة الرسمية اليوم.

الانتقادات التي طاولت القانون الجديد، لم تكن متعلقة بحجب ومصادرة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمجال الإلكتروني المفتوح فقط، بل لأنه يغلب على مواد القانون عدم تحديد المقصود من المصطلحات المستخدمة، ما يجعل هناك غموضا وعدم انضباط. ويتيح ذلك إمكانية امتداد عقوبات القانون إلى أي فعل اعتيادي أو مخالف لسياسات السلطات المصرية.



فعلى سبيل المثال لم يحدد القانون المقصود بمصطلح "الآداب العامة" الوارد بالمادة (27)، وكذلك ما تناولته المادة (35) والتي تشدد العقوبة إذا وقعت بغرض الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الإضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها
الاقتصادي، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

القانون الجديد أيضًا يعطي للمجلس الأعلى للإعلام سلطات واسعة لعقاب كل من يكتب وفرض عقوبات حتى على المواطنين الذين يكتبون على صفحاتهم الشخصية وفرض عقوبات مالية على الصحافيين بخلاف العقوبات الأخرى دون العودة للنقابة.

وكانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية) قد وصفت القانون بـ"أنه بمثابة ضربة جديدة لحرية الإعلام". وقالت في تقرير صدر مؤخرًا: "يبدو أن مجلس النواب بصدد تحويل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى جهة تقوم بالمراقبة الشاملة على مستخدمي الإنترنت في مصر، بالإضافة إلى صلاحيات المجلس في الرقابة على المحتوى الإعلامي. وهو ما سيزيد من ممارسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للانتهاكات ضد حرية الإعلام وحرية الإبداع والحقوق الرقمية، خاصة أن الأعلى للإعلام يرسخ من خلال قراراته للرقابة على الأعمال الدرامية، وهذا ما سيتناوله التقرير في موضع لاحق".

وحذرت المؤسسة من "ترسانة قوانين مكبلة للحريات" وافق عليها مجلس النواب أيضًا كما وافق على قانون تنظيم الصحافة، وهي قوانين مثل "الجريمة الإلكترونية" التي اعتبرتها المؤسسة "تطورات تشريعية ستترك تأثيرا كبيرا على حجم الانتهاكات، فيما يتعلق بالحقوق الرقمية وحرية الإعلام، وهي ملفات تهتم السلطة الحالية بتقييدها، خاصة في ظل السعي لتعديل مواد الدستور المصري، بما يسمح ببقاء الرئيس الحالي في السلطة، بعد انتهاء فترته الثانية، وكذلك من أجل تمرير الإجراءات الاقتصادية المرتبطة بقرض صندوق النقد الدولي".
المساهمون