خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، شهدت مصر نحو 18 حالة انتحار، بينها أربع حالات انتحار تحت عجلات مترو القاهرة. وتشير "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، وهي منظمة غير حكومية، إلى ارتفاع حالات الانتحار في مصر خلال هذا الشهر، بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، الذي سجل عشر حالات فقط.
ووصفت بعض وسائل الإعلام المصرية القريبة من النظام حالات الانتحار هذه بالـ "استعراضية"، لافتة إلى أنه "ليس هناك ما يستدعي الانتحار. قد يكون الأمر مرتبطاً بحالة المنتحر النفسية".
ويؤكد تقرير التنسيقية أن جميع حالات الانتحار، التي شهدتها البلاد الشهر الماضي، أقدم عليها شباب بين العقد الثاني والثالث من العمر، باستثناء حالتين. ويضيف أنه "ليست هناك إحصائيات رسمية من قبل وزارة الصحة حول حالات الانتحار". وعادة لا تتعاون الأجهزة الأمنية، التي تملك المعلومات، مع المنظمات الحقوقية سواء كانت حكومية أو غير حكومية، علماً بأن أرقام الانتحار ربما تكون مفزعة. كذلك، يرى أهل الضحية أن الانتحار "فضيحة"، ولا يتعاونون بدورهم مع الكثير من المنظمات. ويلفت التقرير إلى أنه "على الرغم من التعتيم على بيانات الانتحار في مصر، تحتل البلاد مراكز متقدمة".
في السياق نفسه، يشير التقرير إلى أن أسباب الانتحار في مصر كثيرة، وترتبط بالظروف الاقتصادية الصعبة في ظل الأزمات المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وعدم القدرة على الزواج، بالإضافة إلى الاكتئاب. ويؤكد أن حالات الانتحار تزداد عاماً بعد عام، وقد تحوّلت من حالات فردية إلى ظاهرة تستوجب التوقّف عندها، مضيفاً أن وسائل الانتحار اختلفت بين الشنق وإطلاق النار والغرق واستخدام سم الفئران والأقراص المنومة والقفز من أماكن شاهقة وقطع شرايين اليد، وغيرها.
كذلك، يوضح التقرير أن القمع السياسي والتراجع الاقتصادي والتردّي الأمني أصاب عدداً كبيراً من الشباب باليأس، ولم يعد لدى هؤلاء أمل بغد أفضل، فاختاروا الرحيل عن الواقع المؤلم الذي يعيشون فيه. ويرى التقرير أن "وِزر هؤلاء في عنق الحكومة". كما يحذّر من أن هذه الظاهرة قد تكون مؤشراً خطيراً على مستقبل الشباب في مصر.
واستناداً إلى عدد من محاضر الشرطة خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فقد ألقى شاب نفسه من أعلى كوبري قصر النيل، بعدما وجد نفسه عاجزاً عن الزواج، فيما اختار آخر إلقاء نفسه تحت عجلات المترو بسبب البطالة. أيضاً، عمد ثالث إلى إلقاء نفسه في ترعة الإسماعيلية بسبب عدم قدرته على توفير متطلبات الحياة لأولاده.
إلى ذلك، يعزو باحثون في علم الاجتماع وخبراء في علم النفس هذه الظاهرة إلى الأزمات النفسية والاجتماعية، التي عانى منها هؤلاء الذين يقدمون على الانتحار. وعادة ترتبط الأسباب بتفاقم الأزمات المعيشية، وخصوصاً الفقر والبطالة، بالإضافة إلى كثرة ضغوط الحياة.
ويؤكد الباحث في المركز القومي للأبحاث الاجتماعية والجنائية، سيد إمام، أن إقدام الشباب بصفة خاصة على الانتحار في مصر، يرتبط بتدني مستويات المعيشة، وقلة فرص العمل، والحاجة إلى المال، بالإضافة إلى الظروف السياسية غير المستقرة، والفقر، والقمع، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية. ويلفت إلى أن جميع هذه العوامل تساهم في انتشار ظاهرة الانتحار في مصر. ويشير إمام إلى أن معظم حالات الانتحار يقدم عليها شباب، ما يشير إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشاب قبل إقدامه على الانتحار.
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، سامية الساعاتي، أن مصر تعاني من فروقات اجتماعية كبيرة، مشيرة إلى أنه لدى البعض ثروة وسلطة، فيما تعاني الغالبية من الفقر والقهر، الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني، والتي حلم بها الشعب. وتضيف: "صارت الأمور أسوأ مما كانت عليه، وقد فقد كثيرون الأمل في حياة كريمة. فزادت حالات الانتحار كونها ملاذاً آمناً للخروج من الحياة". وتتابع الساعاتي أنه على الرغم من حرمة الانتحار، إلا أن كثيرين لا يعرفون معاناتهم وحقيقة مشاعرهم وظروفهم، التي قادتهم إلى التفكير في الانتحار. وترى أنه لو شعر أحد المسؤولين بهؤلاء، لربما تغيرت أمور كثيرة.
اقرأ أيضاً: 1332 مزلقان سكة حديد يهدّد حياة المصريين