01 أكتوبر 2022
مصالحة حكومية في الورّاق
كأنهما رئيسان مختلفان. الأول هو عبدالفتاح السيسي الذي قال، بنبرة صارمة في مؤتمر "نتائج إزالة التعديات على أراضي الدولة"، إن هناك جزراً داخل النيل من المفترض، حسب القانون، ألا يوجد عليها أي ساكن، وذلك لأنها محميات طبيعية أو أنه ليس من المسموح أن يسكن فيها أي أحد.
لمّح بشكل محدّد جداً إلى جزيرة الوراق، قائلاً إن هناك جزيرة يتحدّث عنها، ولن يذكر اسمها ومساحتها 1250 فداناً.
وبالفعل، بعد أيام من هذه التصريحات، توجهت حملة أمنية ضخمة لهدم منازل في الجزيرة، لكن فور بداية العملية تصدّى الأهالي بكل ما يملكون. بأجسادهم وبالحجارة وبالسلاح أيضاً. حسب الرواية الرسمية، أصيب 31 من ضباط الشرطة وجنودها، بينهم أربعة في حالة خطيرة. وفي المقابل، قُتل أحد الأهالي وأصيب العشرات، وقُبض على عدد كبير منهم.
خرج الأهالي، في الأيام التالية، في مظاهرات غاضبة، وامتد الحراك إلى جزر النيل الأخرى، كجزيرة الدهب، وردّدوا هتافات معادية لتصريحات الرئيس بشكل مباشر حول تلويثهم للنيل بالصرف الصحي.
الرئيس الثاني هو أيضاً عبدالفتاح السيسي، لكنه هذه المرة يظهر بدور مختلفٍ تماماً. أوفد، قبل يومين، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير، ليتفاوض مع سكان جزيرة الورّاق. اتصل السيسي بنفسه على هاتف الوزير، وفتح السمّاعة الخارجية ليسمعه كل الأهالي. تحدث لهم بلطفٍ شديد واحترام بالغ، ووعدهم بأنه لن يُضار أي أحد، ولن يُطرد أي أحد من منزله، وحين طالبوه باطلاق سراح المعتقلين منهم قال لهم بود "إن شاء الله خير".
وشمل التفاوض بعدها مع اللواء وعوداً بتطوير المنطقة، بعد إقامة الكوبري الجديد، إنشاء مدرسة وتطوير المستشفى، وتعويضات عادلة لمن ستُنزع ملكيات محدودة لهم. لا حديث مطلقاً عن اخلاء كامل للجزيرة، واختفى كل ما تردّد عن المشروع الإماراتي الذي نُشرت تصميماته الهندسية.
المشهد متكرّر. تم احتواء احتجاجات أهالي الضبعة بموقع المشروع النووي تماماً، بل استقبلوا وزير الكهرباء بهتاف "بنحبّك يا سيسي". ولماذا لا يحبونه بعدما استجاب لكل مطالبهم، تعويضات عادلة وأولوية لتعيين أبنائهم وغيرها. وضع شبيه حدث في منطقة مثلث ماسبيرو المستعصية منذ عهد حسني مبارك. بينما، في هذه الأيام، يصرف الناس تعويضاتهم أو سيتسلمون المساكن البديلة.
وهو النمط نفسه من التعامل مع الاحتجاجات المعيشية التي حدثت في أزمة مظاهرات الخبز في إمبابة والإسكندرية، أو في أزمة مظاهرة الأمهات لنقص لبن الأطفال.
تندفع قبضة السلطة الباطشة بكل قسوة ضد السياسيين أيضاً بالقسوة نفسها ضد أصحاب المطالب غير السياسية. لكن هذه المرة بحساب. إذا تمسّك الناس بمطالبهم، وتصاعدت الأمور بما يُنذر بفقد السيطرة عليها، هنا يتراجع النظام خطوةً فينزع الفتيل. هذا هو درس ثورة يناير الأهم الذي تعلمته السلطة الحريصة على عدم تكرار سيناريو مبارك في هذا الجانب.
في المقابل، ماذا يمكن أن تتعلمه المعارضة؟ مع إدراكنا الكامل أن السبب الرئيسي والأول لعجزها هو سحق السلطة لها باعتقال الناشطين، وغلق منافذ التمويل والعمل.
لماذا لا يوجد في الورّاق أي تمثيل لأي حزب سياسي؟ لماذا لا يصبح لدينا عشرات من "الورّاق"؟ بؤر صغيرة جداً بمطالب محلية جداً وبعيدة عن السياسة تماماً، لكن لو كانت متعدّدة ومنتشرة بما يكفي يمكنها أن تمثل ضغطاً حقيقياً، ويمكن من تشابكها أن تكون بذوراً ما، خصوصا أن من المستحيل للنظام الاستجابة لكل المطالب المحلية ما لم يغير من بنيته نفسها، وهو ما يقودنا فوراً إلى السياسة.
ومرة أخرى، مؤكّد أن لهذا الحديث النظري عوائق هائلة في الواقع. ومن الممكن أن يصل فيه التعقيد إلى أن يرفض الأهالي أنفسهم أي ظهورٍ سياسي، ليحافظوا على مطلبيتهم المحلية، وعلى ابتعادهم عن الأذى المحتمل، ولكن هذا لا يغير من أهمية الدفع بذلك الاتجاه، حتى لو بدون أي ظهور سياسي.
إذا كانت السلطة تجرّب أساليب جديدة، فعلى القوى السياسية، حتى تحت القصف، أن تجرّب محاولات جديدة.
لمّح بشكل محدّد جداً إلى جزيرة الوراق، قائلاً إن هناك جزيرة يتحدّث عنها، ولن يذكر اسمها ومساحتها 1250 فداناً.
وبالفعل، بعد أيام من هذه التصريحات، توجهت حملة أمنية ضخمة لهدم منازل في الجزيرة، لكن فور بداية العملية تصدّى الأهالي بكل ما يملكون. بأجسادهم وبالحجارة وبالسلاح أيضاً. حسب الرواية الرسمية، أصيب 31 من ضباط الشرطة وجنودها، بينهم أربعة في حالة خطيرة. وفي المقابل، قُتل أحد الأهالي وأصيب العشرات، وقُبض على عدد كبير منهم.
خرج الأهالي، في الأيام التالية، في مظاهرات غاضبة، وامتد الحراك إلى جزر النيل الأخرى، كجزيرة الدهب، وردّدوا هتافات معادية لتصريحات الرئيس بشكل مباشر حول تلويثهم للنيل بالصرف الصحي.
الرئيس الثاني هو أيضاً عبدالفتاح السيسي، لكنه هذه المرة يظهر بدور مختلفٍ تماماً. أوفد، قبل يومين، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير، ليتفاوض مع سكان جزيرة الورّاق. اتصل السيسي بنفسه على هاتف الوزير، وفتح السمّاعة الخارجية ليسمعه كل الأهالي. تحدث لهم بلطفٍ شديد واحترام بالغ، ووعدهم بأنه لن يُضار أي أحد، ولن يُطرد أي أحد من منزله، وحين طالبوه باطلاق سراح المعتقلين منهم قال لهم بود "إن شاء الله خير".
وشمل التفاوض بعدها مع اللواء وعوداً بتطوير المنطقة، بعد إقامة الكوبري الجديد، إنشاء مدرسة وتطوير المستشفى، وتعويضات عادلة لمن ستُنزع ملكيات محدودة لهم. لا حديث مطلقاً عن اخلاء كامل للجزيرة، واختفى كل ما تردّد عن المشروع الإماراتي الذي نُشرت تصميماته الهندسية.
المشهد متكرّر. تم احتواء احتجاجات أهالي الضبعة بموقع المشروع النووي تماماً، بل استقبلوا وزير الكهرباء بهتاف "بنحبّك يا سيسي". ولماذا لا يحبونه بعدما استجاب لكل مطالبهم، تعويضات عادلة وأولوية لتعيين أبنائهم وغيرها. وضع شبيه حدث في منطقة مثلث ماسبيرو المستعصية منذ عهد حسني مبارك. بينما، في هذه الأيام، يصرف الناس تعويضاتهم أو سيتسلمون المساكن البديلة.
وهو النمط نفسه من التعامل مع الاحتجاجات المعيشية التي حدثت في أزمة مظاهرات الخبز في إمبابة والإسكندرية، أو في أزمة مظاهرة الأمهات لنقص لبن الأطفال.
تندفع قبضة السلطة الباطشة بكل قسوة ضد السياسيين أيضاً بالقسوة نفسها ضد أصحاب المطالب غير السياسية. لكن هذه المرة بحساب. إذا تمسّك الناس بمطالبهم، وتصاعدت الأمور بما يُنذر بفقد السيطرة عليها، هنا يتراجع النظام خطوةً فينزع الفتيل. هذا هو درس ثورة يناير الأهم الذي تعلمته السلطة الحريصة على عدم تكرار سيناريو مبارك في هذا الجانب.
في المقابل، ماذا يمكن أن تتعلمه المعارضة؟ مع إدراكنا الكامل أن السبب الرئيسي والأول لعجزها هو سحق السلطة لها باعتقال الناشطين، وغلق منافذ التمويل والعمل.
لماذا لا يوجد في الورّاق أي تمثيل لأي حزب سياسي؟ لماذا لا يصبح لدينا عشرات من "الورّاق"؟ بؤر صغيرة جداً بمطالب محلية جداً وبعيدة عن السياسة تماماً، لكن لو كانت متعدّدة ومنتشرة بما يكفي يمكنها أن تمثل ضغطاً حقيقياً، ويمكن من تشابكها أن تكون بذوراً ما، خصوصا أن من المستحيل للنظام الاستجابة لكل المطالب المحلية ما لم يغير من بنيته نفسها، وهو ما يقودنا فوراً إلى السياسة.
ومرة أخرى، مؤكّد أن لهذا الحديث النظري عوائق هائلة في الواقع. ومن الممكن أن يصل فيه التعقيد إلى أن يرفض الأهالي أنفسهم أي ظهورٍ سياسي، ليحافظوا على مطلبيتهم المحلية، وعلى ابتعادهم عن الأذى المحتمل، ولكن هذا لا يغير من أهمية الدفع بذلك الاتجاه، حتى لو بدون أي ظهور سياسي.
إذا كانت السلطة تجرّب أساليب جديدة، فعلى القوى السياسية، حتى تحت القصف، أن تجرّب محاولات جديدة.