مصاعب أمام اتفاق التهدئة

20 اغسطس 2014

أطلال ميناء غزة الجوي بعد قصفة مئات المرات (14أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -


من خلال ما يصطخب داخل الأوساط الحاكمة في إسرائيل؛ يمكن استنتاج أن ثمة صعوبة كبيرة في التوصل إلى أي اتفاق ذي حيثياتٍ من شأنها تهدئة نفوس ذوي الشهداء الفلسطينيين، ومَن فقدوا بيوتهم، والذين يعانون من جروح أصيبوا بها. ويبدو أن المحتلين الذين اقترفوا الجرائم لن يسايروا حتى أصدقاءهم، ومن وفروا لهم بيئةً سياسيةً، تساعد على ارتكاب الفظائع. فعلى الرغم من التأييد الأميركي والأوروبي للورقة المصرية بصيغتها المفصلة، فإن ما يصدر عن أقطاب حكومة نتنياهو لا يؤشر على احتمالات تجاوب. هم يريدون وقفاً متبادلاً للنيران مع غزة، من دون أية إشارات تنم عن تقبلهم حق الفلسطينيين في التقدم، خطوة واحدة نحو هدف الاستقلال.

والورقة المصرية، تتحدث عن مرحلتين، واحدة تشمل المتطلبات الحياتية الطبيعية التي لم تكن بحاجة إلى اتفاقات، ناهيك عن الحرب. والثانية تبدأ بعد شهر من التوقيع مثلما تقترح الورقة؛ وهي تلامس مسائل تقترب أكثر من صيغةٍ تدعو إلى نقاش حول إعادة الحياة إلى مطار غزة، وبناء مرفأ بحري. غير أن هذا النقاش سيكون مفتوحاً على كل الاحتمالات، على اعتبار أن السياسة إن استدعيت، فإن إسرائيل هي التي تستدعيها كالعادة، كلما رغبت في ذلك، وتكون الاستعادة في مطلبٍ، يضاهي هدف إنهاء النزاع في إهاب إلزام الطرف الفلسطيني بوقف المقاومة نهائياً.

منطق الاحتلال، كالعادة، يتسم بالغرور، وهو لا يركز على كون الحصار والتضييق وانفتاح المكان على العالم، عبر ميناء ومطار، سُبة أخرى في تاريخ المشروع الصهيوني الذي سطرته جرائم الحرب. هم يركزون، الآن، على العنصر الاعتباري، وبالتالي، يصرون على عدم تلبية مطالب، من شأنها تغيير الأوضاع في غزة، ولا يفكرون حتى في الإفلات مما يعتبرونه حرجاً، عن طريق "بيع" التراجع عن غرورهم لأميركا مثلاً. والمرحلة الأولى من الورقة المصرية تقايض شيئاً بشيء، أي أن يتاح لغزة أن تأنس بمعابر مفتوحة، وتزدهر، ويُعاد فيها البناء، مقابل ضمانات تهدئة طويلة. وفي المرحلة الثانية التي يلتزم بها الطرفان، تقايض الورقة المصرية، أيضاً، أشياء بأشياء، موضوع الأسرى من الدفعة الرابعة، ومن اعتقلوا بعد الإفراج عنهم، مقابل جثث القتلى من جنود الاحتلال. ثم يتقابل طلبان شائكان، وتجري حولهما مفاوضاتٌ لاحقة، أحدهما من الجانب الفلسطيني، وهو مسألة المطار والميناء، والثاني من جانب الاحتلال، وهو نزع السلاح. وقياساً على ما يهذر به نتنياهو وأعضاء حكومته، فإن الورقة المصرية تبدو لبعضهم غير ملبية للمطالب الفلسطينية، لا سيما وأن الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني في غزة باهظ، ويكفي للمطالبة باندحار الاحتلال جملة وتفصيلاً. لكن الفلسطينيين مضطرون إلى قبولها، مدركين ما يُضمره الطرف الآخر الذي يرغب في استمرار عمليات الإبادة من دون رادع. والجانب المصري عندما صاغ الورقة، كان يعلم الخلفيات، ويعرف أن سقف نتنياهو وحكومته ارتفع بجنون، وأن سقفاً فلسطينياً مشابهاً في الارتفاع، سيجلب الكارثة التي وقعت، فعلاً، ويمكن أن تتوالى فصولاً، حتى وإن كان هكذا ارتفاع لسقف المطالب الفلسطينية محقاً وعادلاً. هذا هو الواقع بالضبط، وهذه هي المعطيات، وإن كنا، بالطبع، نتمنى سواها.

الوزراء الأشد عنصرية وتطرفاً يرفضون أي اتفاق، وهم وازنون في حكومتهم. وعلى الرغم من حجم الجرائم التي اقترفها جيشهم، واستنكرها الضمير الإنساني؛ إلا أنهم، وبوقاحتهم المعهودة، يأنسون في أنفسهم الأحقية والجدارة في طرح أنفسهم شركاء للعالم في حربه ضد الإرهاب. بل إن الزهو بالجريمة بلغ عندهم حداً جعلهم يرغبون في جعل الفلسطينين الذين يقاومون معطوفين على الدواعش. وكأن مقاومة الاحتلال، وهي حق وظاهرة تاريخية تحميها الشرائع الدولية، مهما تعنفت مع المحتلين؛ تشبه أفاعيل مجموعات معتوهة، جعلت هدفها مواطنين وإخوة، من ديانات ومذاهب واجتهادات أخرى!

في هذه اللحظة، هناك طروحات داخل حكومة نتنياهو، تشدد على عدم إبرام أي اتفاق مع حماس. يتجاهلون كون الوفد الفلسطيني في القاهرة يمثل كل ألوان الطيف الفلسطيني، ويصرّون على أن المسألة تخص حماس دون غيرها. في هذا التوجه، انضمت تسيبي ليفني إلى نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان، ومعهم قادة الجيش. وباتت المعضلة أن هؤلاء يرون في التماشي مع المتطلبات الفلسطينية الطبيعية للحياة، انتصاراً سياسياً لحماس، لا يريدون له أن يتحقق. وهم، أصلاً، يتحاشون السياسة، ولا يريدون الاقتراب من صلب المسألة الذي هو وضعية الاحتلال في الضفة وغزة، بما فيهما القدس الشرقية.

حتى الآن، هم يرفضون إطلاق سراح من أعيد اعتقالهم في الضفة، ويصرون على إعادة جثامين قتلاهم بدون ترتيبات تبادل بأسرى آخرين، علماً أن ما في حوزة المقاومة من جثامين أو أحياء، كان من حصاد معركة عسكرية. وتصعب تلبية هذا المطلب كثيراً على الطرف الفلسطيني، الذي يتطلع إلى تضميد جراح الشعب الذي دفع ثمناً غالياً!

دلالات