نظرة إلى 4 أرقام تكشف حجم المأزق الكبير الذي تتعرض له البنوك اللبنانية حاليا، وترسم صورة متشائمة لهذا القطاع الحساس والمهم لكل اللبنانيين، خاصة مع احتمال اندفاع بعض البنوك نحو الوقوع في فخ التعثر المالي، وبالتالي الإفلاس والعجز عن سداد أموال المودعين.
الرقم الأول
ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، اليوم الاثنين، عن مسؤول مالي لبناني كبير سابق قوله إن البنوك اللبنانية "هرّبت" ما يقرب من ستة مليارات دولار منذ حراك شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رغم حجب التحويلات إلى الخارج مع دخول البلاد في أزمة مالية.
المسؤول هو آلان بيفاني، الذي استقال قبل أسبوعين من منصب المدير العام لوزارة المالية اللبنانية، والذي قال أيضا إن ما بين 5.5 مليارات و6 مليارات دولار "جرى تهريبها إلى خارج البلاد" من قبل "مصرفيين (لا يسمحون) للمودع بسحب 100 دولار".
الرقم الثاني
جاء على لسان وزير المالية اللبناني غازي وزني، الذي كشف يوم 24 إبريل/ نيسان الماضي، أن خسائر القطاع المصرفي بلغت 83 مليار دولار، مقابل 53 ملياراً خسرها مصرف لبنان المركزي.
كما كشف صندوق النقد الدولي، يوم 25 يونيو/ حزيران 2020، أن مصرف لبنان تكبد خسائر متراكمة تصل إلى 50 مليار دولار. لكن محافظ المصرف رياض سلامة اعترض على الرقم في إحاطة للبرلمان، وجادل بأن حسابات البنك المركزي تظهر فائضا، وهو ما لم يدعمه بأي أرقام.
الرقم الثالث
على الرغم من القيود الشديدة التي تفرضها البنوك اللبنانية على عمليات السحب النقدي، فقد تراجعت ودائع العملات الأجنبية للعملاء من 82 مليار دولار في الخريف الماضي إلى 71 مليار دولار بحلول شهر مايو/ أيار، وفقاً لبيانات مصرف لبنان.
وفي ظل توقف المصارف عن السماح للمودعين بسحب دولاراتهم، ومنعهم من تحويل الأموال إلى الخارج إلا في حالات استثنائية، فإن السؤال: كيف حدث هذا التراجع الكبير في الودائع البالغ قيمته 11 مليار دولار؟، وهل هناك "قوة خفية" داخل البنوك تلعب من وراء الحكومة والبنك المركزي، ومن هذه القوة التي تنجح في تهريب مليارات الدولارات رغم أن الأعين مسلطة كلها على القطاع المصرفي؟
الرقم الرابع
رغم تأكيد رئيس الحكومة حسان دياب أكثر من مرة على أنه "لا أحد من المودعين سيخسر أمواله في البنوك"، لكنه أكد، منتصف شهر إبريل الماضي، أنه "كلنا نعرف البير وغطاه، فالأموال تبخّرت منذ أشهر وقبل وصولنا إلى الحكومة".
وهذا الكلام يعني عدم وجود سيولة كافية لدى البنوك لرد ودائع المدخرين، خاصة مع توقف المودعين عن ضخ سيولة جديدة في البنوك منذ فرض القيود على عمليات السحب والإيداع منذ نهاية العام 2019، علما أن حسان دياب أعلن أيضا في نهاية إبريل الماضي، أن الأرقام تكشف خروج مبالغ جديدة من العملات الأجنبية بقيمة 5.7 مليارات دولار من الودائع من المصارف اللبنانية خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2020، وهو ما اعتبره البعض استمراراً لعمليات تهريب الأموال إلى الخارج.
هذه الأرقام وغيرها تصب مباشرة في خانة تقويض الثقة في لبنان وقطاعه المالي، وتزيد من حالة عدم ثقة اللبنانيين في قطاعهم المصرفي الذي لطالما تغنى المسؤولون عنه بقوة مركزه المالي وسلامته المصرفية وتطبيق أعلى معايير منح الائتمان ومخصصات التعثر وإجراءات الحوكمة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها، وخاصة أن جمعية مصارف لبنان حذرت في وقت سابق من "استيلاء الدولة على القطاع المصرفي".
النتيجة النهائية للكشف عن هذه الأرقام وغيرها تعني مزيداً من تهاوي الثقة في القطاع المالي والمصرفي اللبناني، خاصة مع استمرار الضغوط على القطاع من جهات عدة المودعين الذين يرغبون في سحب مدخراتهم، وتعثر سداد الديون مع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، وتهاوي سعر الليرة، وضغوط تراجع الاحتياطي النقدي، وهو ما يغل يد مصرف لبنان عن تدبير احتياجات البنوك من النقد الأجنبي، واندلاع الاحتجاجات من وقت لآخر، وما تردد عن تحميل المودعين جزءا من كلفة خطة الإنقاذ الحكومية، كل هذه العوامل وغيرها تمثل مصدر ضغط شديد على البنوك قد تدفع بعض وحداته إلى الخروج من السوق نهائيا، أي الإفلاس.