مشوار حمدي أحمد: فن واعتقال وسياسة وأشياء أخرى

09 يناير 2016
حمدي أحمد (فيسبوك)
+ الخط -
عن عمر يناهز 82 عاماً غادر عالمنا، الفنان القدير حمدي أحمد، الذي أعلن اعتزاله الفن منذ عامين، بعدما وجد أن قدرته الصحية لم تعد قادرة على العطاء التمثيلي، واكتفى في الآونة الأخيرة بكتابة المقالات في بعض الصحف وحضور الندوات والاحتفالات التي تحتوى على شق سياسي.

تمرد على الصعيد

قدم حمدي أحمد للفن المصري أعمالاً خالدة لن تمحى أبداً من ذاكرة السينما المصرية، فقدم عديداً من الأدوار التي تركت بصمة لدى جمهوره على الرغم من أنه لم يتقلد البطولة المطلقة، ولكن تأثير دوره كان يفوق دور البطل، فقدم 25 فيلماً، فلا أحد ينسى أبدا دوره في فيلم "القاهرة 30" مع الراحلين سعاد حسني وأحمد مظهر ومخرج الواقعية صلاح أبو سيف، ودوره أيضا في أفلام " البداية"، رائعة المخرج الكبير، صلاح أبوسيف، و"عرق البلح" و"أبناء الصمت" و"اللص والكلاب"، كما قدم مع المخرج العالمي يوسف شاهين شخصية محمد أفندي في فيلم "الأرض" والتي لفتت الأنظار له بشكل كبير. كما قدم حمدي أعمالا تليفزيونية وصلت إلى 90 مسلسلاً.

تحدى حمدي أحمد الأعراف الصعيدية حيث ينتمى إلى محافظة سوهاج، وخرج عن أطر التقاليد والعادات بحلمه أن يكون ممثلاً، وبالفعل ترك كلية التجارة والتحق بمعهد الفنون المسرحية بعدما سبق ومثل العديد من المسرحيات على مسارح المدرسة في المرحلة الإعدادية والثانوية، وكان مدرسوه وزملاؤه مبهورين بقوة أدائه وثقته بنفسه.

مرارة السجن

وكان أول عمل لحمدي أحمد هو فيلم "شيء في صدري" مع المخرج نور الدمرداش، ثم قدم عملا مسرحيا عام 1961، ثم ركز في السينما وانطلق حمدي في سماء الفن، ورغم ذلك كان لا ينسى أبدا دوره السياسي، فهو الذي كان طالبا صغيرا وتذوق مرارة السجن بعد القبض عليه أثناء قيادته لمظاهرة تدين الاحتلال البريطاني في مصر، وكان اشتراكيا من الطراز الأول ودائما معارضا للنظام، لذا كان لا يعتبر أبدا بعض الفنانين المتواجدين في البرلمان في عصره مثل مديحة يسري ومحمود المليجي ومحمد عبد الوهاب برلمانيين، بل كان يراهم طبقا لرأيه في أحد الحوارات التي أجراها مؤخرا أنهم رموز "فاسدة"؛ لأن وجودهم تحت قبة البرلمان كانت بالتعيين من الرئيس؛ والطبيعي أن من يتم تعيينه من الرئيس يكون ولاؤه له.

اقرأ أيضاً: حمدي أحمد من محجوب عبد الدايم إلى القاضي حلاوة

الفن والسياسة

وكان حمدي أحمد من الفنانين المؤمنين جدا بضرورة ربط الفن بالسياسة، وكان رأيه أن الفنان الذي لا يمتلك مسحة سياسية في فنه فهو إذن يقدم فنا لا قيمه له، لذا كانت أعمال حمدي أحمد قليلة مقارنة بموهبته؛ حيث لم تعرض عليه طيلة الوقت أدوار ترضي طموحه، وبالتالي فإمكانياته المادية كانت قليلة، لذا قال في حوار له إن من عيوبه أنه لم يدخر أموالا في حياته ليتركها لأبنائه وقالها نصا إنه "مفلس".

ريا وسكينة

وقد لا يعلم الكثيرون أن حمدي أحمد سبق وشارك في مسرحية "ريا وسكينة" مع شادية وسهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وذلك أثناء عمله عضوا بالبرلمان، وجاء بدلا منه الفنان حسين الشربيني، ثم أحمد بدير، وقال حمدي أحمد في لقاء له إنه وافق على القيام بالتمثيل في مسرحية "ريا وسكينة" لسبب واحد مرتبط بالسياسة؛ وهي جملة كان يقولها في المسرحية وهي: "عمر البلد دي ما هينصلح حالها طول ما فيها ناس بتخاف"، وأشار حمدي إلى أن رئيس البرلمان وقتها جاء لمشاهدة العرض ففوجئ بهذه العبارة بعد الانتهاء من العرض، وأثناء جلوسه معه يقول له: "البركة فيك بقى يا سيدي"، وهي جملة فهمها حمدي أحمد جيدا أنها لا تقال والسلام، بل كان يقصد شيئا ما وراءها، وبعدها اعتذر حمدي أحمد عن استكمال المسرحية لتعارض مواعيد المسرحية مع عمله بالبرلمان الذي كان يحتاج منه للتركيز، لذا فضّل التركيز في عمله كعضو مجلس شعب، خاصة وأن أهل دائرته أعطوه ثقتهم، كما أنه أقسم باليمين، فضحى بالعرض المسرحي رغم الأجر الكبير الذي كان يحصل عليه، كما أن هناك سببا آخر أفصح عنه حمدي أحمد، حيث قال إن انسحابه جاء بعد ثمانية شهور من العرض بسبب الفنان عبد المنعم مدبولي الذي كان يؤدي شخصية "حسبو"، وهو في نظر حمدي أحمد، ينتمي لمدرسة غير المدرسة التي ينتمي إليها هو، فهو مدرسة الكوميديا المرتجلة، وحمدي مدرسة الالتزام بالنص، "فنقف في المشهد يجده يقول كلاما غير موجود بالنص، وحمدي ساكت، معندوش ردود عليه".

وأوضح في لقاء تليفزيوني أن مدبولي اقترح عليه أن يضحك على كلامه على المسرح، لأن الضحك "مُعدي" وسيصيب الجمهور أيضا، وبالفعل نفذ اقتراحه على غير اقتناع، وضحك الجمهور، فلام نفسه حمدي، وشعر أنه يكذب على الجمهور لأن الكلام لا يضحكه، فرفض أن يكرر الأمر في اليوم التالي، وهو ما أغضب مدبولي وأخذ منه موقفا، وجعل باقي الفريق سهير وشادية يأخذان منه موقفا، فقرر الانسحاب، وبلغت أعمال حمدي أحمد المسرحية ثلاثة أعمال فقط وهي "حرم جناب الوزير" و"إزاي الصحة" وكان العمل الثالث هو "ريا وسكينة".

مرض واعتزال

وعلى الرغم من اشتراك الفنان الراحل في عدد كبير وضخم من الأعمال سواء التليفزيونية أو السينمائية، إلا أنه ابتعد في السنوات الأخيرة عن الفن وكان آخر عمل على النطاق السينمائي يقدمه هو فيلم "صرخة نملة" مع الفنان عمرو عبد الجليل منذ خمسة أعوام، أما على النطاق التليفزيوني فظهر في آخر عمل عام 2013 من خلال مسلسل "في غمضة عين" مع داليا البحيري وأنغام، ومن بعدها مرّ حمدي بعدد من الأزمات الصحية كان قراره بعدها باعتزال الفن تماما، ولكنه كان يرى أن التمثيل ما هو إلا فرع اعتزله من سلسلة فنون هو موهوب بها ككتابة المقالات في الصحف وحضوره الندوات والاحتفالات التي كان متمسكا بها حتى آخر يوم في عمره.



اقرأ أيضاً: جنازة حمدي أحمد في ظل غياب للفنانين
المساهمون