مع دخول النزاع عامه الخامس، يطغى الرعب على المشهد في سورية، حيث تخطف ممارسات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الوحشية، الأنظار، في وقت يتشبث نظام بشار الأسد بالسلطة، من دون أن يغيّر حرفاً من خطابه السياسي منذ بداية الأزمة.
وتكاد أخبار التنظيم المتطرف تختصر وحدها الحدث السوري في الإعلام، بينما يستمر النزف في البلاد المقسمة إلى مناطق نفوذ متعددة، وقد انهار اقتصادها ودمرت بناها التحتية، ويدق الجوع أبواب شريحة واسعة من سكانها.
ووصف مقال للباحثين من "مجموعة الأزمات الدولية"، بيتر هارلينغ، وسارة بيرك، التنظيم "بأنه ليس مجرد شر، إنه شيطاني، مثل إبليس المذكور في الكتاب" المقدس.
وأضاف المقال الصادر في مطلع الشهر: "لعل هذا يفسر لجوء التنظيم إلى جرائم ليست مرعبة فحسب، بل منفذة باخراج مذهل، من قطع الرؤوس إلى صلب الكفار والعملاء إلى إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة داخل قفص، والتجول بسجناء آخرين داخل أقفاص للتهديد بالمصير نفسه، وصولاً إلى الرجم والإلقاء بالناس من أعلى الأبنية، وسبي النساء والاعتداء على الأقليات...لا تنضب فنون تنظيم داعش في أساليب القتل والتنكيل التي تكاد تكون أقرب إلى الأفلام السينمائية الهوليوودية، منها الى الواقع".
ويجمع المحللون على أن بروز الجهاديين، كان العامل الأبرز في تعويم نظام الأسد الذي كانت المطالبة بتنحيته، المطلب الأساسي للانتفاضة السلمية التي انطلقت ضده، في منتصف مارس/آذار 2011 قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح دام.
وأوضح الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، كريم بيطار، أن "التنظيم ذهب بعيداً في الترويع، إلى درجة بات الغرب اليوم مقتنعاً بان داعش يمثل العدو المطلق، وكل ما تبقى شر أدنى منه".
وتابع: "عدنا إلى الذهنية التي ترى كل شيء من منظار الحرب على الإرهاب، وإلى الفكرة التي كانت سائدة قبل الثورات العربية، وهي أن الاستبداد أقل خطورة ولا بد من تقارب مع الأنظمة المستبدة"، وبينما يترنح حلم الديمقراطية و"ربيع سورية"، يثبت النظام على موقفه.
وراهن النظام السوري المدعوم من روسيا وايران، على عدم تدخل الغرب عسكرياً في سورية، وفاز بالرهان، ولعل المنعطف الحقيقي بالنسبة إليه، بدأ يوم نجح في تجنب ضربة عسكرية أميركية ضده بإعلان استعداده لتسليم أسلحته الكيميائية، بعد أن اتهمه الغرب بالوقوف وراء هجوم كيميائي على ريف دمشق في أغسطس/آب/ 2013 وحصد مئات القتلى.
الغرب: لم يعد رحيل الأسد أولوية
وبالنسبة إلى الغرب، لم يعد رحيل الأسد اليوم أولوية، وقد اعتبر الموفد الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أخيراً، أن الأسد "جزء من الحل".
واستبعد الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، إميل حكيم، "حلاً سياسياً على المديين القريب والمتوسط"، مضيفاً "قد يتراجع مستوى العنف لأن العديد من الأشخاص قتلوا، وقد يحصل نوع من نقل للسكان... لكن من الصعب رؤية سورية تتعافى قريباً".
من جهته، أشار بيطار إلى أنه "خلال السنوات الأولى من الثورة السورية، كان هناك فريقان محددان، واليوم أصبحت حرب الجميع ضد الجميع".
وكرس العام المنصرم، تراجع قوة وحجم ما عرف بـ"الجيش الحر" الذي لم يبق منه إلا مجموعات صغيرة محدودة التجهيز والفاعلية، في المقابل، برز الأكراد كقوة عسكرية وقفت في وجه "داعش"، في معركة عين العرب التي استنفرت لأشهر طويلة الإعلام العالمي.
وفي موازاة "الدولة" المعلنة من تنظيم "الدولة الإسلامية"، تسعى "جبهة النصرة"، ذراع تنظيم "القاعدة" في سورية، إلى التفرد بـ"إمارة" في شمال غرب البلاد (ريف إدلب)، بينما يعمل الأكراد على الحفاظ على "الإدارة الذاتية" لمناطقهم، في أجزاء من ريف حلب والرقة (شمال) والحسكة (شمال شرق).
أما الكتائب المتعددة الولاءات والقيادات وغالبيتها إسلامية، فهي لا تزال تقاتل في الجنوب (درعا والقنيطرة) وريف دمشق وحلب، حيث تسيطر على الأحياء الشرقية للمدينة وأجزاء من المحافظة، وريفي حماة (وسط) واللاذقية (غرب)، تارة ضد النظام وطوراً ضد الجهاديين.
وكلما ازداد النزاع الذي حصد حتى الآن أكثر من 210 آلاف قتيل تعقيداً، كلما ازداد الوضع الإنساني سوءاً، وقد تسببت الحرب السورية بـ"أسوأ موجة نزوح عرفها العالم في السنوات العشر الماضية"، (أكثر من 11 مليوناً داخل سورية وخارجها)، بحسب الأمم المتحدة، فيما أكثر من 12 مليوناً يحتاجون الى مساعدات ملحة.
وقال الناشط الإعلامي، يزن، الذي عاش على مدى سنتين، حصاراً فرضته قوات النظام على مدينة حمص "في بداية الثورة، ظننا أن الغرب سيهرع إلى نجدتنا...أين الثورة اليوم؟ أنا واثق بانعدام الضمير لدى المجتمع الدولي".
اقرأ أيضاً: سورية: التحالف الدولي قتل 103 مدنيين بينهم 11 طفلاً