وحشي (ينادي): أبا مليكة يا أبا مليكة
الحطيئة (ينتبه): من؟ من هذا؟
وحشي: أنا وحشي
الحطيئة: ماذا تريد؟
وحشي: جئت أراك
الحطيئة: لا تستطيع أن تراني لأنني لا أرى نفسي
وحشي: جئت أطمئن عليك
الحطيئة: ستطمئن علي لو طمأنتني عن بناتي
وحشي: إنهن بخير
الحطيئة: هل لديهن ما يأكلنه؟
وحشي: نعم لا ينقصهن شيء والحمد لله
الحطيئة (يدور كالمطعون): آه آه كم أخشى أن تضطر إحداهن إلى شيء ما بسبب الفاقة
وحشي: اتكل على الله يا جرول
الحطيئة: متكل متكل ولكن أنت تعرف ما اضطرت إليه أمي بسبب فقرها
وحشي: لقد قلت لك أن بناتك بخير
الحطيئة: شكراً يا أبا دسمة
وحشي: لا تشكرني. أنا أخوك يا أبا مليكة
الحطيئة: أشكرك، لأنك لم تبلغني شيئاً من حاجياتهم، فلو قلت لي عن أية حاجة يحتاجونها لقتلتني قهراً وكمداً
وحشي: أصلحك الله. مادمت تحب بناتك إلى هذه الدرجة، فلماذا إذاً تغضب الخليفة وتعصي الله حتى يزج بك في السجن؟
الحطيئة: أنا لم أعص الله يا أخي، لقد هجوت الزبرقان بقصيدة. والله لم أفعل غير هذا. حتى أنني في هجائي له قلت ما لم يقله مسلم من أولئك الشعراء الأدعياء. اسمع:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه/ لا يذهب العرف بين الله والناس
وحشي: وسجنك عمر من أجل هذا فقط؟
الحطيئة: حرضه ذلك الدعي حسان بن ثابت
وحشي: عجيب
الحطيئة: ليس عجيباً يا أخي
وحشي: كأن شيئًا لم يتغير
الحطيئة: إن سادتك في الجاهلية هم سادتك في الإسلام وأنت تأتي إلى الإسلام هارباً من عبوديتك وسادتك
وحشي: إيه أيها العمر الهارب
الحطيئة: ماذا قلت؟
وحشي: لا شيء، أعمارنا تجري ونحن نشيخ قبل أن نصل إلى راحة النفس. طوال هذه السنوات وأنا أحارب، كنت أعتقد أنني أحارب السادة لأقيم دولة العبيد ـ وإذا بي أخدم السادة وأمكنهم من العبيد. كنت أطمح أن أكون شهيداً فانعم بغفران الله. ولكنني لم أكسب إلا الثناء الفارغ على ما يسمونه بطولة، لماذا يصل الفقراء إلى أبواب مسدودة يا جرول؟
الحطيئة: لأنهم غرباء. هذا ليس مهم إنه متاهة غريبة بالنسبة لهم
وحشي: ألم نحلم ذات يوم أننا سنبني عالمنا الخاص بنا، كيف حدث أن تسلل إلينا الأغنياء وأعادوا ترتيب عالمنا هذا على نمط عالمهم؟
الحطيئة: لقد تعبت يا وحشي. تعبت ولم أعد أستطيع المقاومة ولذلك أرسلت قصائد اعتذار إلى عمر كان آخرها هذا الصباح.
* مقطع من مسرحية "ليل العبيد" (1977)