من المقرر أن يعاود البرلمان العراقي مناقشة مشروع قانون الانتخابات الجديد، يوم الخميس المقبل، وذلك بعد قرار عرضه على منظمات وهيئات حقوقية وقانونية لإبداء ملاحظاتها عليه قبل معاودة مناقشته وعرضه على التصويت، وهو إجراء نادراً ما يحدث في البرلمان. مشروع القانون الذي كُتب كمسودة خلال أسبوع واحد في مكتب الرئيس برهم صالح من قبل لجنة مكلفة بالمهمة على وقع ضغط الشارع المتظاهر منذ أسابيع، ثم أُرسل إلى الحكومة والتي قامت بدورها بإضافة تعديلات وبنود عليه قبل إعادة إرساله إلى البرلمان، عُرض للقراءة والمناقشة للمرة الأولى الأسبوع الماضي، قبل أن تتأجل قراءته الثانية ويُتخذ قرار بإرسال نسخ منه لجهات عدة للإدلاء بملاحظاتها عليه، ومن بينها المجمع العلمي العراقي، ونقابة المحامين العراقية، ووزارة التعليم العالي ومنظمات حقوقية وقانونية أخرى. ومن المقرر أن يعاود البرلمان بعد وصول الملاحظات من تلك الجهات قراءته يوم الخميس المقبل من هذا الأسبوع.
أثار مشروع القانون بطبيعة الحال لغطاً هو الآخر، بين معترض على فقرات منه، ومن يراه أقل من الطموح وفيه خدع انتخابية تصب في صالح الأحزاب الكبيرة، وآخرين يرون أن الذهاب إلى اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة أو دائرتين عربية وأخرى كردية في أقصى الشمال، حيث إقليم كردستان، من شأنه أن يقتل الطائفية ومحاصصتها التي أنهكت العراقيين على مختلف الأصعدة، فيمكن لابن الأنبار أن ينتخب مرشح النجف ويمكن لابن كربلاء أن ينتخب مرشحاً في الموصل وهكذا بالنسبة لباقي المحافظات. وخلال اليومين الماضيين اجتهد نواب وقانونيون في تفنيد القانون وإظهار عيوبه وحسناته، لكنهم في الوقت نفسه أجمعوا على أن التخلص من القانون القديم بحد ذاته إنجاز يُحسب للمتظاهرين.
ومن أبرز ما احتواه مشروع القانون الجديد إلغاء آلية "سانت ليغو" في تقسيم الأصوات الانتخابية، والتي كانت في العادة تذهب لصالح الأحزاب والقوى السياسية الرئيسة وتحرم أي مرشح مستقل أو حزب جديد ناشئ من التنافس، إضافة إلى تخفيض عدد النواب بنحو 30 في المائة من 329 نائباً إلى 251، واشتراط أن يكون النائب حاملاً شهادة البكالوريوس على أقل تقدير لقبول ترشحه للبرلمان، وتقليص عمر الترشح الأدنى إلى 25 عاماً. كذلك نصّ على أن تكون الدوائر الانتخابية على مستوى القضاء (المدينة) بعد أن كان التقسيم السابق يعتبر كل محافظة دائرة انتخابية كبيرة، بينما تبقى كوتا النساء هي 25 في المائة من مجموع أعضاء البرلمان، وأن تلتزم مفوضية الانتخابات بإعلان النتائج في غضون 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع. ويوم الجمعة الماضي، جدّد المرجع الديني في النجف علي السيستاني دعمه المتظاهرين، ومطالبته القوى السياسية بالاستجابة لمطالبهم، معتبراً أنه من الضرورة الإسراع بسنّ قانون جديد للانتخابات لتجاوز مع وصفها الأزمة الكبيرة التي يمر بها البلد.
وأكدت مصادر في البرلمان لـ"العربي الجديد" أن مشروع القانون بصيغته الحالية يواجه خلافات حادة في بعض فقراته بين الكتل السياسية، وأبرزها فقرة الدائرة الانتخابية أو الدوائر العديدة، إضافة إلى الفقرة التي تشير إلى أن 50 في المائة من مقاعد البرلمان تكون من حصة مرشحي الأحزاب، والخمسين في المائة الأخرى تكون للمستقلين. وهي فقرة لم تكن موجودة في مسودة القانون المرسل من رئاسة الجمهورية وتمت إضافتها لاحقاً من قبل الحكومة، وكذلك حرمان رؤساء الجمهورية والحكومة والوزراء ووكلائهم من الترشح للانتخابات المقبلة، باعتبار ذلك يخالف الدستور الذي أتاح للجميع المشاركة في الانتخابات باستثناء أعضاء حزب "البعث" المنحل.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن جهات وكتلاً سياسية برلمانية تسعى لخلق مشاكل وإضافة نقاط خلافية على مسودة القانون لتأخير التصويت عليه، كونها ترى أن إقراره رفع الحجة الأخيرة التي تمنع النجف والأمم المتحدة من تأييد الذهاب إلى انتخابات مبكرة في البلاد، على اعتبار أن القانون الحالي لم يعد صالحاً وإجراء انتخابات مبكرة على ضوئه يعني ألا شيء قد تغير في العراق.
ووفقاً للنائب عن كتلة "سائرون" علاء الربيعي، فإن تحالفه يرفض عدة نقاط جاء بها القانون وسيتم رفض التصويت عليه في حال إبقائها، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن توزيع المقاعد البرلمانية وفق 50 في المائة لأعلى الأصوات والـ50 في المائة المتبقية وفقاً لآلية مرشحي الأحزاب يُعتبر تلاعباً مرفوضاً.
من جهته، أكد قيادي في تحالف "النصر" البرلماني، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "كتلاً داعمة للحكومة تسعى لعرقلة القانون وخلق نوافذ فيه تجعله شبيهاً بالقانون الحالي كونها تؤمن ألا فرصة لها مرة أخرى في حال اعتُمد قانون انتخابات عادل واضح، فلا شعبية تبقّت لها بالشارع"، متوقعاً مخاضاً عسيراً للقانون وقد يطول الجدل حوله أكثر من المتوقع.
أما الخبير الدستوري طارق حرب، فقال لـ"العربي الجديد" إن "ما ورد في القانون المرسل للبرلمان باعتبار 50 في المائة من المقاعد للمستقلين، و50 في المائة الأخرى للأحزاب، سيكون في الواقع العملي 85 في المائة للأحزاب و15 في المائة فقط للمستقلين، كون الحزب سيجمع كل أصواته، ويخنق المستقلين"، معتبراً أن "القانون بصيغته الحالية غير مناسب للعراقيين المتظاهرين بالتأكيد".
من جهته، قال الخبير القانوني علي التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "أهم شيء في قانون الانتخابات البرلمانية، هي الفقرات المتعلقة بطريقة الانتخابات والرقابة على العملية، فوفق مسودة القانون الجديد يكون الانتخاب بشكل مباشر وتحويل المحافظة إلى دوائر متعددة بدل الدائرة الواحدة وترك طريقة سانت ليغو، وهذه الطريقة إيجابية، فإذا اعتُمدت هذه الطريقة سوف تساعد كثيراً في حل المشكلة". وأضاف أن "الدوائر المتعددة تتيح للناخب اختيار من يريده ومن يعرفه ومن يمثله بشكل حقيقي، فإذا اعتُمدت طريقة الانتخابات بهذه الشكل من دون أي تعديل أو إضافة ومن دون نسب معينة من قبل مجلس النواب، سيكون القانون ناجحاً جداً".
ورأى أن "هذا النظام ملائم للعراق لأنه سيبعد المحاصصة ويأتي بالكفوئين وينهي هيمنة الأحزاب ويرضي الشعب وهذه الطريقة الانتخابية معتمدة في كثير من الدول المتقدمة"، مشدداً على أن "الرقابة على الانتخابات يجب أن تكون من مسؤولية القضاء، فهذا الأمر أفضل، وتكون المفوضية الجديدة من القضاة وليس من الجهات السياسية، فالقضاء مستقل ولا سلطان عليه ولا مصلحة سياسية لهم في الانتخابات ولا يمثلون الأحزاب المشاركة في الانتخابات".
في المقابل، قال الخبير القانوني أمير الدعمي، لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع قانون الانتخابات لا يلبي طموح الشعب، خصوصاً مع ظل هذه التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، وهو لا يزال يكرس الطائفية"، موضحاً أنه "كان من الممكن أن تكون هناك دائرة انتخابية واحدة لإنهاء حالة الطائفية".
وأضاف الدعمي أن "بعض فقرات القانون الأخرى قد تكون بمستوى جيد، لكن ليس بمستوى الطموح، فالطموح كان أن يشمل القانون جميع العراقيين، ويكون صندوق الاقتراع هو الفيصل، وبالتالي فالقانون الجديد الذي جاء بفضل التظاهرات الشعبية مقبول، لكن ليس بمستوى الطموح". ولفت إلى أن "المشكلة في مفوضية الانتخابات أيضاً وليس في قانون الانتخاب فقط، فالمفوضية التي تشرف على الانتخابات المقبلة يجب أن تكون فعلاً مستقلة، وليس كالمفوضية الحالية، التي أعضاؤها هم سفراء للأحزاب والكتل السياسية".
في المقابل، قال عضو البرلمان العراقي سلام الشمري إن "مشروع القانون الجديد تم الالتفاف عليه، وإرادة الأحزاب فيه واضحة"، وأضاف في بيان له أن "الحكومة تحاول جاهدة المراهنة على الوقت لإنهاء التظاهرات السلمية إضافة لأساليبها الأخرى والتي أدت إلى العديد من الضحايا والمصابين وعدم اطلاع الرأي العام على الجهات التي تخطف الناشطين بشكل خاص". وأوضح الشمري أن "إرادة الأحزاب السياسية وبقاء وجودها في السلطة تحققت من خلال مشروع قانون الانتخابات المعد والمرسل من قبل مجلس الوزراء". واعتبر "مشروع قانون الانتخابات التفافاً على رأي وتوجيهات المرجعية الدينية واستخفافاً بدماء الشهداء الثوار المتظاهرين المطالبين بالإصلاح"، مشدداً على "أهمية أن تعي الحكومة أن ما يحدث في البلاد انتفاضة شعب غاضب يجب تلبية مطالبه المشروعة من دون تأخير".