وقالت المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النظام يسيطر بشكل كامل على قرارات البرلمان الحالي، ما يضمن تمرير إجراءات تعديل الدستور في سهولة ويسر، عوضاً عن طرح التعديل أمام تشكيل جديد لمجلس النواب، والذي من المقرر أن تجرى انتخاباته في نهاية عام 2020". وأشارت إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، يؤدي دوراً هاماً حالياً في خطة تطهير مؤسسات الدولة من العناصر المناوئة لتعديل الدستور.
وأوضحت المصادر أن "الفترة السابقة لإجراء الاستفتاء الشعبي على الدستور يجب أن تُستغل في تطهير مؤسسات الدولة من تلك العناصر، باعتبار أن هناك تياراً من الداخل يعارض تعديل الدستور من حيث المبدأ". واستدركت بالقول إن "استمرار السيسي في منصبه بات أمراً ملحاً لاستكمال المشروعات القومية التي بدأها، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وشبكة الطرق القومية، كونها ستتوقف بتغير الرئيس". وأفادت المصادر بأن التعديل سيحذف مادة دعوة مجلس النواب إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب موقع من أغلبية أعضائه، بذريعة ما قد تحدثه من صدام لاحق بين سلطات الدولة، في حالة عدم الاستقرار السياسي، أو وصول برلمان يغلب على تشكيله معارضون لرئيس الجمهورية. وأشارت إلى أن التعديل سيمنح أيضاً رئيس الجمهورية سلطة إعفاء الحكومة من أداء عملها، واختيار الوزراء، بدون العودة إلى مجلس النواب. في موازاة ذلك، أصدرت الدائرة الخاصة بالسيسي تعليمات لوسائل الإعلام ونواب الأغلبية البرلمانية، بعدم الحديث عن تفاصيل المباحثات التي تجرى في الغرف المغلقة بين أجهزة النظام وشخصيات نافذة، على رأسها مدير الاستخبارات العامة، بشأن موعد وطبيعة التعديلات الدستورية المحتمل عرضها على مجلس النواب في الدورة الحالية، على ضوء بعض الخلافات حول المواد التي سيتضمنها التعديل، وموعد إقراره.
الأجهزة الأمنية
وأصبح السيسي، حسب المصادر، مطمئناً أكثر لولاء الأجهزة الأمنية، بعد أن كان غير مسيطر عليها بشكل تام حتى فترة قريبة، وذلك بعد اتخاذه إجراءات بدت مفاجئة على فترات متلاحقة، على غرار الإطاحة بوزير الدفاع السابق، الفريق صدقي صبحي، واستبداله بقائد الحرس الجمهوري، الفريق محمد أحمد زكي، وكذلك الإطاحة بوزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، واستبداله باللواء محمود توفيق، ليتخلص السيسي من أهم مراكز القوى في نظام حكمه.
وسبق أن أطاح السيسي برئيس أركان الجيش السابق، صهره الفريق محمود حجازي، والرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العامة، اللواء خالد فوزي، واختيار مدير مكتبه (عباس كامل) بديلاً له في منصبه، بعد وصول تقارير إليه تفيد بأن فوزي كان يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه في سبيل ذلك كان يستميل صفوفاً من الموالين له داخل جهاز الاستخبارات من ضباطه، وخارجه من الوسط الإعلامي.
كما أطاح السيسي بأحد أقرب رجاله المخلصين، الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية، اللواء محمد عرفان، وهي الهيئة التي عدل السيسي القانون الخاص بها، ليمنح رئيسها سلطات أوسع داخل الدولة، مخالفاً بذلك الدستور الذي اشترط عدم جواز إعفاء تعيين رئيس الهيئة إلا في حال توافر أحد الشروط التي حددها قانون "إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية"، والذي أصدره السيسي عام 2015 للإطاحة برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة.
الأذرع الإعلامية
منذ انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي، منتصف عام 2013، وهو يدرك جيداً دور الإعلام الهام في توجيه الرأي العام، الأمر الذي اتضح بإذاعة "تسريبات الأذرع الإعلامية"، والتي كانت عبارة عن محادثات هاتفية بين عباس كامل والمتحدث العسكري السابق العقيد أحمد محمد علي، ويلقن خلالها عباس متحدث الجيش بتفاصيل خطة "تهييج" المواطنين إعلامياً لصالح السيسي، حين كان مرشحاً لرئاسيات عام 2014. وتحدث عباس آنذاك عن "الإعلاميين بتوعنا"، وذكر منهم على سبيل المثال: أحمد موسى، ووائل الإبراشي، وإبراهيم عيسى، وأماني الخياط، و"العيال بتوع أون تي في"، إلى جانب أسامة كمال، ونائلة عمارة، ورئيس تحرير صحيفة الوطن محمود مسلم، بالإضافة إلى الإعلامي محمود سعد و"البنت بتاعتنا اللي اسمها عزة مصطفى"، لتمرير التعليمات الصادرة من دائرة السيسي في رسائل للمواطنين عبر شاشات الفضائيات.
وأخيراً، لجأ السيسي إلى السيطرة التامة على جميع وسائل الإعلام الخاصة، من خلال إرغام أصحابها على بيعها لصالح بعض الأجهزة "السيادية"، علاوة على إصدار ثلاثة تشريعات متصلة لتنظيم الصحافة والإعلام، تهدف إلى تضييق الخناق على العاملين في الوسط الصحافي أو الإعلامي، والإيذان بتنفيذ خطة إلغاء بعض الإصدارات الصحافية المملوكة للدولة، ودمْج البعض الآخر، بدعوى تعرضها للخسائر، وعدم تحقيقها أرباحاً مالية.
قوى المعارضة
أما ما تعرف بقوى المعارضة، فلا يمكن الحديث عنها باعتبارها ذات تأثير حقيقي على الأرض أو بين المواطنين، بعدما نجح نظام السيسي في إسكات الكثير من أصواتها خلال الفترات الماضية، إما بالسجن أو بالمنع والإبعاد خارج البلاد. وعلى الرغم من ذلك بقيت بعض الأصوات الخافتة التي تظهر من آن إلى آخر، مثلما حدث إبان تمرير مجلس النواب لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي تنازلت بموجبها القاهرة عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. تلك الأصوات رغم ضآلتها، ومحدودية تأثيرها، إلا أن السيسي وأجهزته الأمنية يخشون من حدوث أي تقارب بينها وبين قوى المعارضة في الخارج، وفقاً لما أكدته المصادر في حديثها مع "العربي الجديد". ولفتت المصادر إلى أن "الدولة (النظام) لن تسمح بأي حال باستخدام بعض المحسوبين على المعارضة في الداخل من قبل جماعة الإخوان، لتنفيذ مخططاتها لهدم الدولة، وتقويض النظام في مصر"، حسب تعبيرها.
وزجت الحملات الأمنية بالعشرات من الحقوقيين والصحافيين والناشطين في السجون خلال الأشهر الأخيرة، ولعل أبرزهم مساعد وزير الخارجية السابق، السفير معصوم مرزوق، الذي اعتقل مع عددٍ من الشخصيات المعارضة في عيد الأضحى الماضي، وفي مقدمتهم العضو المؤسس بحركة استقلال الجامعات، يحيى القزاز، والمحلل الاقتصادي رائد سلامة والنشطاء سامح سعودي وعمرو محمد ونرمين حسين.
الأزهر وشيخه
بالرغم من أن السيسي استطاع التخلص من معظم شركائه الرئيسيين في الانقلاب، إلا أنه لم يستطع حتى الآن إزاحة أحد أهم هؤلاء الشركاء، وهو شيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي يتحصن بالدستور وبالدعم على المستوى الدولي. ولم تنجح محاولات السيسي للتخلص منه حتى الآن، على خلفية الصراع بينهما بسبب قضايا عدة، وفي مقدمتها تجديد الخطاب الديني، ووقوع الطلاق الشفوي، الذي يرفضه السيسي بالمخالفة لما استقر عليه علماء الشرع. الطيب اعتمد في صراعه المكتوم مع السيسي، على تمسكه برجاله المخلصين لفترة طويلة، في مواجهة محاولات أجهزة الأمن المستمرة للإطاحة بهم، ومن بينهم مستشاره القانوني محمد عبد السلام، ووكيل الأزهر عباس شومان، والذي رفض السيسي التجديد له أخيراً، ما اضطر شيخ الأزهر لتكليف رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، الشيخ صالح عباس، بتسيير أعماله، بعدما تلقى ردا رسمياً من مؤسسة الرئاسة برفض طلبه بالتجديد لشومان.