وبدأت أزمة البدون في الكويت بالظهور عقب استقلال البلاد عام 1961، إذ لم يتمكّن البدون الذين كانوا يسكنون الصحراء من الحصول على الجنسية الكويتية، لكنهم خدموا في الجيش والشرطة وساهموا في تأسيس أجهزة الدولة من دون حصولهم على ورقة الجنسية. وبعد الغزو العراقي للبلاد عام 1991، قررت الحكومة الكويتية منعهم من العمل في الجيش والشرطة واتهمتهم بإخفاء أوراق ثبوتية تعود للدول المجاورة (العراق والسعودية)، طمعاً بالحصول على الجنسية الكويتية، رغم أنهم سُجّلوا في أول إحصاء سكاني أجرته الدولة عام 1965، كمواطنين كويتيين.
وأنشأت الحكومة "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية"، وهو جهاز تابع لرئاسة مجلس الوزراء، إذ خُوّل بالتعامل مع البدون كحكومة مصغرة لـ150 ألف نسمة تتولّى ملف توظيف وزواج وطلاق واستخراج الأوراق الثبوتية لهم، فيما منعت الجهات الحكومية والشركات الخاصة من توظيف "البدون" أو التعامل معهم، إلا بإذن من سلطات الجهاز المركزي، ما أدّى إلى تظاهرهم للمرة الأولى عام 2011، متأثرين بموجات الربيع العربي قبل أن تخفّف الحكومة بعض القيود المفروضة عليهم.
وعادت الأزمة من جديد عقب قيام رئيس الجهاز المركزي، صالح الفضالة، منتصف العام الماضي، بتشديد القيود عليهم مرة أخرى، لكن بشكل قاس هذه المرة، بحسب ما يقول مراقبون، إذ قام الجهاز باتهامهم جميعاً بإخفاء أوراقهم الثبوتية الأصلية، وبأنهم "مزوِّرون"، ومنعهم من العلاج والتعليم، ما دفعهم للدعوة إلى التظاهر منتصف شهر فبراير/ شباط، في الذكرى السابعة لأول مسيرة احتجاجية نفّذها "البدون" في الكويت.
وقال الفضالة في مؤتمر صحافي له، الإثنين الماضي، عقب اجتماع برلماني مع رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، في مكتب مجلس الأمة، إن "الجهاز المركزي توصّل إلى الجنسية الحقيقية لأكثر من 8500 فرد من البدون"، وأنه "أحال ملفاتهم وصور جنسياتهم الأصلية إلى هيئة المعلومات المدنية لتسجيلهم كوافدين وإجبارهم على وضع إقامات رسمية في الكويت"، وأن "دعوات التظاهر صدرت من قبل بعض الجهات التي تحاول تدمير البلد وتبني نزعات سياسية تدميرية".
وتعليقاً على ذلك، قالت الناشطة السياسية والأكاديمية في جامعة الكويت، ابتهال الخطيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "كل الجنسيات التي يضعها الجهاز المركزي ضدّ البدون هي جنسيات مزورة قام بتلفيقها لهم وأجبرهم على التوقيع بصحتها، وإلّا فإنّهم سيمنعون من دخول المستشفيات والمدارس، وهو ما حدث للعديد من الحالات، كما أن اللجنة أيضاً تجاهلت الأحكام القضائية التي قضت بعدم صحّة هذه الجنسيات".
وتصاعدت حدّة الاختلاف بين أعضاء البرلمان عقب عدم النجاح في تمرير القانون الذي يسمح للبدون بالخدمة في الجيش الكويتي من جديد، وذلك بعد انسحاب عدد من النواب المحسوبين على الكتل الوطنية البرلمانية من الجلسة، مبطلين النصاب، فيما حاول "الإسلاميون" و"الشيعة" المؤيدون للبدون إبقاءها ولكن دون جدوى، ما اضطر رئيس الجلسة، عيسى الكندري، إلى رفعها حتى الـ13 من الشهر الجاري. وكانت وزارة الدفاع قد تقدّمت بالتعاون مع لجنة الدفاع والداخلية في مجلس الأمة، بقانون يقضي بالسماح للبدون بالعودة إلى العمل في الجيش الكويتي، بعد تناقص عدد المواطنين في الجيش، فتقدم أكثر من 30 ألف متطوّع من "البدون" للتسجيل في الكشوفات، رغم أن العدد المطلوب لا يتجاوز 2000 جندي.
وفي هذا الإطار، قال الناشط من "البدون"، عبد الحكيم الفضلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة طوال 60 عاماً من وجود مشكلة البدون، تتعامل معهم وفق مبدأ التهدئة وتقديم بعض المميزات والتنازلات البسيطة في حال وجود حراك شعبي، لكن الرأي الحكومي هذه المرة منقسم بشدة، فهناك فريق يطالب بالتهدئة والسماح للبدون ببعض المميزات، وهناك فريق آخر بزعامة الجهاز المركزي للبدون، يطالب بالتشديد وتصفية القضية بشكل نهائي في غضون سنتين، وهو ما دفع عجلة التظاهرات التي توقّفت قبل 4 سنوات، عقب سجن جميع المشاركين فيها، إلى العودة بقوة مرة أخرى".
واعتبر الفضلي أن "المأزق الذي تعاني منه الحكومة ويعاني منه البدون، هو أنّ منصب صالح الفضالة كان نتاجاً لتسوية بين الحكومة وبين كتل ليبرالية ووطنية متعاطفة مع الفضالة. كما أن ابنه نائب في البرلمان الكويتي، ولديه علاقات سياسية مع رئيس البرلمان وأحد أقوى رجال السياسة في الدولة، مرزوق الغانم، ما يعني أن الحديث عن إزالته من منصبه يبدو مكلفاً للجميع ولا أحد يرغب في تحمّل هذه الكلفة نيابة عن البدون".
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، فيصل المطيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تقسيماً سياسياً داخل البرلمان والحياة السياسية بشكل عام في الكويت بما يخص قضية البدون، فالشيعة والإسلاميون والقبليون يدعمون البدون، بينما تحالف الكتل التجارية والكتل الليبرالية الوطنية ضدهم، في حين يقف النواب الموالون للحكومة على الحياد، فهم يصوّتون بحسب ما تمليه عليهم الحكومة التي تبدّل رأيها تجاه البدون حسب الضغوطات السياسية".