لم تستعدْ فرنسا بعد حياتها الطبيعية. ولا يزال الهاجس الأمني يسيطر على شوارعها وعلى مؤسساتها، بعد الاعتداء الدموي على صحيفة "شارلي إيبدو"، وبعد سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي طاولت وسائل إعلامية عدة. وفي إطار مكافحة كل هذه الاختراقات، قرّرت الحكومة الفرنسية تشريع قانون جديد لمكافحة الإرهاب على الشبكة.
إلا أن هذا التشريع دق ناقوس الخطر بالنسبة لقسم كبير من المنظمات الحقوقية والأحزاب
السياسية اليسارية، التي اعتبرت أن هذا التشريع قد يساهم في التضييق على حرية التعبير، والرقابة على نشاط الفرنسيين الإلكتروني. بينما يحاول رئيس الوزراء، مانويل فالس، ووزير الداخلية برنارد كازنوف، تقديم تطمينات حول ضمان الحريات، وعدم فرض الرقابة على المواطنين، لكن رغم ذلك يصرّ المعارضون على أن الشفافية في فرنسا، عندما تتعلق بالموضوع الأمني، فهي أمر شبه مستحيل.
بجرة قلم، أبعد رئيس الوزراء مانويل فالس جانباً اتهامات وانتقادات كل من يعارض مشروع القانون الجديد حول المراقبة الإلكترونية للأشخاص، ووصفها بـ"الانتقادات العبثية والمُبالغ فيها". واستحضِر الهجوم الإلكتروني الشامل الذي تعرضت له، قبل أيام، قناة "تي في 5
موند". وقال أمام حفنة قليلة من النواب الحاضرين: "بعد ثلاثة أشهر من الهجمات الإرهابية في يناير/كانون الثاني، وفي الأسبوع الماضي، ضرب الإرهاب، مجدداً، بلدنا. لم يَقْتُل، ولكنه أراد إلحاق الأذى".
يعرف فالس أن مسألة توسيع نطاق المراقبة الإلكترونية على الأشخاص تثير كثيراً من الجدل ومن القلق الشعبي، ومن هنا قرر الدفاع بنفسه عن مشروع القانون الذي تقدمت به حكومته. ولكن الحكومة، التي تجد في مواجهتها "متمرديها"، يمكن أن تتكئ على أغلبية مريحة، بما فيها أصوات اليمين، الذي لا يتردد في إشهار الحلول الأمنية في كل أزمة تواجهها فرنسا. بل ذهب بعض زعماء اليمين إلى المزايدة "الأمنويّة"، إلى درجة اعتبار مشروع القرار خجولاً! إضافة إلى استطلاع للرأي يظهر أن 63 في المائة من الفرنسيين يؤيدون الحدّ من حرياتهم على الشبكة باسم محاربة الإرهاب. كذلك هنا نواب مستعدون "لتحمل مسؤولياتهم باسم أمن الأمّة والسيادة الاقتصادية والدبلوماسية والجيو-سياسية".
ويُجانب رئيس الوزراء، مانويل فالس، الحقيقة حين يصرّح بأن مشروع القانون، الذي سيخضع للتصويت في البرلمان يوم الخامس من شهر مايو/أيار المقبل، قبل أن يناقشه مجلس الشيوخ الفرنسي، والذي لن يخضع، بسبب طابعه "الاستعجالي" لقراءة ثانية، ليس جواباً متسرّعاً على اعتداءات يناير/كانون الثاني الماضي. إذ إن قسما كبيرا من معارضي القانون، ومن بينهم وزيرة الثقافة السابقة أوريلي فيليبيتي، ينتقدون السرعة التي قدم بها أمام البرلمان، في وقت لا يزال فيه الفرنسيون تحت صدمة اعتداءات يناير/كانون الثاني الماضي. إضافة إلى أن نص مشروع المقال يتضمن لغة تكنوقراطية يصعب على الكثيرين إدراكها، إذ لا تمثل نسبة الفرنسيين الذين يعرفون، بشكل حقيقي، محتوى مشروع القانون حول المراقبة الإلكترونية سوى 27 في المائة.
إقرأ أيضاً: فرنسا: جدل حول قانون يسمح بانتهاك الحريات لـ"محاربة الإرهاب"
ويسود غموض كبير الطريقة التي تتعامل بها الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي مع المواطنين. فقد حاول مانويل فالس أن يفند معلومات نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، ومفادُها أن هذا الجهاز الأمني والاستخباراتي "يلتقط ويتجسس على كل الاتصالات في فرنسا" كي "يكدسها خلال سنوات"، وهو ما كانت الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان قد قدمت ضده شكوى لاشتغاله خارج أي إطار قانوني.
وإذا كان الرفض الشعبي لمشروع القانون فاتراً، ولا يعكس غيرة الفرنسيين الشديدة على حرياتهم، ومنها حرية التعبير، إلا أن العديد من المنظمات والجمعيات ما فتئت ترفع أصواتها لانتقاد مشروع القانون، ومن بينها نقابة القضاء ورابطة حقوق الإنسان. ويُعوّل الكثيرون على مجموعة من التعديلات التي يمكن أن يقدمها نواب معارضون، ليس فقط من "المتمردين"،
ولكن أيضاً من نواب جبهة اليسار، للنص الأوّلي لمشروع القانون. ومن بين هؤلاء النواب بوريا أميرشاهي الذي ينصح زملاءه بـ"ألا يعتقدوا أن الديمقراطية الفرنسية عصية عن الخطأ"، لأنه "توجد مخاطر ثقيلة من الانحرافات التي لا يمكن تكنيسها بِحُجّة هوس مكافحة الإرهاب".
وإذا كان بعض النواب يرون أنه توجد نقاط إيجابية في مشروع القانون، منها أن "القانون يسن ممارسات كانت، سابقا، تتم في الظلّ"، لكنهم يحذرون من "الأعراض الجانبية، التي لم تكن مقصودة في البداية، ولكنها تنتهك الحريات".
وإذا كان المشروع يتحدث عن خلق "اللجنة الوطنية لمراقبة تقنيات المراقبة الإلكترونية"، فإنه لا شيء يحدد دورها الحقيقي وصلاحياتها، ومن هنا يريد منتقدو مشروع القانون أن تكون لهذه اللجنة "سلطة الحظر"، أي لها صلاحية مراقبة حقيقية، وليست مجرد ديكور. وهذه اللجنة ستضم أربعة برلمانيين، وأربعة قضاة، إضافة إلى عضو مهندس يضبط الأمور التقنية.
كما يطالب كثيرٌ من النواب بالتخلي النهائي عن فكرة "العلب السوداء"، التي تريد منها وزارة
الداخلية الفرنسية رصد الشبكات الإرهابية على الشبكة، والتي دفعت كثيراً من مُشغّلي المواقع الإلكترونية إلى التهديد بمغادرة فرنسا، ورأى فيها الكثيرون نُذُرَ "مراقبة شاملة للمواطنين".
وحول ما يقال عن "المراقبة الشاملة"، فقد رفض وزير الداخلية، برنار كازنوف، الإقرار بوجودها في فرنسا وفي مشروع القانون الجديد. وإذا كان كازينوف قد كشف عن تضمّن مشروع القانون بندا في شأن إنشاء قوائم تتضمن الأشخاص المدانين في قضايا الإرهاب، وشدد على أنه "لا توجد مراقبة شاملة ولا تجميع شامل للمعلومات عن الفرنسيين".
وأضاف بأن الهدف يظل هو "استهداف من تجب مراقبتُهُم بسبب الخطورة التي يُشكّلونها"، وكل هذا في أفق "منح أعلى درجة من الحماية للفرنسيين".
إقرأ أيضاً: متطرفو فرنسا عادوا: الإعلام سلاحنا
إلا أن نُوّاباً في المعارضة الشيوعية يرون أن هذه "المراقبة شاملة"، رغم أنها لا ترد بشكل معلن: "تزيد من وطأة المراقبة الاجتماعية"، إضافة إلى أنها "تحد من الحريات من دون أن تقدم لنا أمنا حقيقيا"، وتعبر راكيل غاريدو، الأمين الوطني لحزب اليسار، عن قلقها من
"التجميع الشامل لمعطيات إحصائية، تكون مرتبطة بمعطيات أخرى، مثلا بطاقة سحب مصرفية مرتبطة بساعة محددة ومكان محدد". وترى أن "السلطات (الأمنية) تريد مقارنة هذه المعطيات الإحصائية من أجل ضبط أشخاص يبتعدون عن ما حددته السلطات، باعتباره تصرفاً "عادياً". وإضافة إلى أننا نتحدث عن تجسس شامل، فإن مسألة الحريات الفردية هي المُهدَّدَة".
وتُجمع هذه المنظمات المدنية والحقوقية على ضرورة البحث عن توازُن بين التحولات التكنولوجية والدفاع الضروري عن الحريات الفردية. النقاش يُحرّك الأهواء والانفعالات، ويهم مجموع المواطنين، ولهذا يجب، كما تقول المسؤولة عن حزب اليسار، "ألا تُصادرَهُ الحكومة".
ليس من شك في أن مشروع القانون سينجح في البرلمان، ولكن السؤال الذي يظل مطروحاً، هو حول التطمينات التي يمكن أن يحصل عليها المواطن الفرنسي في مواجهة "الأخ الأكبر" الفرنسي.
إقرأ أيضاً: فرنسا تغلق 5 مواقع إلكترونية بتهمة تمجيد الإرهاب
إلا أن هذا التشريع دق ناقوس الخطر بالنسبة لقسم كبير من المنظمات الحقوقية والأحزاب
بجرة قلم، أبعد رئيس الوزراء مانويل فالس جانباً اتهامات وانتقادات كل من يعارض مشروع القانون الجديد حول المراقبة الإلكترونية للأشخاص، ووصفها بـ"الانتقادات العبثية والمُبالغ فيها". واستحضِر الهجوم الإلكتروني الشامل الذي تعرضت له، قبل أيام، قناة "تي في 5
يعرف فالس أن مسألة توسيع نطاق المراقبة الإلكترونية على الأشخاص تثير كثيراً من الجدل ومن القلق الشعبي، ومن هنا قرر الدفاع بنفسه عن مشروع القانون الذي تقدمت به حكومته. ولكن الحكومة، التي تجد في مواجهتها "متمرديها"، يمكن أن تتكئ على أغلبية مريحة، بما فيها أصوات اليمين، الذي لا يتردد في إشهار الحلول الأمنية في كل أزمة تواجهها فرنسا. بل ذهب بعض زعماء اليمين إلى المزايدة "الأمنويّة"، إلى درجة اعتبار مشروع القرار خجولاً! إضافة إلى استطلاع للرأي يظهر أن 63 في المائة من الفرنسيين يؤيدون الحدّ من حرياتهم على الشبكة باسم محاربة الإرهاب. كذلك هنا نواب مستعدون "لتحمل مسؤولياتهم باسم أمن الأمّة والسيادة الاقتصادية والدبلوماسية والجيو-سياسية".
ويُجانب رئيس الوزراء، مانويل فالس، الحقيقة حين يصرّح بأن مشروع القانون، الذي سيخضع للتصويت في البرلمان يوم الخامس من شهر مايو/أيار المقبل، قبل أن يناقشه مجلس الشيوخ الفرنسي، والذي لن يخضع، بسبب طابعه "الاستعجالي" لقراءة ثانية، ليس جواباً متسرّعاً على اعتداءات يناير/كانون الثاني الماضي. إذ إن قسما كبيرا من معارضي القانون، ومن بينهم وزيرة الثقافة السابقة أوريلي فيليبيتي، ينتقدون السرعة التي قدم بها أمام البرلمان، في وقت لا يزال فيه الفرنسيون تحت صدمة اعتداءات يناير/كانون الثاني الماضي. إضافة إلى أن نص مشروع المقال يتضمن لغة تكنوقراطية يصعب على الكثيرين إدراكها، إذ لا تمثل نسبة الفرنسيين الذين يعرفون، بشكل حقيقي، محتوى مشروع القانون حول المراقبة الإلكترونية سوى 27 في المائة.
إقرأ أيضاً: فرنسا: جدل حول قانون يسمح بانتهاك الحريات لـ"محاربة الإرهاب"
ويسود غموض كبير الطريقة التي تتعامل بها الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي مع المواطنين. فقد حاول مانويل فالس أن يفند معلومات نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، ومفادُها أن هذا الجهاز الأمني والاستخباراتي "يلتقط ويتجسس على كل الاتصالات في فرنسا" كي "يكدسها خلال سنوات"، وهو ما كانت الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان قد قدمت ضده شكوى لاشتغاله خارج أي إطار قانوني.
وإذا كان الرفض الشعبي لمشروع القانون فاتراً، ولا يعكس غيرة الفرنسيين الشديدة على حرياتهم، ومنها حرية التعبير، إلا أن العديد من المنظمات والجمعيات ما فتئت ترفع أصواتها لانتقاد مشروع القانون، ومن بينها نقابة القضاء ورابطة حقوق الإنسان. ويُعوّل الكثيرون على مجموعة من التعديلات التي يمكن أن يقدمها نواب معارضون، ليس فقط من "المتمردين"،
وإذا كان بعض النواب يرون أنه توجد نقاط إيجابية في مشروع القانون، منها أن "القانون يسن ممارسات كانت، سابقا، تتم في الظلّ"، لكنهم يحذرون من "الأعراض الجانبية، التي لم تكن مقصودة في البداية، ولكنها تنتهك الحريات".
وإذا كان المشروع يتحدث عن خلق "اللجنة الوطنية لمراقبة تقنيات المراقبة الإلكترونية"، فإنه لا شيء يحدد دورها الحقيقي وصلاحياتها، ومن هنا يريد منتقدو مشروع القانون أن تكون لهذه اللجنة "سلطة الحظر"، أي لها صلاحية مراقبة حقيقية، وليست مجرد ديكور. وهذه اللجنة ستضم أربعة برلمانيين، وأربعة قضاة، إضافة إلى عضو مهندس يضبط الأمور التقنية.
كما يطالب كثيرٌ من النواب بالتخلي النهائي عن فكرة "العلب السوداء"، التي تريد منها وزارة
وحول ما يقال عن "المراقبة الشاملة"، فقد رفض وزير الداخلية، برنار كازنوف، الإقرار بوجودها في فرنسا وفي مشروع القانون الجديد. وإذا كان كازينوف قد كشف عن تضمّن مشروع القانون بندا في شأن إنشاء قوائم تتضمن الأشخاص المدانين في قضايا الإرهاب، وشدد على أنه "لا توجد مراقبة شاملة ولا تجميع شامل للمعلومات عن الفرنسيين".
وأضاف بأن الهدف يظل هو "استهداف من تجب مراقبتُهُم بسبب الخطورة التي يُشكّلونها"، وكل هذا في أفق "منح أعلى درجة من الحماية للفرنسيين".
إقرأ أيضاً: متطرفو فرنسا عادوا: الإعلام سلاحنا
إلا أن نُوّاباً في المعارضة الشيوعية يرون أن هذه "المراقبة شاملة"، رغم أنها لا ترد بشكل معلن: "تزيد من وطأة المراقبة الاجتماعية"، إضافة إلى أنها "تحد من الحريات من دون أن تقدم لنا أمنا حقيقيا"، وتعبر راكيل غاريدو، الأمين الوطني لحزب اليسار، عن قلقها من
وتُجمع هذه المنظمات المدنية والحقوقية على ضرورة البحث عن توازُن بين التحولات التكنولوجية والدفاع الضروري عن الحريات الفردية. النقاش يُحرّك الأهواء والانفعالات، ويهم مجموع المواطنين، ولهذا يجب، كما تقول المسؤولة عن حزب اليسار، "ألا تُصادرَهُ الحكومة".
ليس من شك في أن مشروع القانون سينجح في البرلمان، ولكن السؤال الذي يظل مطروحاً، هو حول التطمينات التي يمكن أن يحصل عليها المواطن الفرنسي في مواجهة "الأخ الأكبر" الفرنسي.
إقرأ أيضاً: فرنسا تغلق 5 مواقع إلكترونية بتهمة تمجيد الإرهاب