مشروع "الحلبة": مرتجلة مسرح الجدد

23 فبراير 2018
المخرج المسرحي ساري مصطفى (فيسبوك)
+ الخط -
ماذا سيحدث إن تغير الممثل فجأة داخل العرض المسرحي؟ هل سيستمر العرض بنفس الطريقة؟
انطلاقاً من هذا السؤال، جاءت فكرة مشروع "الحلبة" المسرحي الذي أطلقه المخرج المسرحي السوري، ساري مصطفى، في بيروت، الثلاثاء الماضي، في مقر "منشن" الثقافي متعدد الاستعمالات، بالشراكة مع أيمن حسان. وتقوم فكرة المشروع على دعوة 8 ممثلين إلى الارتجال في الحلبة المسرحية، والتي يتواجه فيها الممثلون للمرة الأولى ربما، ليخلقوا عرضاً مسرحياً من خلال التقاء طاقاتهم وخبراتهم على تلك الحلبة، ومن خلال التفاعل المباشر مع الظروف التي هيأها المخرج، والتي يترك فيها مساحة كبيرة للصدفة؛ فالانتقال بين حدث مسرحي وآخر، والأغراض التي يستعملها الممثلون، تصل إليهم عن طريق الصدفة، بعد أن يقوموا بسحب بطاقات مغلقة تحدد مصير الشخصيات مسرحياً، في أغلب الأوقات.

العرض بدأ بتجمّع الجمهور في صالة البهو في "منشن"، حيث جلسوا على كراسيهم وانتظروا طويلاً، قبل أن يقدم مصطفى مشروعه المسرحي باختصار، ويعرّف بالممثلين الثمانية المشاركين، والذين انقسموا إلى فريقين عن طريق القرعة، بعد أن سحبوا بطاقات ملونة باللونين الأحمر والأسود. بعدها طلب مصطفى من أحد الحاضرين أن يقترع لاختيار القاعة التي سيقام العرض فيها؛ فوقع الاختيار على صالة "الصوت" في القبو، وانتقلنا إلى هناك.

لم تكن القاعة مجهزة سوى بحلبة شبه دائرية يحددها لاصق أبيض اللون، وعلى جانبيها طاولتان وضعت عليهما ظروف مغلقة، وخلف الحلبة شاشة عرض، وأمامها كراسي يجلس عليها الجمهور. وفي هذه القاعة كان ينتظرنا الفيلم الذي أعلن بشكل رسمي عن بداية العرض، والذي بدا تائهاً لوقتٍ طويل، وزاد من ضياعه طول مدة الفيلم وعدم ارتباطه بموضوع العرض؛ فالفيلم كان أشبه بمشهد افتتاحي ليعرفنا بشخصيات العرض: وبعد أن انتهى الفيلم، طلب مصطفى من الجمهور أن يتبرعوا بإكسسوارات خاصة بهم، لتكون أغراض العرض المسرحي؛ وبدأ العرض مع صوت الجرس الذي أعلن عن بداية الجولة الأولى، حيث خرج ممثل من كلا الفريقين، وبدأ باللعب بناءً على الأغراض والمهام التي سحبها بالظرف الأول.

كانت الجولات الأولى من العرض مملة، حيث ضاع معظم الوقت والممثلون تائهون في الحلبة، يحاولون أن يحددوا فرضيات ليتواصلوا فيما بينهم، وليحددوا المكان الذي يفترضون أن أحداث المشهد تدور فيه؛ وزاد من الضياع أن مخرج العرض أكثر من القواعد والتدخلات، والتي كان معظمها غير مبرر: فعلى سبيل المثال، كل عشر دقائق كان يقرع الجرس لننتقل من جولة لأخرى، من دون أن يكون لقرع الجرس أي دلالة أو وظيفة مسرحية. وكذلك، قام المخرج بتحديد عدد الظروف ومواعيد اللجوء إليها، مما تسبب بنوع من الفراغ والملل، فحاول الممثلون أن يكسروا ذلك الفراغ من خلال اللجوء إلى الثرثرة، وأفرطوا في استخدام الألفاظ النابية ليجذبوا الجمهور.

وحاول المخرج أن يضيف لمسة خاصة من خلال التلاعب بالإضاءة، وإدخال بعض المؤثرات الصوتية المفاجئة، ولكن قلما كانت هذه التدخلات التقنية تعود بنتيجة على خط سير العرض. في حين أن التدخل الذي كان يبدو كجزء أصيل من اللعبة كانت الأوامر اللفظية البسيطة، والتي تفرض على الممثلين سحب ظروف جديدة، وتمكنت هذه الظروف في العديد من المرات من إنقاذ العرض.

في الجولة الرابعة تحوّل مجرى العرض، حين تواجه على الحلبة الممثل السوري خالد أبو بكر والممثلة اللبنانية سكينة العوطة، اللذان تمكنا من تحديد ملامح المكان بدقة، بعد أن دخلا إلى الحلبة، وهما يحاولان أن يفرضا سيطرتهما على المكان. وتطور العرض بعد أن دخل هاشم كبريت إلى الحلبة، وحافظ على الفرضيات التي بناها الممثلون من قبله، لتتطور خطوط العرض الدرامية بعدها بشكل ملحوظ، ويسير العرض بشكل متزن حتى النهاية. ليبدو واضحاً أن مشكلة العرض في بدايته كانت في عدم تحديد الفضاء الدرامي للعرض، حيث لم يلتزم مصطفى بالقواعد التي وضعها كيث جونستون في كتابه "الارتجال في المسرح"، والذي أكد أن تحديد المكان أو الفضاء الدرامي شرط أساسي في عملية الارتجال على الخشبة؛ فربما كان من الأجدى تحديد الفضاء الدرامي للعرض المسرحي بالقرعة عوضاً عن الاقتراع لتحديد القاعة التي سترسم على أرضها الحلبة الخالية.

وفي نهاية العرض، التقى فريق "العربي الجديد" بالممثلين المشاركين، ليرصد انطباعاتهم حول التجربة. قالت فرح حوارنة: "لم نكن نعلم، نحن الممثلين الثمانية، أي شيء عن قواعد العرض. فكما هو واضح، أن ساري مصطفى أراد أن يجعلنا نخرج إلى الحلبة وأن نرتجل من دون أي معرفة مسبقة بالقواعد التي وضعها للمشروع. وكنت أنا كبش الفداء، حيث كنت أول ممثلة تدخل إلى الحلبة، وفوجئت بالعرض كما فوجئ الجميع، ولكنها كانت تجربة ممتعة بالنسبة لي". وبالنسبة للممثل مو لطوف، فأضاف: "عندما تسمع اسم الحلبة سيخطر ببالك شيء أشبه بالمصارعة والقتال، ولكن هذه الحلبة لم نتصارع فيها جسدياً بل فكرياً، من خلال مواجهة شخصيتين مسرحيتين. وكان من الجميل أن تنتهي المعركة من دون ربح أو خسارة، فكل من يدخل إلى هذه الحلبة يعطي كل ما لديه".

وبالنسبة للممثلة سكينة العوطة، فهي تقول: "عندما وقفت في الحلبة شعرت بأنني تورطت، كان شعوراً غريباً أن تقف فجأة أمام الجمهور، ولكنه مسلٍ، وبعد أن خضت التجربة تمنيت لو أنها تستمر لأطول وقت ممكن، وأظن أنه كان بادياً عليّ أنني لم أكن أرغب في الخروج من الحلبة". وأما خالد أبو بكر، فهو يصف هذه التجربة: "إنها أشبه بمشروع بحث مسرحي، ونحن كنا فئران التجارب فيها. لقد شاركنا في التجربة الأولى، أو ربما التجربة الصفر، ولابد أن هذه التجربة، التي استمتعت بها، ستتطور مع الأيام، بعد أن يخوض التجربة عدد أكبر من الممثلين".
دلالات
المساهمون