07 نوفمبر 2024
مشاكسات يحيى مع عم نجيب
كان الكاتب يحيى الطاهر عبدالله، رحمه الله، مشاكسا كبيرا، وكانت مشاكساته أحيانا تنتهي بالعراك أو بسوء الفهم أو المصالحة والمحبة، وكثير من محبّات يحيى بدأت بمشاكساتٍ معلنة، ثم تحولت إلى محبةٍ دائمة. كان من عادات الكاتب الكبير نجيب محفوظ في مقهى ريش أن يضع علبة سجائره في جيب سترته. حاول يحيى الطاهر جاهدا أن يشاكس التزام شخصية نجيب محفوظ، وانتظامها الجهنمي، بأي طريقة كعادته، حاول يحيى أن يفك من هذا (الهرم) قالبا، ولو مجازا، كي يرى معدنه، أو غضبه، أو أي شيء محرج في رد فعله، كي تكون حكاية أخرى تضاف إلى رصيده من حكاياتٍ ومروياتٍ، وما أكثرها في صدور محبيه على اختلاف مشاربهم.
كان يحيى في ذروة مشاكساته ونزقه، ونجيب في ذروة عطائه وتمكّنه من حرفته وأستاذيته وزهده وابتعاده عن أي جر لمعركة سياسية أو صغيرة. نجيب ابن مدينةٍ مدرّبٍ على تقلبات أمزجه المقاهي في حضرة الناس، ولكن يحيى المشاكس لا يعدم الحيلة أبدا في الدفع بالمسامرة إلى غاياتٍ أخرى. لم يكن يحيى الطاهر يحب السيارات، كان مشّاءً وعنيفا. كانت قدمه سيارته التي يطير بها من مكان إلى آخر، من السيدة زينب إلى بولاق. وكان نجيب لا يحب السيارات أيضا. فقط يجمع يحيى ونجيب التدخين والكلام في المقهى إن التقيا، ونجيب محصّن بالأستاذية، ويحيى محصن أيضا بالنزق والمشاكسة، وعلبة السجائر آمنة دائما في جيب سترة نجيب محفوظ.
كان نجيب يرى دائما بجوار السائق يتأمل في هدوء الدنيا من خلف نظارته من غير عوز أو حاجة لصخب ومعارك، مستمتعا بالمنظر من دون أن يتورّط في مسؤولية القيادة ومعاركها في الشارع. وكان يحيى يقود بنفسه مشاكساته في الدنيا والشارع والمقهى والنادي، وكأنه يجرى وراء طريدة عمره القصير، وكانت تلك خلطته الأثيرة في تذوق طعم الدنيا ومعاندتها والعراك معها سلوكا وكتابة من غير تعب. فجأةً، قال يحيى لعم نجيب في مقهي ريش: "علبه السجاير متتحطش في الجيب، تتحط على الترابيزة". أخرج نجيب محفوظ في أدب علبة سجائره من جيب سترته، ووضعها على الترابيزة، تناول منها يحيى واحدة، ووضعها في مكانها، جاعلا العلبة مشاعا في القعدة. وهكذا إلى قرب انتهاء الندوة، فنادى نجيب محفوظ على العامل، فاشترى له علبه أخرى، فوضعها في جيب سترته، وودّع عم نجيب القعدة في ميعاده المحدد مسلما على الجميع.
يحب نجيب محفوظ الخصوصية والملكية إلا السيارة. ويحيى عكس ذلك تماما إلا في موضوع السيارة، لأنه كان يؤمن بقدمه التي تأخذه وتطير، حتي مات عم نجيب من دون أن يمتلك سيارة أو يقودها، ومات قبله يحيى بسنوات في 9 إبريل/ نيسان سنة 1981. تمرّ 37 سنة على موت يحيى الطاهر عبدالله، ذلك الأرنب البرّي الذي يلبس أردية الغجر ويعدو هائما في البلاد. حاول يحيى جاهدا أن يقفز من السيارة، حاول أن يشاكس حتى الموت بالهرب من السيارة، ولكن الصيّاد كان قد أحكم شباكه على الأرنب، وعاش كل من كان في السيارة إلا يحيى. 37 سنة كأنها خبطة من جناح فراشة على باب الزمن، على الرغم من أن النهر عبرته أحداث وجثث وهزائم كثيرة، ولكن تبقى الحكاية سامرنا والعزاء لنا.
كان يحيى في ذروة مشاكساته ونزقه، ونجيب في ذروة عطائه وتمكّنه من حرفته وأستاذيته وزهده وابتعاده عن أي جر لمعركة سياسية أو صغيرة. نجيب ابن مدينةٍ مدرّبٍ على تقلبات أمزجه المقاهي في حضرة الناس، ولكن يحيى المشاكس لا يعدم الحيلة أبدا في الدفع بالمسامرة إلى غاياتٍ أخرى. لم يكن يحيى الطاهر يحب السيارات، كان مشّاءً وعنيفا. كانت قدمه سيارته التي يطير بها من مكان إلى آخر، من السيدة زينب إلى بولاق. وكان نجيب لا يحب السيارات أيضا. فقط يجمع يحيى ونجيب التدخين والكلام في المقهى إن التقيا، ونجيب محصّن بالأستاذية، ويحيى محصن أيضا بالنزق والمشاكسة، وعلبة السجائر آمنة دائما في جيب سترة نجيب محفوظ.
كان نجيب يرى دائما بجوار السائق يتأمل في هدوء الدنيا من خلف نظارته من غير عوز أو حاجة لصخب ومعارك، مستمتعا بالمنظر من دون أن يتورّط في مسؤولية القيادة ومعاركها في الشارع. وكان يحيى يقود بنفسه مشاكساته في الدنيا والشارع والمقهى والنادي، وكأنه يجرى وراء طريدة عمره القصير، وكانت تلك خلطته الأثيرة في تذوق طعم الدنيا ومعاندتها والعراك معها سلوكا وكتابة من غير تعب. فجأةً، قال يحيى لعم نجيب في مقهي ريش: "علبه السجاير متتحطش في الجيب، تتحط على الترابيزة". أخرج نجيب محفوظ في أدب علبة سجائره من جيب سترته، ووضعها على الترابيزة، تناول منها يحيى واحدة، ووضعها في مكانها، جاعلا العلبة مشاعا في القعدة. وهكذا إلى قرب انتهاء الندوة، فنادى نجيب محفوظ على العامل، فاشترى له علبه أخرى، فوضعها في جيب سترته، وودّع عم نجيب القعدة في ميعاده المحدد مسلما على الجميع.
يحب نجيب محفوظ الخصوصية والملكية إلا السيارة. ويحيى عكس ذلك تماما إلا في موضوع السيارة، لأنه كان يؤمن بقدمه التي تأخذه وتطير، حتي مات عم نجيب من دون أن يمتلك سيارة أو يقودها، ومات قبله يحيى بسنوات في 9 إبريل/ نيسان سنة 1981. تمرّ 37 سنة على موت يحيى الطاهر عبدالله، ذلك الأرنب البرّي الذي يلبس أردية الغجر ويعدو هائما في البلاد. حاول يحيى جاهدا أن يقفز من السيارة، حاول أن يشاكس حتى الموت بالهرب من السيارة، ولكن الصيّاد كان قد أحكم شباكه على الأرنب، وعاش كل من كان في السيارة إلا يحيى. 37 سنة كأنها خبطة من جناح فراشة على باب الزمن، على الرغم من أن النهر عبرته أحداث وجثث وهزائم كثيرة، ولكن تبقى الحكاية سامرنا والعزاء لنا.