مشار خارج توازنات القارّة الأفريقية: المنفى الإجباري لخصم سلفاكير

15 ديسمبر 2016
اتفاقات أفريقية بمشاركة غربية للحد من نشاط مشار(محمد عبدالحق/الأناضول)
+ الخط -
بات زعيم المعارضة المسلحة، رياك مشار، رهنًا لاتفاق إقليمي دولي غير معلن بإقصائة عن المشهد السياسي في دولة جنوب السودان، عبر محاصرتة وفرض حظر على حركته، بعد أن اختيرت له جنوب أفريقيا كمنفى إجباري، بالنظر إلى بعدها الجغرافي عن جوبا، إلى حين محاولة تهدئة الأوضاع هناك.

واندلعت في دولة جنوب السودان حرب أهلية منذ ثلاثة أعوام، نجحت معها القوى الدولية والإقليمية في إقناع الأطراف المتحاربة في الوصول إلى اتفاقية سلام، إلا أنها سرعان ما انهارت بعيد أشهر من توقيعها، عقب احتدام الخلافات بين الرئيس الجنوبي، سلفاكير ميارديت، وخصمه مشار.

وأخيرًا بدأت تتواتر الأنباء عن تحديد جنوب أفريقيا لحركة مشار، ووضعه رهن الإقامة الجبرية، وهو أمر نفاه اليوم الناطق الرسمي باسم خارجيتها، كلايسون مونيلا، قاطعًا بأن مشار ضيف على جوهانسبرغ، نزولًا عند طلب الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد".

لكن مصادر متطابقة أكدت لـ"العربي الجديد" وجود اتفاق بين دول "إيغاد"، بمشاركة غربية، لا سيما من أميركا، يقضي بفرض حصار سياسي ومالي على مشار، يعرقل وصولة إلى قواته التي يمكن أن تؤجج الحرب من جديد. كما أشارت المصادر ذاتها إلى خطوات جديدة للحد من نشاط مجموعة مشار في جميع دول "إيغاد"، وكلّ ذلك يأتي مقابل التزام الحكومة في جوبا بتنفيذ اتفاق السلام، وابتدار حوار بين جميع المكونات الجنوبية أسوة بحوار الخرطوم، فضلًا عن تسريع عملية نشر القوة الأممية التي سبق أن رفضتها جوبا.

وأخيرًا، أقرت الحكومة في الخرطوم، لأول مرة، بمنع مشار من الدخول إلى أراضيها، وهي خطوة اتخذتها قبلها إثيوبيا، حيث رفضت السماح له بالدخول والعبور إلى مناطق قواته في الحدود مع دولة جنوب السودان.


كما أعلن مسؤولون حكوميون في جوبا عن إغلاق مكاتب حركة مشار في كل من الخرطوم وأديس أبابا، وهي خطوة تجنّبت حكومتا البلدين التعليق عليها، رغم أن حركة مشار نفت الخطوة.

ويرى مراقبون أن التعقيدات الإقليمية انصبّ جلها ضد مشار، إذ إن الوضع الراهن يحتّم على أديس أبابا الإبقاء على علاقات جيدة مع النظام في جوبا، نسبة لتخوفاتها من استغلال الحكومة في مصر للجنوبيين، ودعم المعارضة الإثيوبية عبرها، وهو أمر قاد إثيوبيا، عقب الأحداث والتظاهرات التي وقعت أخيرًا هناك، إلى إبرام اتفاق أمني مع جنوب السودان، يلزم الطرفين بعدم إيواء ومساعدة معارضة البلدين.

ويحذر مراقبون من أن تقود الحملة الموجهه ضد مشار من قبل دول "إيغاد" إلى نتائج عكسية تقود البلاد لحرب عرقية وحالة من الفوضى.

ويقول المحلل السياسي دينق دينق، لـ"العربي الجديد"، إن عزل مشار ليس في مصلحة السلام في دولة جنوب السودان، وإن من شأنه أن يغذي الصراعات القبلية الموجودة، لا سيما أن هناك من يعتقد أن الصراع حسم لصالح مجموعة قبلية محددة في الجنوب هي قبيلة "الدينكا"، مستدركًا بأن "النوير مجموعة إثنية كبيرة في الجنوب، ولا يمكن الاستهانة بها، كما إنها لن تسكت على ذلك الوضع، الأمر الذي يستدعي التعامل مع مشار بالنظر إلى ثقله، وليس عزله، باعتبار أن للخطوة إفرازات سياسية سلبية."

ورسم القيادي الجنوبي، والمحاضر في عدد من مراكز الدارسات الغربية، لوكا بيونق، أربعة سناريوهات أكد أنها تنتظر الدولة الوليدة، أوّلها أن تكون دولة موحدة قائمة على الديمقراطية وتنعم بالاستقرار، وهو أمر يمكن استبعاده نهائيًّا في ظل الوضع الراهن، أو أن يستمر الجنوب في تنفيذ اتفاقية السلام بكل سيئاتها، أما السيناريو الثالث، والذي رأى أنّه الأقرب للوضع الحالي في الجنوب؛ فيتمثّل بدخول الدولة في حالة الفوضى وانعدام القانون، وهو ما سيجرّ البلاد إلى العنف، ليأتي السناريو الرابع متمثّلًا بالتدخل الأجنبي.

وعمليًّا، تعيش دولة الجنوب حالة من انفراط الأمن، مع زيادة القبضة الأمنية للدولة، فضلًا عن اقترابها من المجاعة. وأصبحت السمة البارزة هناك الخوف والهلع، وانتظار المجهول، مع تزايد العمليات العسكرية بين الحكومة ومجموعة مشار ومجموعات متمرّدة أخرى، فضلًا عن حالات الهجوم العشوائي من جهات مجهولة على المدنيين في عدّة مناطق الجنوبية.

وكثّفت منظمات دولية من حملات التحذير من تحوّل الجنوب إلى رواندا أخرى، مع زيادة حالات انتهاك حقوق الإنسان، وإقدام الحكومة في جوبا على طرد المنظمات الأجنبية والأممية.
وقالت رئيسة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، إن الجنوب على شفا حرب أهلية عرقية شاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها، على غرار ما تمّ في روندا، وشدّدت على ضرورة نشر قوة الحماية الدولية، فضلًا عن إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب أعمال وحشية.
المساهمون