داخل محلّ للمجوهرات في شارع شيربروك (في كيبيك، كندا) الواقع في جادة ويستماونت، تُفاجئه سيدة شقراء تلفت الأنظار بنظّارتيها الشمسيتين اللامعتين، وهي تراقب خطواته وتهمّ باللحاق به لفتح الباب. تُطفئ سيجارتها التي كانت سبب وقوفها خارج المحل في هذا الصباح، قبل أن ترافقه إلى داخل المتجر لتسليمه القطعة التي حجزها لمناسبته العاطفية. "لقد كان خيارك رائعاً، وسوف تحسم رأيك مباشرة عندما ترى الخاتم".
لهجتها الإنجليزية ليست غريبة. ربما تتحدّر من أوروبا الشرقية. "إذا كنت تفكّر في الخطوبة قريباً، سوف تُغرم بهذا الطقم الذي يتلاءم مع الخاتم". تتابع بمنطق البائع محاولة إبهار الزبون ببريق الألماس، قبل أن يتّضح لها أن باقي متطلبات مناسبته من مجوهرات سيكون مصدره المنطقة العربية، وتحديداً لبنان. تقول: "نحن جيران إذاً. أنا من إسرائيل، وأعرف تماماً الذوق الشرقي في المجوهرات".
ملامحه الشرقية واسمه ولهجته كانت جميعها كافية لشرح هويّته الأصلية، أو لتبديد أي غموض بشأن خلفيته. هو زبون، والزبون مكرّم خصوصاً في محل المجوهرات. لكن بالنسبة إليه، فإنّ كلّ أضواء المكان وانعكاساتها على الياقوت واللؤلؤ والذهب ليست كافية لتنير طريقه.
تواصل جديد
على الرغم من التجارب الكثيرة في المجتمعات الغربية مع مختلف الأطياف الاجتماعية والدينية، يجد المرء نفسه حائراً في لحظة تواصل مباشرة كهذه. هل يمضي قدماً بهذا التواصل الإنساني والنقاش حول طرق رسم الحناء على أجساد الفتيات في بعض زوايا الشرق قبل ليلة الزفاف؟ هل ينسى المشاركة في حملات المقاطعة خلال الدراسة الجامعية في بيروت؟ هل يمحو تشابه العادات والتقاليد في الشرق الأوسط ترويج كثيرين لشرق جديد، على الرغم من انغماسه بالدم والقمع ومصادرة الحقوق؟
أيّ عربيّ، علمانياً كان - حال صديقنا - أم مسلماً أم مسيحياً أم غير ذلك، من شأنه أن يشعر بالحرج أو الجمود في لحظة كهذه. كذلك، فإن عربيّاً مندمجاً في مجتمعات أميركا الشمالية يعي أنّ الحياة هنا، وتحديداً لدى التفاعل في الجادات التي تقطنها أكثرية يهودية، حال ويستماونت، تقوم على الاندماج.
لوقت طويل، كان العربي المتحرّر في المجتمعات الغربية قادراً على المواءمة بين الاستفادة من القيم الليبرالية وتقديمات المجتمع المتحضر من جهة والمشاركة في التظاهر السلمي نصرةً للحقوق الإنسانية والوطنية التي يُخطئ الغرب في تقويمها في البلدان الشرقية من جهة أخرى. وكان التضامن مع القضايا العربية ومناصرتها سمة أساسية في شوارع المدن الغربية. كندا، مثلاً، لم تخذل يوماً الدعوات للتضامن مع غزة خلال الهجمات الإسرائيلية. في عام 2014، حين توغّلت القوات الإسرائيلية في القطاع وأزهقت أكثر من 330 روحاً خلال يومين فقط، شهدت المدن الكبرى مثل مونتريال وتورونتو وكالغاري تظاهرات حاشدة.
اقــرأ أيضاً
بقدر ما كانت تلك الأوضاع محزنة في أحيان كثيرة، يتمنى المرء لو أنّ الأمور بقيت بالنسبة إلى العربي/المسلم في الغرب عند هذا الحدّ من التفاوت في تقييم حقوق الفلسطينيين في دولة مستقلة مثلاً، أو إدانة ممارسات جائرة بحقّ أبرياء وأصحاب حق.
نقلت رياح التحوّلات العربية خلال السنوات الستّ الماضية، حالة العربي في الغرب من عنصر فاعل تدعم قضاياه جمعيات وأحزاب ومنظمات شتى، إلى مدافع عن مدنيّته وقدرته على الاندماج في المجتمعات العلمانية.
التطرّف الذي اجتاح العالم العربي وانتقل إلى أوروبا وأميركا الشمالية، على شكل عمليّات إرهابية ودعوات إلى اعتناق الأفكار الإلغائية، كان كافياً لتأجيج مشاعر الخوف من العرب عموماً والمسلمين خصوصاً. وقد أجبر الفئة المهاجرة والمستقرّة في المجتمعات الأجنبية على إعادة تقييم اندماجها، إما نحو التقوقع أو"الانتقام" بجميع الأساليب.
تقوقعٌ ربّما دفع الشقيقين عبد السلام إلى التخطيط لتنفيذ الهجمات التي صعقت فرنسا، على الرغم من أنّهما كانا يديران مقهى يقدّم المشروبات الروحية في بلجيكا. لكن، ولحسن الحظ، هذا التقوقع ليس نتيجة حتمية لانتشار الأفكار المتطرفة. وقد يتحوّل الأمر إلى مزيد من الاندماج والنضال لتعزيز روح التسامح. بعد اعتداءات بروكسل بداية الربيع الماضي وربطاً بالأحداث الإرهابية التي عصفت بباريس قبل ذلك، كتب أحد المعلّقين في صحيفة "ميترو" الخاصة في مدينة مونتريال، حسن السراجي، أنّ "الهجوم في بروكسل ليس ضدّ الغرب أو ضدّ أوروبا، بل هو اعتداء ضدّ كلّ من هو مناهض لتلك الأفكار القائمة على الترهيب التي يغذّيها مجرمون. وإذا كان لا بدّ من التذكير، فإنّ أكثرية المسلمين متضامنة في هذه الحرب" ضدّ هؤلاء.
لا مهرب من شكّ
لكنّ غالبيّة المسلمين يحتاجون إلى صوت أو أصوات لتمثيلهم. "لمن فاته الأمر، فإنّ التطورات في العالم حالياً، تُشعر المجتمعات المسلمة بأنها دائماً عرضة للشك"، بحسب ما يقول الممثل الساخر ذو الأصول المسلمة، علي حسن. كلامه يعني أنّ كلّ من يوحي شكله وخلفيته بأنّه عربي، "مذنب إلى أن يثبت العكس".
قريباً، يقدّم هذا الفنان الساخر عرضاً جديداً تحت عنوان "Muslim Interrupted". في إحدى المقابلات، يقول: "يبدأ العرض من خلال أسئلة يطرحها أطفالي عليّ عن الإسلام، لا أعرف إجابتها". أما لماذا يكون الوقت مناسباً حالياً لعرض كهذا، فلأنّ "الشعور الذي سيطر على المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، يعود بقوة حالياً. وقد يكون من الأسهل تجاهل المسألة واعتبار دونالد ترامب مهرّجاً. لكن فجأة، تلاحظ أن شعبيته تزداد، وهذا أمر خطير".
اقــرأ أيضاً
ليس حسن جندياً مدافعاً عن الإيمان. يريد أن يقول إنّه يمكنك شرب الكحول أو تناول لحم "بيبيروني" وتبقى مسلماً بالثقافة والتربية. "قبل 11 سبتمبر، كنت رجلاً أبيض أمارس كل ما يمارسه الرجل الأبيض. كانت أمي تذكرني دوماً بحلول أحد العيدَين. بعد ذلك التاريخ، اكتشفت أن الناس سوف ينظرون إليّ على أنّني مسلم، رغبت في ذلك أم لم أرغب".
إسلام "كوول"
مثل حسن، ثمّة مجموعة من الفنانين الناشطين على مستوى تطبيع علاقة المسلم مع مجتمعه. منهم مغنّي هيب هوب الأسترالي عمر موسى. في حديث إلى راديو مؤسسة الإعلام الكندية الرسمية "سي بي سي"، يخبر عن موقف أصدقائه من هندامه حين قرّر اعتمار قبعة من التراث الإسلامي. "لماذا لا تكون أسترالياً طبيعياً مثلنا؟ وبعد 11 سبتمبر، بتنا نُصنّف على أننا الأعداء الحقيقيين". من خلال الموسيقى ومناصرة الحقوق الاجتماعية والدينية، يعمل على الترويج للإسلام المعتدل و"الكوول".
وتساهم مؤسّسات إعلامية ليبرالية مثل "سي بي سي" وبعض الصحف في تشكيل منصّة حقيقية لإطلاق رؤية جديدة للإسلام في العالم الغربي، تكون بحدود كبيرة في مواجهة الإسلام - النسخة الداعشيّة (نسبة إلى تنظيم داعش). أخيراً، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالاً عن تأثير زين مالك، الفنان البريطاني الشاب الذي تحول إلى ظاهرة منذ نجاحه في برنامج اكتشاف المواهب (إكس فاكتور). كتبت الصحافية أورمي خان عن دوره في لعب دور "المخلّص للمراهقين في بريطانيا". برأيها، هذا الشاب يحاكي تطلّعات جيل مسلم شاب في بريطانيا يطمح إلى إرضاء أهله، وفي الوقت نفسه يبحث عن صقل هوية خاصة به. "كانت رسائل التهنئة بالعيد التي يُطلقها، يعاد تغريدها ومشاركتها ملايين المرات"، تقول الكاتبة البريطانية المسلمة.
تبقى النظرة إلى المهاجرين في أميركا الشمالية، بالإضافة إلى التنوع الديني والعرقي، مختلفة عن معاناة أوروبا مع محيطها بسبب معطيَين أساسيَّين. الأوّل هو أن القارة العجوز تعاني أساساً في تطبيق آليات دمج المهاجرين عدا عن محاولات مصالحة الضواحي. أما الثاني فهو أنّ كندا والولايات المتحدة الأميركية بما تمثّلانه من مجتمعات تتفاوت الرؤى الاجتماعية فيها بحدّة بحسب الولايات والمقاطعات، ما زالتا تتمتعان بخصوصية تقوم على التسامح طالما أنّ الأعمال تسير على ما يرام.
وفي ظل الجهود المدنية والفنية ومبادرات مناصرة حقوق المسلم والعربي ضدّ التنميط، يبقى السؤال الأساسي: هل ينجح زين مالك في مصالحة المسلمين مع مجتمعات أميركا الشمالية؟ أم أنّ الأوان قد فات لمقاومة كلّ ذلك، وحان وقت التطبيع؟
صديقنا عاد مع الخاتم الماسي ومع كل بريقه إلى المنزل. مع الوقت، سوف ينسى دور تلك المعاملة في تغذية التطبيع مع النكبة. لكن هل ينسى المجتمع الذي يعيش فيه أنّ اسمه وشكله عربيان؟
اقــرأ أيضاً
لهجتها الإنجليزية ليست غريبة. ربما تتحدّر من أوروبا الشرقية. "إذا كنت تفكّر في الخطوبة قريباً، سوف تُغرم بهذا الطقم الذي يتلاءم مع الخاتم". تتابع بمنطق البائع محاولة إبهار الزبون ببريق الألماس، قبل أن يتّضح لها أن باقي متطلبات مناسبته من مجوهرات سيكون مصدره المنطقة العربية، وتحديداً لبنان. تقول: "نحن جيران إذاً. أنا من إسرائيل، وأعرف تماماً الذوق الشرقي في المجوهرات".
ملامحه الشرقية واسمه ولهجته كانت جميعها كافية لشرح هويّته الأصلية، أو لتبديد أي غموض بشأن خلفيته. هو زبون، والزبون مكرّم خصوصاً في محل المجوهرات. لكن بالنسبة إليه، فإنّ كلّ أضواء المكان وانعكاساتها على الياقوت واللؤلؤ والذهب ليست كافية لتنير طريقه.
تواصل جديد
على الرغم من التجارب الكثيرة في المجتمعات الغربية مع مختلف الأطياف الاجتماعية والدينية، يجد المرء نفسه حائراً في لحظة تواصل مباشرة كهذه. هل يمضي قدماً بهذا التواصل الإنساني والنقاش حول طرق رسم الحناء على أجساد الفتيات في بعض زوايا الشرق قبل ليلة الزفاف؟ هل ينسى المشاركة في حملات المقاطعة خلال الدراسة الجامعية في بيروت؟ هل يمحو تشابه العادات والتقاليد في الشرق الأوسط ترويج كثيرين لشرق جديد، على الرغم من انغماسه بالدم والقمع ومصادرة الحقوق؟
أيّ عربيّ، علمانياً كان - حال صديقنا - أم مسلماً أم مسيحياً أم غير ذلك، من شأنه أن يشعر بالحرج أو الجمود في لحظة كهذه. كذلك، فإن عربيّاً مندمجاً في مجتمعات أميركا الشمالية يعي أنّ الحياة هنا، وتحديداً لدى التفاعل في الجادات التي تقطنها أكثرية يهودية، حال ويستماونت، تقوم على الاندماج.
لوقت طويل، كان العربي المتحرّر في المجتمعات الغربية قادراً على المواءمة بين الاستفادة من القيم الليبرالية وتقديمات المجتمع المتحضر من جهة والمشاركة في التظاهر السلمي نصرةً للحقوق الإنسانية والوطنية التي يُخطئ الغرب في تقويمها في البلدان الشرقية من جهة أخرى. وكان التضامن مع القضايا العربية ومناصرتها سمة أساسية في شوارع المدن الغربية. كندا، مثلاً، لم تخذل يوماً الدعوات للتضامن مع غزة خلال الهجمات الإسرائيلية. في عام 2014، حين توغّلت القوات الإسرائيلية في القطاع وأزهقت أكثر من 330 روحاً خلال يومين فقط، شهدت المدن الكبرى مثل مونتريال وتورونتو وكالغاري تظاهرات حاشدة.
بقدر ما كانت تلك الأوضاع محزنة في أحيان كثيرة، يتمنى المرء لو أنّ الأمور بقيت بالنسبة إلى العربي/المسلم في الغرب عند هذا الحدّ من التفاوت في تقييم حقوق الفلسطينيين في دولة مستقلة مثلاً، أو إدانة ممارسات جائرة بحقّ أبرياء وأصحاب حق.
نقلت رياح التحوّلات العربية خلال السنوات الستّ الماضية، حالة العربي في الغرب من عنصر فاعل تدعم قضاياه جمعيات وأحزاب ومنظمات شتى، إلى مدافع عن مدنيّته وقدرته على الاندماج في المجتمعات العلمانية.
التطرّف الذي اجتاح العالم العربي وانتقل إلى أوروبا وأميركا الشمالية، على شكل عمليّات إرهابية ودعوات إلى اعتناق الأفكار الإلغائية، كان كافياً لتأجيج مشاعر الخوف من العرب عموماً والمسلمين خصوصاً. وقد أجبر الفئة المهاجرة والمستقرّة في المجتمعات الأجنبية على إعادة تقييم اندماجها، إما نحو التقوقع أو"الانتقام" بجميع الأساليب.
تقوقعٌ ربّما دفع الشقيقين عبد السلام إلى التخطيط لتنفيذ الهجمات التي صعقت فرنسا، على الرغم من أنّهما كانا يديران مقهى يقدّم المشروبات الروحية في بلجيكا. لكن، ولحسن الحظ، هذا التقوقع ليس نتيجة حتمية لانتشار الأفكار المتطرفة. وقد يتحوّل الأمر إلى مزيد من الاندماج والنضال لتعزيز روح التسامح. بعد اعتداءات بروكسل بداية الربيع الماضي وربطاً بالأحداث الإرهابية التي عصفت بباريس قبل ذلك، كتب أحد المعلّقين في صحيفة "ميترو" الخاصة في مدينة مونتريال، حسن السراجي، أنّ "الهجوم في بروكسل ليس ضدّ الغرب أو ضدّ أوروبا، بل هو اعتداء ضدّ كلّ من هو مناهض لتلك الأفكار القائمة على الترهيب التي يغذّيها مجرمون. وإذا كان لا بدّ من التذكير، فإنّ أكثرية المسلمين متضامنة في هذه الحرب" ضدّ هؤلاء.
لا مهرب من شكّ
لكنّ غالبيّة المسلمين يحتاجون إلى صوت أو أصوات لتمثيلهم. "لمن فاته الأمر، فإنّ التطورات في العالم حالياً، تُشعر المجتمعات المسلمة بأنها دائماً عرضة للشك"، بحسب ما يقول الممثل الساخر ذو الأصول المسلمة، علي حسن. كلامه يعني أنّ كلّ من يوحي شكله وخلفيته بأنّه عربي، "مذنب إلى أن يثبت العكس".
قريباً، يقدّم هذا الفنان الساخر عرضاً جديداً تحت عنوان "Muslim Interrupted". في إحدى المقابلات، يقول: "يبدأ العرض من خلال أسئلة يطرحها أطفالي عليّ عن الإسلام، لا أعرف إجابتها". أما لماذا يكون الوقت مناسباً حالياً لعرض كهذا، فلأنّ "الشعور الذي سيطر على المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، يعود بقوة حالياً. وقد يكون من الأسهل تجاهل المسألة واعتبار دونالد ترامب مهرّجاً. لكن فجأة، تلاحظ أن شعبيته تزداد، وهذا أمر خطير".
ليس حسن جندياً مدافعاً عن الإيمان. يريد أن يقول إنّه يمكنك شرب الكحول أو تناول لحم "بيبيروني" وتبقى مسلماً بالثقافة والتربية. "قبل 11 سبتمبر، كنت رجلاً أبيض أمارس كل ما يمارسه الرجل الأبيض. كانت أمي تذكرني دوماً بحلول أحد العيدَين. بعد ذلك التاريخ، اكتشفت أن الناس سوف ينظرون إليّ على أنّني مسلم، رغبت في ذلك أم لم أرغب".
إسلام "كوول"
مثل حسن، ثمّة مجموعة من الفنانين الناشطين على مستوى تطبيع علاقة المسلم مع مجتمعه. منهم مغنّي هيب هوب الأسترالي عمر موسى. في حديث إلى راديو مؤسسة الإعلام الكندية الرسمية "سي بي سي"، يخبر عن موقف أصدقائه من هندامه حين قرّر اعتمار قبعة من التراث الإسلامي. "لماذا لا تكون أسترالياً طبيعياً مثلنا؟ وبعد 11 سبتمبر، بتنا نُصنّف على أننا الأعداء الحقيقيين". من خلال الموسيقى ومناصرة الحقوق الاجتماعية والدينية، يعمل على الترويج للإسلام المعتدل و"الكوول".
وتساهم مؤسّسات إعلامية ليبرالية مثل "سي بي سي" وبعض الصحف في تشكيل منصّة حقيقية لإطلاق رؤية جديدة للإسلام في العالم الغربي، تكون بحدود كبيرة في مواجهة الإسلام - النسخة الداعشيّة (نسبة إلى تنظيم داعش). أخيراً، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالاً عن تأثير زين مالك، الفنان البريطاني الشاب الذي تحول إلى ظاهرة منذ نجاحه في برنامج اكتشاف المواهب (إكس فاكتور). كتبت الصحافية أورمي خان عن دوره في لعب دور "المخلّص للمراهقين في بريطانيا". برأيها، هذا الشاب يحاكي تطلّعات جيل مسلم شاب في بريطانيا يطمح إلى إرضاء أهله، وفي الوقت نفسه يبحث عن صقل هوية خاصة به. "كانت رسائل التهنئة بالعيد التي يُطلقها، يعاد تغريدها ومشاركتها ملايين المرات"، تقول الكاتبة البريطانية المسلمة.
تبقى النظرة إلى المهاجرين في أميركا الشمالية، بالإضافة إلى التنوع الديني والعرقي، مختلفة عن معاناة أوروبا مع محيطها بسبب معطيَين أساسيَّين. الأوّل هو أن القارة العجوز تعاني أساساً في تطبيق آليات دمج المهاجرين عدا عن محاولات مصالحة الضواحي. أما الثاني فهو أنّ كندا والولايات المتحدة الأميركية بما تمثّلانه من مجتمعات تتفاوت الرؤى الاجتماعية فيها بحدّة بحسب الولايات والمقاطعات، ما زالتا تتمتعان بخصوصية تقوم على التسامح طالما أنّ الأعمال تسير على ما يرام.
وفي ظل الجهود المدنية والفنية ومبادرات مناصرة حقوق المسلم والعربي ضدّ التنميط، يبقى السؤال الأساسي: هل ينجح زين مالك في مصالحة المسلمين مع مجتمعات أميركا الشمالية؟ أم أنّ الأوان قد فات لمقاومة كلّ ذلك، وحان وقت التطبيع؟
صديقنا عاد مع الخاتم الماسي ومع كل بريقه إلى المنزل. مع الوقت، سوف ينسى دور تلك المعاملة في تغذية التطبيع مع النكبة. لكن هل ينسى المجتمع الذي يعيش فيه أنّ اسمه وشكله عربيان؟