للعام الثاني على التوالي، تستمر المعارك في منحى تصاعدي في مدن شمال وغرب العراق، مخلفة وراءها دماراً واسعاً في عدة مناطق، لم تعد صالحة للعيش على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقا لمسؤولين وخبراء عراقيين. هذا عدا عن تسجيل نحو 200 ألف قتيل وجريح ومفقود وأكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون نازح بحسب بعثة الأمم المتحدة في العراق، جميعهم من سكان تلك المدن، بفعل العمليات العسكرية أو الإرهابية التي ينفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أو مسلحو مليشيات "الحشد الشعبي"، لدوافع طائفية.
اقرأ أيضاً: العراق: مليشيات تقتل مدنيين وتحرق مساجد بديالى
وبلغ عدد المدن، التي استعادت القوات العراقية، تساندها مليشيات "الحشد" والآلاف من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، السيطرة عليها، ثلاث عشرة مدينة وبلدة في بابل وبغداد وصلاح الدين والأنبار وديالى. إلا أنه رغم مرور عام على استعادة تلك المدن، لم يرجع اليها أهلها، الذين لا يزالون في المخيمات لأسباب مختلفة، منها رفض المليشيات عودتهم كعقاب على ما يصفونه احتضانهم "داعش"، إضافة إلى نية هذه المليشيات إحداث تغيير ديموغرافي في تلك المدن، أما السبب الثالث، فيرتبط في عدم وجود بيئة مناسبة للحياة في تلك المدن، بدءاً من المنازل المدمرة، مروراً بشبكات الماء والكهرباء والاتصالات وصولاً إلى المدارس المدمرة وانتشار الأوبئة والأمراض، فضلاً عن بقاء تهديد التنظيم المتطرف لتلك المدن.
وقال القيادي في اتحاد القوى، النائب في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، لـ"العربي الجديد"، إن "مدناً تحرّرت من قبضة التنظيم منذ نحو عام ونصف العام، ومع ذلك لا يمكن العيش فيها، كما لا يسمح لسكانها بالعودة ومشاهدة ما حلّ بمنازلهم وممتلكاتهم".
وأضاف: "يبدأ الجهاد الأكبر بعد استعادة السيطرة على المدن من (داعش)؛ فمن يتسلمها هو أقسى من (داعش)، فما بين عمليات القتل والتدمير والتخريب على أسس طائفية، إلى عمليات التغيير السكاني الديموغرافية واختطاف المدنيين والمساومة عليهم كما حدث في صلاح الدين وديالى". وقال إن "حتى المرجعية تكلمت عن الخارجين عن القانون والإنسانية في تلك المليشيات، غير أن حكومة حيدر العبادي تحولت إلى حكومة إدارية لا سلطة أمنية أو عسكرية لها على الأرض".
وتابع: "نحتاج اليوم إلى وقفة حقيقية من العالم لإعادة العائلات إلى مدنها الأصلية، وإبعاد المليشيات عنها، حتى لو كانت منازلهم مدمرة ومدنهم لا تصلح للعيش، يجب أن يعودوا لكي يمسكوا بأرضهم، لمنع (مشروع) التغيير الديموغرافي، كما تخطط المليشيات. هناك مدن حررت منذ عام ونصف العام، ولا يسمح لأهلها بالعودة من قبل زعماء المليشيات".
وأضاف الدهلكي: "لدينا مئات الآلاف من الطلاب بلا مدارس للعام الثاني على التوالي، وإن لم يجدوا حاضنة تعليمية سريعة سيتأثرون بالجرائم الطائفية حولهم، وعندها سيكون تطرفهم شديداً وخطيراً، وعلى الجميع أن يتحمل المسؤولية، وأن يقف مع العراقيين، الذين يقاتلون نيابة عن العالم هذا التنظيم الإرهابي". وبيّن أن "الكتل السنية لو وجدت في الانسحاب من الحكومة والبرلمان حلاًّ لوقف ممارسات المليشيات، لفعلت. لكن ذلك لن يحل المشكلة بل سيعقدها".
وفي الإطار نفسه، قالت النائب في البرلمان العراقي، لقاء مهدي وردي، لـ"العربي الجديد"، إن "المدن مدمرة. لا ماء ولا كهرباء ولا شوارع ولا جسور. معامل مدمرة، ومدارس انهارت، ودوائر حكومية سويت بالأرض، دخلها (داعش) عامرة بأهلها ومبانيها بعد انسحاب القوات العراقية منها ثم تسلمتها المليشيات أرضاً يعيث فيها الخراب". وقارنت بين "داعش" وبعض المليشيات، بالقول إن "كليهما يحمل نفس الفكر والأهداف، وإن اختلف الاتجاه." وأكدت أن "تبرع واشنطن بـ 60 مليون دولار لإعمار الرمادي لا يكفي لتأهيل حي واحد من أحيائها. هناك نازحون عادوا إلى مدنهم، فلم يجدوا حياة صالحة ورجعوا إلى المخيمات".
وتحدثت وردي، وهي أحد أبرز النواب في البرلمان العراقي، عن عمليات تغيير طائفية لسكان مدينة النخيب في الأنبار الملاصقة للسعودية من قبل المليشيات خلال الفترة الماضية، بهدف تحويلها من هويتها الدينية والعشائرية الحالية الى أخرى، واصفة ذلك بأنه إرهاب لا يقل عن إرهاب "داعش".
وتعد أبرز المدن والبلدات التي استعادت المليشيات والجيش العراقي السيطرة عليها هي مدن جرف الصخر، شمال بابل، ومدينة المحمودية جنوب بغداد، إضافة إلى كل من تكريت وبيجي وسليمان بيك والصينية والدور والعلم في صلاح الدين والسعدية وجلولاء والبساتين، و22 قرية في ديالى وفي الرمادي وجبة والبغدادي وقرى أخرى.
من جهته، رأى مقرر لجنة الأمن والدفاع العراقية، حامد المطلك، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا فرق بين من يغتصب الأعراض ويقتل العوائل ويختطفها ويساوم عليها، وبين (داعش)".
وقال إن "هناك عمليات تهجير وتجريف بساتين وحرق أراض ومنازل وطرد تحت التهديد، لكن لنكن منصفين: المشروع يجري على كل العراقيين وليس على السنة فقط، فهناك مخطط يستهدف العراق ككل وما (داعش) والمليشيات إلا أوراق فيه".
الأرض المحروقة
وقال الخبير في الشأن العراقي، محمد الكرخي، لـ" العربي الجديد"، إن سياسة الأرض المحروقة هي سبيل الحكومة والمليشيات لطرد "داعش" من المدن من أجل تجنب الخسائر البشرية الباهظة، وفي الوقت نفسه، فإن تلك المدن لا تمت إلى تلك المليشيات بصلة، لذا من غير المهم إذا ما دمرت أو قتل أهلها.
وأضاف الكرخي أنه "بالفعل ما يجري الآن على الأرض، كتحصيل حاصل، أن تحتل (داعش) المدن العربية السنية شمال وغرب العراق، فتسلمها للمليشيات، وبالتالي تكون تحت سيطرة ونفوذ إيران"، معتبراً أنّ "داعش" "أكثر من خدم إيران منذ اندلاع الثورة الخمينية عام 1979؛ من خلاله توسعت في العراق، ومن خلاله دخلت إلى سورية بحجة الحرب على الإرهاب ولا ندري أين سيلد هذا التنظيم في أي بلد، لنرى الطلائع الإيرانية تلحق به".
اقرأ أيضاً: تسجيل مسرب يظهر مليشيا "الحشد" تقطع آذان مواطنين عراقيين