مسلسل الإقالات في البيت الأبيض: المدلولات والاحتمالات

01 اغسطس 2017
نُصح كيلي بأن يحتفظ بكتاب استقالته بجيبه (مايك تايلر/Getty)
+ الخط -
استبدال الوجوه صار النمط السائد في البيت الأبيض. وكأن الدائرة المحيطة بالرئيس دونالد ترامب محكومة بقاعدة "داخل – خارج ". التعيينات فيها، غالباً ما انتهت قبل أن تبدأ. آخرها كان المدير الجديد لقسم الاتصالات أنتوني سكاراموتشي الذي جاء دوره، بخلعه من منصبه بعد 10 أيام من تعيينه.

لم يشفع به أنّه صديق مقرب من ترامب. فبشحطة قلم سقط من قائمة المحظوظين. يُقال إنّ جون كيلي الرئيس الجديد لجهاز موظفي البيت الأبيض، طلب شطبه "لأنّه لا يصلح لهذا الموقع". لكنّ حالة سكاراموتشي ليست فريدة. فقد سبقه في البداية مستشار الرئيس الجنرال مايكل فلين الذي قضى 20 يوماً فقط في منصبه قبل الإطاحة به. وبين الاثنين، جرت إقالة أو استقالة عدد من العاملين في هذه الدائرة. والمزيد على الطريق، حسبما تشير المعطيات.

تكرار ظاهرة الإقالات، كشف عن خلل أعمق. البيت الأبيض يزعم بأنّ المسألة ليست سوى نتيجة لحالة "الفوضى والمناكفات" في صفوف الجهاز، وأنّ استقدام كيلي العسكري الخلفية والمعروف بحزمه وجدّيته، من شأنه "ضبط " الوضع.

لكن الجنرال لا يحسده أحد على هذا الدور. ثمة من نصحه بأن "يحتفظ بكتاب استقالته في جيبه"، لاسيما أنّه كان على وشك الاستقالة من منصبه كوزير للأمن الداخلي "احتجاجاً" على إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" جيمس كومي، كما تردد.

فالرئيس ترامب المعتاد على أخذ قراراته بنفسه، والذي يمارس الرئاسة بصورة أقرب إلى دور الرئيس التنفيذي في شركة، من المستبعد أن يسمع لمرؤوسه. وإذا سمع من الصعب أن ينضبط في حدود المشاورات التي يفترض بالجنرال اقتراحها، وأحياناً الإلحاح عليها وذلك بحكم مهمته التي تقتضي منه ذلك. خاصة في حالة ترامب الذي يرتجل المواقف من خلال "تويتر"، وقبل التشاور مع مستشاريه. وبالأخص أنّ هناك "تحقيقات جنائية" جارية تخص الرئيس ولفيفه، بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، ولو أنّه لم يثبت منها شيء حتى الآن.


ومن المشكوك فيه أن يُطلع الرئيس مساعده الرئيسي والأساسي على كل ما يتصل بهذا الملف، أو حتى بالملفات العادية. وإذا أطلعه فإنّ الرئيس فتح خطوطاً مباشرة مع عدد من معاونيه، على رأسهم صهره جاريد كوشنر وزوجته (ابنة ترامب إيفانكا) والمستشار ستيفن بانون، الذين يصغي لهم أكثر من أي جهة أخرى.

وبالتالي فإنّ استعانة ترامب بالجنرال كيلي، "ليست سوى محاولة لتقليل الخسائر" في اللحظة الراهنة، على ما يقول المحلل المعروف ماكس بووت. فالجنرال يواجه تحديات كبيرة، منها ما يتصل بتركيبة فريق البيت الأبيض، ومنها ما يتعلّق بطبيعة القضايا والخلافات القائمة داخل الإدارة، وأبرزها مع وزير العدل جيف سيشنز، فضلاً عن الخلافات والعلاقات المتوترة بين الرئيس والجمهوريين في الكونغرس.

معارك كثيرة مطلوب من كيلي إدارتها، إن تعذّر حسمها، علماً بأنّه "يفتقر للخلفية السياسية" اللازمة لتعينه على النهوض بهذه المهمة التي وصفها أحدهم بأنّها "مستحيلة تقريباً لأنّ البيت الأبيض مخرّب" في الوقت الراهن.

وما يزيد من صعوبة هذه المهمة، أنّ مسألة التحقيقات الروسية، ترمي بثقلها المتزايد على البيت الأبيض برمته، وليس فقط على الرئيس. وقد جاء تذكير كيلي بها اليوم وبسرعة. فبعد ساعات قليلة من الاحتفال بتعيينه في البيت الأبيض، تكشفت معلومة جديدة تعزز الشبهات، وتفرض "على الرئيس الاستقالة لو ثبتت صحتها" كما يرى ريتشارد باينتر أستاذ القانون في جامعة مينيسوتا والمسؤول القانوني السابق في البيت الأبيض بعهد جورج بوش الابن.

فقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، نقلاً عن مصادر مطلعة، أنّ ترامب هو الذي صاغ رد نجله دونالد جونيور على انكشاف لقائه مع المحامية الروسية، بعدما زعم في البداية أنّ الاجتماع كان لغرض التباحث بموضوع تبني الأطفال الروس.

رواية ثبت عدم صحتها واضطر الابن للتراجع عنها آنذاك. الأمر الذي جرى اعتباره بمثابة محاولة مزيفة قام بها الرئيس "لحجب آثار الخشية لديه".

قد لا تكون هذه الواقعة بوزن ممسك من الصنف المدمّر، لكنها تضيف من وزن الأدلة الظرفية الأخرى، وبما يعطي التحقيق دفعة إضافية، لتوسيع زاوية الإطلالة على الدور الروسي وملابساته.

التغييرات في جهاز البيت الأبيض، لا تؤدي بالضرورة إلى تغيير النهج الذي يعتمده ترامب. وإذا كان هذا ممكن تحقيقه "فليس هناك أقدر من الجنرال" في النهوض بهذا الدور، وفق الاعتقاد الراجح... لكن الشكوك غالبة على اليقين.

المساهمون