مسلسل "انتي مين؟": أسباب النجاح

09 يونيو 2019
+ الخط -
لثلاثين يومًا متواصلًا، يتسمّر المشاهد العربي أمام شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة مسلسلات رمضان المتزايدة بإنتاجاتها عامًا بعد عام. معظم الناس يُتابعون أكثر من مسلسل بحيث شدّتهم أكثر من قصة.

ليس من السهل جذب المشاهد، سيما في زحمة الأعمال المُتراكمة والمزدحمة في فترة وجيزة وبسبب تشابه القصص وقربها يعضها من بعض من ناحية المعالجة والنهاية. لكن في الحقيقة ما الذي يشدّ المشاهد لمتابعة مسلسل وتفضيله عن غيره؟ هل هم الممثلون أم السيناريو؟ هل هي مواقع التصوير أم الحبكة؟ هل من الممكن أن يكون السبب في المحطّة المفضّلة لدى البعض؟ لكل مسلسل مجموعة من المقوّمات التي من شأنها إنجاح العمل أو إفشاله.

لكن في "انتي مين"، المعادلة تختلف بالكامل وتتبسّط بطريقة سهلة وناجحة.


لا مبالغة هذا العام في حوار كاتبة العمل كارين رزق الله، فالحوار بسيط لدرجة مريبة بحيث أنّك تخال نفسك تتابع بعضًا من "ستوريات" أصدقائك على موقع "إنستغرام".

تعابير ومصطلحات لبنانية غير رنّانة وبعيدة كلّ البعد عن السفسطة الشعرية المعتادة في معظم المسلسلات العربية. المشاعر مبسّطة والتعابير اللفظية غير منمّقة، فالتعبير عن الغضب بلغة الشارع التي اعتادها أي لبناني وألِفها أي شخص مَشى بضع ساعات في شوارع بيروت.

أماكن التصوير ليست قصورًا ضخمة ولا شققًا مليئة بالتماثيل والتُحف الأثرية، هي بيوتٌ متواضعة واقعية، بعضها غير مرتّب وأثاثه لم يُنقل بالكامل من المكان الفلاني ليُناسب الديكور ووجهة نظر المنتج أو رؤية المخرج. حتى السيارات ليست موديل السنة، فهي تُحاكي طبيعة مستخدميها، كلٌّ حسب راتبه ومكانته الاجتماعية، وليست بالطبع نظيفة تبرق وتلمع طيلة عرض المسلسل.

قد يعتبر البعض أنّ الحبكة في بعض الحلقات ماثلت ما ألفناه في المسلسلات المكسيكية لجهّة معرفة جهاد (كارين رزق الله)، ونسيم (عمّار شلق) لأهلهما الحقيقيين، ودرجة القرابة بينهما، لكن ارتباط العمل بفترة من الحرب الأهلية أخرجه سليمًا وأعاده إلى الخط الصحيح.

رسائل العمل كثيرة ومختلفة، ولعلّ أبرزها تلك المتحدّثة عن قوة الصداقة، وأهميّة وجود الأفراد في حياة الإنسان وتأثيرها الإيجابي على الصحّة النفسية. ايضًا تطرّق العمل للحرب الأهلية التي قتلت وشرّدت الآلاف، وساهمت بتغيير واقع عدد كبير من المواطنين. وركّز المسلسل على الأيام التي ضاعت من حياة البعض دفاعًا عن القضايا، وكيف أنّ عددًا كبيرًا منهم كانت خسارته جسدية، أو معنوية ليجد نفسه في النهاية مغرّرًا به بمشاكل كان بالغنى عن الدخول فيها.

لكن كل ما ذُكر أعلاه تفاصيل، سرّ نجاح "انتي مين" هو في صلب وجوه ممثّليه. وجه عايدة صبرا المتعب، المليء بالتجاعيد والمثقل بالتعبير، أغنى مضمون العمل ورفع من قيمته، الى جانب وجه جوليا قصّار المفعم بالترقّب والخوف. وجه نقولا دانييل المتجهّم بالحرقة وثيابه المتناسقة مع ثمله الدائم خطّت ديناميكية المسلسل. وأتت عفوية آنجو ريحان لتجبل الحبكة بطابعٍ من الفكاهة والواقعية التي تكاد تكون معدومة في المسلسلات المنافسة.

وجوهٌ ظَهرت ومثّلت بتبرّجٍ بسيط لتزيد الأداء إتقانًا. ليس بالإمكان منافسة عمل مريح للعين ومقنع نظريًا لدرجة أنّه بالإمكان الاستمتاع به حتى وإن كان التلفاز في وضعية "الـmute".
000F7801-FDD0-4892-A2EC-BF7DEE66E064
محمد دنكر

مدوّن لبناني وخبير دعائي على مواقع التواصل الاجتماعي. يُعدّ ويُنتج برنامجاً تلفزيونياً لبنانياً.

مدونات أخرى