مسلسل "المنصة": حياة تمضي في زمنٍ متقطّع

18 سبتمبر 2020
العمل من بطولة مكسيم خليل (نتفليكس)
+ الخط -

 

عند مشاهدة المسلسل السوري الإماراتي المشترك، "المنصة" الذي بدأت "نتفليكس" ببثه قبل أيام، سنتفاجأ بالنقلة النوعية التي تم إقحامها فجأة على الدراما العربية المشتركة؛ فالعوالم التقنية المتقدمة التي تم استحضارها بصرياً من أفلام الخيال العلمي، يتم تصويرها في المسلسل على أنها جزء من الواقع العربي المعاش، ضمن إطار حكاية يمتزج فيها الواقع بالخيال، وتضيع فيها المتعة في جملة التعقيدات الغريبة والأحداث المتشعبة التي تسير بزمن لا خطي، والتي تحكمها أيديولوجيا متطرفة تدعي الموضوعية والحياد.

حكاية المسلسل تدور في ثلاثة خطوط زمنية متشابكة لترصد حياة شاب سوري يدعى كرم (مكسيم خليل)، مؤسس منصة "المنصة" الإلكترونية. الخط الزمني الأول يعود إلى الثمانينيات، عندما كان كرم طفلاً، وتسبب حينذاك بسجن أبيه الذي ينتمي لجماعة إسلامية متطرفة، وكان على وشك تنفيذ عملية إرهابية.

الخط الثاني يعود إلى عام 2015؛ أي لحظة خروج الأب من السجن التي تزامنت مع العديد من الأحداث المفصلية في حياة كرم، منها مقتل أمه، ومنعه من دخول سورية، وتأسيس "المنصة" في الإمارات، لترسم معالم حياته الجديدة. أما الخط الثالث، فينتمي إلى الزمن الحاضر، والذي تظهر فيه عدة شخصيات تنتمي للماضي لتحاصره وتستولي على مشروعه.

المشكلة في هذه الخطوط الزمنية أن المقدمات فيها لا تؤدي إلى النتائج بصورة منطقية، فهناك حلقة مفقودة على الأقل كان يجب أن تكون موجودة لتبرير أسطورة شخصية كرم ومنصته المستقبلية. لكن هذه المشكلة لم تمنع من رسم بعض الملامح الدرامية الجيدة، في العلاقات التي تربط كرم بشخصيتي سارة (لين غرة) وآدم (سامر إسماعيل)، إذ إن كلا الشخصيتين تمثلان موضوع الرغبة بالنسبة لـ كرم، وكلتيهما أيضاً تمثلان البطل المضاد في الحبكة، لتمضي كل الحكايات بذات الكيفية، فتحكم العواطف الباردة العلاقات، إلى أن يتبين لـ كرم أن سارة هي الشاهدة الوحيدة على مقتل أمه، وأنها كانت تكذب عليه طيلة الوقت، وأن آدم زيّف عملية اختطافه ليستدرج كرم إلى مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي الذي يتزعمه، ليستولي على "المنصة".

الرسم الجيد للعلاقات بين الشخصيات الرئيسية، ينكسر أمام التشويش الكبير الذي يتعرض له وتؤدي الحكايات الجانبية إلى خلخلته

لكن هذا الرسم الجيد للعلاقات بين الشخصيات الرئيسية، ينكسر أمام التشويش الكبير الذي يتعرض له وتؤدي الحكايات الجانبية إلى خلخلته، وبسبب المحاولات اليائسة التي يقدمها صنّاع العمل ليعطوا هذه الحكايات الجانبية قيمة من دون جدوى. فعلى سبيل المثال، كل العلاقات التي تبنى داخل "المنصة" تبدو سطحية وهشة، ليس لها قيمة درامية تذكر؛ والأسوأ من وجودها، هو المحاولات اليائسة لضخ الدراما فيها؛ ذلك ما نلمحه بشكل فج في المشاهد التي يحاول فيها خالد القيش أن يساعد رهام قصار على اختراق المنصة من الداخل، والتي يتضح بنهاية المطاف أنه اختراق متفق عليه، يعرفه جميع العاملين في "المنصة" باستثناء شخص واحد، ولم يكن هناك داع لإخفاء الأمر عنه.

كما أن الحكايات التي يتم رسمها للشخصيات الإماراتية تبدو سطحية وغير مشبعة، ولا ترتقي إلى مستوى الدراما في المسلسل البتة. هنا، لا بد أن نشير إلى وجود هوة كبيرة تفصل بين الحكايات السورية في المسلسل، والحكايات الإماراتية فيه؛ فالحكايات السورية غنية بالتفاصيل، وتتداخل فيها الخيوط الزمنية لتربط السياسة بالعاطفة بالطموحات الفردية. أما الحكايات الإماراتية؛ فهي لشخصيات مسطحة، تضخ فيها ملامح درامية رديئة من خلال افتعال أزمة مالية، وتنتهي هذه الحكاية من دون ملامح، كما بدأت تماماً، مع جملة مشبعة بالأيديولوجيا، يذكرها عبد المحسن النمر كختام لها: "بلدنا بلد خيرات".

كما أن تركيز المسلسل على تصوير الإعلام الإماراتي بوصفه إعلاماً حرّاً وحيادياً وغير مؤدلج هو أمر يدعو إلى السخرية من دون شك. إلا أن الإخراج الجيد والمتقن الذي تمكن من رسم عوالم متداخلة برشاقة لا يمكن استنباطها في النص والحوارات، وكذلك أداء الممثلين الرئيسيين الجيد، وبالأخص مكسيم خليل ولين غرة؛ هي عوامل تساهم في تجاوز العقبات الصغيرة وسذاجة القصص الجانبية إلى حد ما، فتتمكن من منح المسلسل بعض التشويق الدرامي بعد مرور عدة حلقات من المسلسل؛ الذي لا يمكن النظر إليه سوى كخطوة مهمة في الدراما العربية المشتركة رغم كل العيوب الموجودة فيه.

هوة كبيرة تفصل بين الحكايات السورية في المسلسل، والحكايات الإماراتية فيه

وحتى إن رغبنا في تجاهل كل الأمور الرديئة في المسلسل، ابتداءً من الضياع والحكايات الهامشية الفجة، ووصولاً إلى الخلفيات السياسية المؤدلجة؛ فإنه لا يمكن تجاهل وجود بعض العيوب في القصة الرئيسية للمسلسل، وبالتحديد في تكوين الشخصيات. نخص بالذكر منها شخصية الأخ الشرير آدم، إذ لا يمكن المرور على مشهد الظهور الأول للشخصية من دون التوقف عنده والتمعن فيه؛ فهو مشهد يظهر أن آدم تعرض للاغتصاب عندما كان طفلاً، ويمر هذا الحدث القاسي مروراً هامشياً ولا يتم التعريج عليه لاحقاً. ومع ذلك، يبقى آدم على علاقة مع مغتصبه بعد أن يكبر، ويشاركه في تأسيس تنظيم إسلامي متطرف. هذه العلاقة تبدو الأمر الأكثر غرابة في المسلسل، فمن المعيب حقاً أن يكون أول تناول للشخصيات البيدوفيلية في الدراما العربية المشتركة هو أمر هامشي، وأن يتم شيطنة الطفل المغتصب بدلاً من التطرق إلى أزماته النفسية ومعالجتها بجدية.

المساهمون