مسلسل "أولاد آدم"... الفساد والقضاء في عين الكاميرا
يتسلل المخرج السوري، الليث حجو، بكاميرته في عمله الجديد "أولاد آدم"، للكاتب رامي كوسا، إلى أروقة المجتمع اللبناني، في محاولة لإخراج الفساد من عباءة المستور، وليكشف عن تفاصيل غارقة في كيانه، فينطقها بلسان حال النسيج اللبناني، أفرادًا ومؤسسات. إن كان العمل، للوهلة الأولى، لا يبدو مفاجئًا، فهو يسير بخطوات متأنية، لا تكشف عن حبكتها بسهولة.
وطاولت كاميرا حجو مظاهر الفساد داخل السجون والإصلاحيات في الحلقات الأولى. رشاوى وزعامات ومحسوبيات وتهريب مواد مخدرة. لكن في كل تفصيل من هذه المظاهر، توجد نكهة درامية خاصة. بعض الممثلين لن تستطيع هضمهم، ولكن رائحة العمل ككل، تدفعك إلى تذوقه كاملًا، رغم حجم التناقضات الساحرة في عمل الشخصيات التي تؤدي دورها بتسلسل منفصل. فتدرك أن الفساد له مكونات أخلاقية متناقضة هي الأخرى، على مستوى التعريف والتطبيق. "بسام" (طلال الجردي) شرطي بسيط، يخدم كمراقبٍ في سجن النساء، يتقاسم مع عدد من زملائه الرشاوى المستحقة من السجينات والزوار. في المقابل، نرى علاقته تتحسن وتتطور مع السجينة "زينة" (ندى أبو فرحات) فيقدم لها المساعدة والدعم والإرشاد.
في المقلب الآخر، ثنائية جميلة وجريئة، يقدمها كل من السارق "سعد" (قيس الشيخ نجيب) الذي يعمل على سرقة حقائب الناس من الطرقات، والراقصة "مايا" (دانييلا رحمة) التي تعمل في ملهى ليلي، وتخرج مع بعض الشخصيات المهمة في البلد للاحتفال، مقابل مبلغ من المال تدفعُ منه قليلًا لأختها زينة داخل السجن. تندلعُ بين "سعد" و"مايا"، بعد عدة أحداث تتشابك فيها حياتهما، علاقة عاطفية تكسوها العفوية والكوميديا. وتنقلب الصفات السيئة فيهما، لتظهر إنسانيتهما بأبسط تجلياتها، فيصبح "سعد" الفارس الأبيض لـ"مايا"، والأخيرة الأميرة الناعمة التي نالت نصيبًا لم تتوقعه يومًا أمام حياتها المزرية ومصائبها من رجل بسيط ولكنه قوي الشكيمة، والأهم من ذلك نبيل. وهو ما أحسن المخرج توصيفه في هذه الثنائية التي تضفي على معايير الفساد تناقضًا آخر.
على الضفة الأخرى من المسلسل، حيث المجتمع المخملي بشخوصه وعلاقاته، يتفرد كل من الإعلامي الناجح "غسان" (مكسيم خليل) وزوجته القاضية "ديما" (ماغي بو غصن) في دائرة ساحرة هي الأخرى، كلما حاولنا الخروج منها تضيق علينا. "ديما" زوجة بريئة ولطيفة وعاطفية، مجدّة في عملها، ولا تقبل المحسوبيات والرشاوى، وهو ما يجعلها لاحقًا، مع تقدم الحلقات، في مواجهة مع "خليل" (مجدي مشموشي) أحد التجار الفاسدين رفيعي المستوى في البلد. كما أنَّ "ديما" في تناقضٍ مع أخيها الصغير الذي عاد إلى لبنان بجواز سفر مزور، بعد أن قامت بترحيله من البلد إلى فرنسا سابقًا، كي لا يواجه حكمًا بالسجن جراء قضية مخدرات، وثأْرٍ لأهل فتاة مشلولة بسببه، وقد ماتت فيما بعد.
اقــرأ أيضاً
هذه الحبكة توضح كم التناقضات العاطفية والمهنية، وتضعنا أمام معضلة أخلاقية تجعلنا ندرك قسوة الحياة. تأخذنا تناقضات الأحداث إلى قضايا أكبر تتعلق بفساد المنظومة القضائية القائمة على محسوبيات وشخصيات أعلى من القضاء، خاصة عندما يتواطأ "غسان" في السر على زوجته، مع تاجر المخدرات "خليل" الذي يريد الفكاك من قضية مشبوهة وقعت بين يدي القاضية "ديما". وهنا يأتي دور "غسان"، الإعلامي غريب الأطوار اللعوب، والذي يمضي منذ الحلقات الأولى في فلك خاص به وبشخصية مختلفة عن شخصيته مع زوجته.
يبحث "غسان" عن شهرة أكبر مهما كان حجم الأشياء التي تتحطم تحت قدميه. فهو يحسن اللعب مع الكبار. مغامر وشهواني يستغل خصوصيات النساء اللواتي على علاقة بهن، فيقوم بتصويرهن سراً، والتنصت على حياتهن من خلال زميل وصديق له في السكن والعمل، كي يسعى إلى غايات أكبر من خلال أسرارهن التي باتت بين يديه. يضيء لنا حجو، من خلال هاتين الشخصيتين، بقعة مظلمة أوسع، يترجم من خلالهما تناقضات عمومية كالخير والشر، العدل والظلم، الفساد والقضاء. فيجعلنا ندخل في مقاربات واقعية تكشف شكل الحياة في لبنان، ولو بطريقةٍ شبه مُبطّنة. فعندما يحاول "غسان" إقناع زوجته بالعدول عن متابعة قضية التاجر "خليل"، في توقيت جاء مناسبًا بعد أن تعرّض "غسان" من قبل إلى حادثة اعتداء وضرب من قبل عصابة بسبب دفاعه عن فتاة قاصر تريد أمها وزوجها تزويجها. وهو تصرف قد يكون مستبعدًا من الناحية الدرامية، فشخصية غسان ماكرة ولعوبة واستغلالية، ولكن جاء هذا الموقف لصالحه، فاستثمره بشكل ذكي في حث الفتاة القاصر على الظهور أمام الكاميرا في برنامجه الخاص، ليظهر نفسه بموقف الإنسان الشهم والمناصر للنساء. هذه الحادثة استخدمها الكاتب في مشهد حوار "غسان" مع زوجته التي تعنتت عن رأي زوجها بالانسحاب من قضية "خليل"، لكن قوة الحوار دفعت بالقاضية إلى التفكير، خاصة أنها ترى زوجها قد تعرّض للضرب المبرح من مجموعة صغيرة، فكيف لو وصل الأمر إلى أناس ذوي علاقات كبيرة في الدولة؟ هذه الخلاصة التي وصلت إليها القاضية بعد محاورة "غسان" لها جاءت بالتزامن مع وفاة صديقتها النائبة "صفاء" (رانيا عيسى) في عملية تفجير، بعد أن كانت تحاول تهريب أموال عبر لبنان قادمة من سورية إلى تركيا. في نهاية الحوار، يشير "غسان" إلى أن "القتل سهل في بلادنا" كما لو أنه يلقي اللوم بسخرية لاذعة على الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية.
العمل يسير بخطى متفاوتة، وإيقاع متوسط، وأحداث أصبحت أكثر تعقيدًا مع بدء النصف الثاني من المسلسل، ورسائل فجة تكشفها شخصيات العمل. هل سيغلب الفساد القضاء أم سينتهي إلى نهايات مفتوحة لا مصير لها كما هي حال البلد؟
في المقلب الآخر، ثنائية جميلة وجريئة، يقدمها كل من السارق "سعد" (قيس الشيخ نجيب) الذي يعمل على سرقة حقائب الناس من الطرقات، والراقصة "مايا" (دانييلا رحمة) التي تعمل في ملهى ليلي، وتخرج مع بعض الشخصيات المهمة في البلد للاحتفال، مقابل مبلغ من المال تدفعُ منه قليلًا لأختها زينة داخل السجن. تندلعُ بين "سعد" و"مايا"، بعد عدة أحداث تتشابك فيها حياتهما، علاقة عاطفية تكسوها العفوية والكوميديا. وتنقلب الصفات السيئة فيهما، لتظهر إنسانيتهما بأبسط تجلياتها، فيصبح "سعد" الفارس الأبيض لـ"مايا"، والأخيرة الأميرة الناعمة التي نالت نصيبًا لم تتوقعه يومًا أمام حياتها المزرية ومصائبها من رجل بسيط ولكنه قوي الشكيمة، والأهم من ذلك نبيل. وهو ما أحسن المخرج توصيفه في هذه الثنائية التي تضفي على معايير الفساد تناقضًا آخر.
على الضفة الأخرى من المسلسل، حيث المجتمع المخملي بشخوصه وعلاقاته، يتفرد كل من الإعلامي الناجح "غسان" (مكسيم خليل) وزوجته القاضية "ديما" (ماغي بو غصن) في دائرة ساحرة هي الأخرى، كلما حاولنا الخروج منها تضيق علينا. "ديما" زوجة بريئة ولطيفة وعاطفية، مجدّة في عملها، ولا تقبل المحسوبيات والرشاوى، وهو ما يجعلها لاحقًا، مع تقدم الحلقات، في مواجهة مع "خليل" (مجدي مشموشي) أحد التجار الفاسدين رفيعي المستوى في البلد. كما أنَّ "ديما" في تناقضٍ مع أخيها الصغير الذي عاد إلى لبنان بجواز سفر مزور، بعد أن قامت بترحيله من البلد إلى فرنسا سابقًا، كي لا يواجه حكمًا بالسجن جراء قضية مخدرات، وثأْرٍ لأهل فتاة مشلولة بسببه، وقد ماتت فيما بعد.
هذه الحبكة توضح كم التناقضات العاطفية والمهنية، وتضعنا أمام معضلة أخلاقية تجعلنا ندرك قسوة الحياة. تأخذنا تناقضات الأحداث إلى قضايا أكبر تتعلق بفساد المنظومة القضائية القائمة على محسوبيات وشخصيات أعلى من القضاء، خاصة عندما يتواطأ "غسان" في السر على زوجته، مع تاجر المخدرات "خليل" الذي يريد الفكاك من قضية مشبوهة وقعت بين يدي القاضية "ديما". وهنا يأتي دور "غسان"، الإعلامي غريب الأطوار اللعوب، والذي يمضي منذ الحلقات الأولى في فلك خاص به وبشخصية مختلفة عن شخصيته مع زوجته.
يبحث "غسان" عن شهرة أكبر مهما كان حجم الأشياء التي تتحطم تحت قدميه. فهو يحسن اللعب مع الكبار. مغامر وشهواني يستغل خصوصيات النساء اللواتي على علاقة بهن، فيقوم بتصويرهن سراً، والتنصت على حياتهن من خلال زميل وصديق له في السكن والعمل، كي يسعى إلى غايات أكبر من خلال أسرارهن التي باتت بين يديه. يضيء لنا حجو، من خلال هاتين الشخصيتين، بقعة مظلمة أوسع، يترجم من خلالهما تناقضات عمومية كالخير والشر، العدل والظلم، الفساد والقضاء. فيجعلنا ندخل في مقاربات واقعية تكشف شكل الحياة في لبنان، ولو بطريقةٍ شبه مُبطّنة. فعندما يحاول "غسان" إقناع زوجته بالعدول عن متابعة قضية التاجر "خليل"، في توقيت جاء مناسبًا بعد أن تعرّض "غسان" من قبل إلى حادثة اعتداء وضرب من قبل عصابة بسبب دفاعه عن فتاة قاصر تريد أمها وزوجها تزويجها. وهو تصرف قد يكون مستبعدًا من الناحية الدرامية، فشخصية غسان ماكرة ولعوبة واستغلالية، ولكن جاء هذا الموقف لصالحه، فاستثمره بشكل ذكي في حث الفتاة القاصر على الظهور أمام الكاميرا في برنامجه الخاص، ليظهر نفسه بموقف الإنسان الشهم والمناصر للنساء. هذه الحادثة استخدمها الكاتب في مشهد حوار "غسان" مع زوجته التي تعنتت عن رأي زوجها بالانسحاب من قضية "خليل"، لكن قوة الحوار دفعت بالقاضية إلى التفكير، خاصة أنها ترى زوجها قد تعرّض للضرب المبرح من مجموعة صغيرة، فكيف لو وصل الأمر إلى أناس ذوي علاقات كبيرة في الدولة؟ هذه الخلاصة التي وصلت إليها القاضية بعد محاورة "غسان" لها جاءت بالتزامن مع وفاة صديقتها النائبة "صفاء" (رانيا عيسى) في عملية تفجير، بعد أن كانت تحاول تهريب أموال عبر لبنان قادمة من سورية إلى تركيا. في نهاية الحوار، يشير "غسان" إلى أن "القتل سهل في بلادنا" كما لو أنه يلقي اللوم بسخرية لاذعة على الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية.
العمل يسير بخطى متفاوتة، وإيقاع متوسط، وأحداث أصبحت أكثر تعقيدًا مع بدء النصف الثاني من المسلسل، ورسائل فجة تكشفها شخصيات العمل. هل سيغلب الفساد القضاء أم سينتهي إلى نهايات مفتوحة لا مصير لها كما هي حال البلد؟
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات