مسلسلات النساء وأفلام الرجال

12 نوفمبر 2014
حكاية الأنوثة الطويلة (Getty)
+ الخط -

لا يوجد إحصاء حول عدد الرجال الذين يتابعون المسلسلات في العالم العربي، أو العالم، قياساً إلى عدد النساء. ولا يوجد، بالطبع، إحصاء حول عدد النساء اللواتي يشاهدن الأفلام السينمائية على قنوات الأفلام، مقارنة بأعداد الرجال. 

لكن من منّا لم يلاحظ أن النسبة الأكبر من متابعي المسلسلات في العالم العربي، إنْ الشامية أو المصرية أو التركية، أو المكسيكية سابقاً، هنّ من الإناث؟ ومن لا يلاحظ أن الذكور هم أكثر المدمنين على قنوات الأفلام السينمائية الكثيرة، وعلى القنوات الرياضية؟

وهذا ليس صدفة ولا هو عابر في يومياتنا العربية.

فالنساء هنّ غالباً من ربّات البيوت، أو العاملات في وظائف يعدن بعدها إلى المنزل طلباً للراحة والهدوء، لكن أيضاً بحثاً عن حكاية تربط أيّامهن يوماً بعد يوم.

في هذا المعنى يبدو المسلسل "عقدة" تربط المرأة نفسها بتوقيتها. حكاية تعرف أن هناك من سيرويها لها، كلّ يوم، في موعد محدّد، كما لو أنه "عهد" على الإخلاص لساعة يومية. هناك ترى المشاهِدَة نساءً في أدوار البطولة، التي ربما تعجز عن لعبها، أو تقارن بين نفسها وبين البطلة المُعذَّبة، أو الفقيرة، أو المهجورة، أو أيّا كان، لا تبحث عن نصر أو بطولة، بل عن حكاية.

أما الذكور، رجالا وشباباً ومراهقين، فتراهم يتنقّلون بين القنوات الرياضية، في الغالب، بحثاً عن انتصار للفريق الذي يشجّعونه، وهزيمة للفرق التي يشجّعها أصدقاؤهم وأقرباؤهم، وبين قنوات الأفلام التي تعرض فيلماً تلو آخر، عرضاً متواصلاً، ليلا ونهاراً، لكن لا تزيد مدّة الفيلم الواحد عن ساعتين.. بعدها يمكن للمشاهد أن يتحرّر من الحكاية ومن الوقت.

هي ساعة يومياً تطلبها المرأة إذاً، لكنه التزام يومي، ارتباط، إدمان ربّما، أو حتّى إخلاص و"ميثاق". في حين أن الرجل يمكن أن ينتظر ساعتين أو ساعتين ونصف الساعة، انتهاء "الفيلم" أو المباراة الرياضية. لكنها حكاية سريعة، غالباً ما تكون مكثّفة جدّا. تروي حكاية إنقاذ العالم، أو عمراً كاملاً، أو أعماراً كثيرة، في فترة زمنية محدّدة ومنظورة، حتّى تبدو أشبه بكثافة من لا يطيق صبراً على الانتقال إلى "حكاية" أخرى.

على عكس المسلسلات التي نادراً ما يعرف مشاهدها عدد حلقاتها، بل يكون غالباً أسير الحكاية واستطراداتها. أحياناً يزيد عدد الحلقات عن المئات، وتولد أجزاء ثانية وثالثة ورابعة للمسلسل. حتى إن مسلسلات كثيرة ترافق بعض المشاهدين ما قد يصل إلى 10 سنوات، كما هو الحال مع مسلسل "باب الحارة" مثلا.

من لم يسمع رجلا يقول لامرأة: "لا تعيدي على مسامعي المسلسل نفسه"؟ ومن لم يسمع امرأة تعيّر رجلا بأن "أفلامك محروقة"، و"لا تظنّ أن هذا الفيلم سيمر عليّ".

وتبكي المرأة حين يكون المشهد حزيناً أو رومانسياً، في المسلسلات التي غالباً ما تكون "عائلية"، بلا عنف أو جنس. يسخر بعض الرجال من الدموع المذروفة أمام الشاشات، في حين يفضّل الرجال مشاهد الجنس أو العنف في الأفلام.

بالطبع لا يوجد إحصاءات تؤكّد إدمان النساء على المسلسلات، وإدمان الرجال على الأفلام والمباريات، وبالتالي فإن السابق ذكره ليس مسنوداً على أرقام، بل على استنتاجات عامة ومشاهدات وانطباعات وتجارب شخصية. لأن القيّمين على البرمجة التلفزيونية العربية يعرفون أنهم يتوجّهون بالمسلسلات إلى الإناث أكثر من الذكور، وبالرياضة والأفلام إلى الذكور أكثر من الإناث.

هي أفكار مسنودة على غريزة الرجل، الصيّاد، المسافر من حكاية إلى أخرى، الباحث عن بطل أو بطولة. حكاية الأيام القصيرة التي تنتهي كلّ يوم، في مقابل حكاية الأنوثة الطويلة، قصص المرأة المستقرّة، منذ آلاف السنوات، التي تفتّش عن حكاية واحدة كي تعيشها أبداً.

هي أفكار عن المسلسلات والأفلام، عن الرجال والنساء، عن الحبّ ربّما، وعن أشياء أخرى.

المساهمون