انتشر في القرن العشرين مصطلح "المسرح الريفي"، مصاحباً لبعض التوجّهات الاشتراكية التي كانت تُعنى بقضايا الفلاحين وتوعيتهم. غير أن المسرح الريفي، باعتباره فناً فلكلورياً له تقاليده الفنية الخاصة، لم يتح للبيئة العربية أن تصنعه، وإن كان قُدّر له الظهور في بيئات أخرى، فلا توجد مراجع عربية أو حتى معلومات عن نصوص مكتوبة أو عروض فلكلورية يمكن أن نطلق عليها "مسرح الفلاحين".
أما في الهند؛ فالمسرح الريفي يُعدّ أحد أشكال الفن الشعبي المنتشرة، وهو من مشتقّات المسرح الهندي العريق، الذي تقدّم عروضه الفرق الجوّالة في الشوارع. كما أن له خصوصية كبيرة في مضمونه، وشكل المسرح، وطبيعة العروض، وطبيعة تأهيل الممثّلين. ويُقال إن سيطرة هذا المسرح أخّرت كثيراً تأثير السينما ووصولها إلى الريف الهندي.
تُقام العروض المكشوفة عادة في الأسواق العامة، فهي المكان الأنسب الذي تمثَّل فيه المسرحيات الريفية، مثلما هو منتشر في محافظتَي كيرالا وأسام. ويُبنى هيكلها المرتفع قليلاً من الخشب والبوص والخرق البالية، ولا يوجد للمسرح ستارة تفصل الممثلين عن الجمهور في الفواصل المتعددة. وكثيراً ما يتنافس الأثرياء على استضافة تلك العروض في شرفات دورهم الواسعة لاجتذاب الفلاحين وإرضائهم. وأحياناً تستأجر الفرق الجوالة المساحات المخصّصة لإقامة الأفراح.
العروض الريفية تمتاز بالبساطة والمرح والتنوّع بما يناسب ذائقة الريفي الهندي، وإذ تختلف موضوعاتها باختلاف المحافظات الهندية وتنوّع اهتماماتها؛ فإنها تتّفق في عنصرين مهمين هما التسلية ومعالجة موضوع يرتبط بمشكلات الفلاحين ارتباطاً مباشراً.
تتمثل أدوار البطولة بصفة عامة في ممثّلَين اثنين؛ هما: المهرّج والرّاوي، اللذان يقومان دائماً بإشاعة جو من المرح على العرض، وتفسير ما يقع من أحداث درامية والتعليق عليها. يغلب على مسرح الفلاحين في الشرق تحويل مدلولات الحكايات الفلكلورية الموروثة إلى معانٍ معاصرة تتصل بالواقع اليومي المباشر للفلاحين، وتهدف المعالجة الدرامية إلى الحفاظ على المثل والقيم التي تتحكّم في حياة المجتمع الزراعي.
يبدأ العرض دائماً بفقرة شعرية يقدّمها الممثّل، ثم تبدأ الموسيقى الافتتاحية مع رقصة شعبية تهيئ المشاهدين للعرض، وفي بعض الأحيان يشارك الجمهور في المسرحية عبر الغناء مع الممثلين، ومن التقاليد الثابتة أن المشاهد لا يترك مقعده أبداً طوال العرض، كأنه جالس في معبد.
ومن أهم معالم التمثيل في المسرح الهندي أنه لا يعتمد على الواقعية في الأداء، فهو يحمل جوّاً غير طبيعي في الملابس وطريقة الكلام والتعبير الجسدي؛ لأن الدراما في الذائقة الهندية لا تعني محاكاة الحياة بقدر ما تُعنى بالكشف الجمالي عن مكامن المتعة الخيالية الساحرة التي تعتمد على الإيحاء، فحركات اليدين وإشاراتهما وطريقة النطق وأسلوب الرقص جميعها عناصر تمثيلية غير طبيعية؛ ولذا فليس من اليسير خصوصاً في الريف أن يمتهن الناس التمثيل، فهي مهنة مقصورة على عائلات بعينها، تشرّبت خبرة التمثيل المسرحي من الآباء.
الناقد المسرحي نعمان عاشور، دعا الباحثين في الأقطار العربية إلى التفتيش عن تقاليدنا المسرحية العربية، اقتداءً بأولئك الهنود الذين فتشوا عن تقاليدهم وأرّخوا لها وحافظوا عليها، مؤكّداً أن لدينا من الكنوز العربية ما لا يزال مجهولاً وخافياً. وذلك في سياق حديثه عن كتاب "مسرح الفلاحين الهنود" للأديب الهندي ج. ماتور، الذي يعدّ مرجعاً في بابه.
اقرأ أيضاً: يناير: تجليّات شعرية قبل 2011 وبعدها