يقول أحد فناني عرائس الدمى، إيتاكو كاليتينو، إن الفنّ الأوَّل في كلّ أشكال الفنون، قد خرج من عقل طفل وبشكل عفوي وبريء. وبأنّه مهما كان نوع الفن، فإن صاحبه الأول هو طفل يقدم نفسه وخياله، ويترجم هذا الخيال لحركات وخطوط وكلمات.
ويعتبر كاليتينو أن فنون الحركات الجسدية، مثل الرقص والأداء والتعبير الجسدي، والتي تتطور في عصرنا الحديث إلى تمثيل ومسرح وأفلام عالمية، هي أوضح مثال على ذلك. لقد وجدت آثار تدل على أن الإنسان استعمل التعبير منذ حوالي 5 آلاف سنة قبل الميلاد معتمداً على الحركات الجسديّة.
وقد حاول منذ ذلك التاريخ أيضاً اختراع فكرة أخرى لتقديم ما يريد أن يقول، وقد كانت فكرة مشابهة تماماً لمسرح العرائس الذي نعرفه في أيامنا، ولكن العرائس كانت عبارة عن تماثيل صغيرة من الطين والعاج وتستخدم لرواية الحكاية.
أما التطور الحقيقي لمسرح العرائس، فقد تم في أوروبا في القرن التاسع عشر، وبدأ يأخذ بعداً تربوياً وكوميدياً، وأحياناً بُعداً مسرحياً سياسياً. وبدأت تتشكل فرق كاملة تجيد هذا النوع من الفن، وتجوب العواصم الأوربية، وتحظى بالكثير من المعجبين والمتابعين لها.
وصارت تقدم في المسارح الكبيرة وفي دور العرض ثم أصبحت تقدم في الهواء الطلق. وبالرغم من تطور فن الرسوم المتحركة بشكل كبير جداً، وطغيان حضور التلفاز العصري الذي يقدم للأطفال أفلاماً من الرسوم المتحركة طيلة اليوم، وبالرغم من وجود عدد هائل من مقاطع الفيديو الخاصة بالأطفال، والتي يستطيع الطفل الآن تنزيلها من الإنترنت ومشاهدتها في أي وقت حسب رغبته، بالرغم من كل هذا، بقي لمسرح العرائس، هذا الفن الذي يعتبر بدائياً نوعاً ما إذا ما قورن بالأعمال الحديثة، سحره وخصوصيته، وبقي يتمتع بجاذبية حية يفسرها التواصل الحي بين من يقدم العرض، والطفل المتلقي.
هذا التواصل السمعي والبصري الحي، يمتلك تأثيراً أقوى بكثير من التواصل الجاف الذي يحصل مع التلفزيون. وهذا ما جعل الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة تعود إلى الاهتمام بهذا الفن، وتقيم له الكثير من المهرجانات الخاصة، وذلك لإعادة توجيه الأطفال، وإعادة زرع قيم الحب والتعاون والجمال في نفوسهم، من خلال اختراع شخصيات جذابة لمسرح العرائس هذا.
وكي تستطيع منافسة التلفزيون والسينما، طورت هذه الجهات أدواتها في مسرح العرائس، وحاولت تقديم شخصيات جديدة يحبها الطفل وتستهويه، وعملت على التلاعب بحركة هذه الدمى، من دون أن تظهر خيوطها كما كان في السابق.
هنا في مدريد مثلاً، وفي ساحة سول أو ساحة بوابة الشمس، تقدم الآن عروض لمسرح العرائس للأطفال في عطلة نهاية الأسبوع في الهواء الطلق، وتحاول هذه الفرقة الاستفادة من آخر أيام الصيف لتقدم مسرحياتها الصغيرة هذه التي تلاقي دائماً حبّاً شديداً من قبل الأطفال الذين يجلسون ويشاهدون المسرحيات بكل شغف ويتفاعلون معها بحب.