منذ ظهوره في القرن السادس عشر، شكّل مسرح خيال الظل أحد أهمّ فضاءات التسلية في السلطنة العثمانية سواء للطبقة الحاكمة أو في تنقّله بين المدن والقرى، واستفاد المشتغلون فيه من التنوع الثقافي واللغوي للدولة عبر محاكاة شخصيات من أقاليمها الممتّدة في ثلاث قارات.
مع تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، لم يغب هذا الفن الذي تم توظيفه لأهداف تربوية وتعليمية، وكذلك من أجل الدعاية الرسمية في فترة وقعت فيها العديد من التغيرات على مستوى اللغة والهوية، قبل أن يتراجع حضوره بشكل كبير مع التطوّر التكنولوجي وظهور وسائل ترفيه حديثة وأكثر إمتاعاً.
"عيناي السوداوان، كلتا عيني" عنوان المعرض الذي انطلق مساء الثلاثاء الماضي في "متحف يابي كريدي" بإسطنبول، ويتواصل حتى الحادي والعشرين من شباط/ فبراير المقبل. يضمّ المعرض حوالي ثلاثمئة وخمسين عملاً، منها 187 نفّذها خلال ثلاثينيات القرن الماضي الفنان رجب توكتكين (1891-1982)، أحد أبرز فناني مسرح الظل في تركيا.
استعار المنظمون عنوان التظاهرة من العبارة التي كانت الشخصيتان كاراكوز وعيواظ تفتتحان بها مسرح الدمى الذي كان يقدّم قديماً من باب التودّد للجمهور، حيث يشارك عشرون فناناً أيضاً بأعمال "تتناول انعكاسات الشخصيات السريالية والأساطير الشعبية على صورة الشخصيتين الشهيرتين في التاريخ التركي"، بحسب البيان الصحافي.
تلفت بعض الأعمال المشاركة إلى التناقض بين كاراكوز وعيواظ في المخيال الشعبي، إلا أنهما جزء لا يتجزأ من جسد واحد على نحو يشابه دون كيشوت وسانشو، حيث يبدو الأول ساخراً يعبّر عن آرائه مباشرة وبعفوية، بينما يظهر الثاني حكيماً مهذباً ليكمل كلّ منهما الآخر.
يرافق المعرض توزيع كتاب يحمل العنوان نفسه، من إصدارات المتحف عام 2018، للكاتب نورسل أردوغان الذي يناقش فيه تقاليد الترفيه القديمة بأسلوب سردي يحاكي حوارات عروض خيال الظل، والتي تحمل أفكاراً موّجهة للأطفال والكبار اليوم.
استخدم توكتكين أصباغاً وأدوات عديدة لصنع الدمى، وكذلك جلد الإبل الخام كقماش لرسم الأشكال عليه، ولتجسيد الشخصيات والكائنات الخرافية التي كانت أبطال الروايات التي يتمّ سردها في مسرح خيال الظل مثل السحرة، والجن، والشياطين، والشخصيات الملعونة وحوريات البحر، والتنانين ذات الرؤوس السبعة، والأشجار الغريبة، وغيرها.