كادت مواقف الروائي البوليسي وكاتب أدب الأطفال والمؤلف المسرحي السويدي، هنينغ مانكل (1948)، أن تودي بحياته، إذ كان الناشط في حقوق الإنسان أحد جرحى "أسطول الحرية"، الذي اتجه إلى غزّة عام 2010 وانتهى أمره بمقتل 19 مدنياً وجرح 30 على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
على أن القضيّة الإنسانية التي شغلته منذ وقت طويل كانت ما تعانيه شعوب قارة أفريقيا من سطو المنظمات الدولية، ونظرة البيض الفوقيّة نحوهم، الأمر الذي دفعه لتناول هذه القضايا في عدة أعمال له، من بينها مسرحية "الظّباء" التي كتبها عام 1989، وصدرت أخيراً بترجمة المغربي، سعيد بوكرامي، ضمن سلسلة "المسرح العالمي" في الكويت.
تدور أحداث المسرحية المكونة من فصلين في اليوم الأخير لأحد مبعوثي البنك الدولي إلى موزمبيق، حيث يكشف مانكل، من خلال الحوار بين المبعوث وزوجته، عن تفاصيل هذا الدور وخفاياه.
يفصح المبعوث صراحة في بداية المسرحية عن نواياه، بعد أن تسأله زوجته: "هل ساعدتهم ليحيوا أم ساعدتهم ليموتوا؟" فيجيب: "أجبت سلفاً في تقاريري السخيفة، يجب أن نختار إذا كنّا نريد مساعدتهم على الحياة أم الموت، لا يمكننا القيام بالأمرين". ويكمل: "إنهم نجّارون مساكين يدقّون المسامير في النعوش، لأنّ أبناءهم توفّوا بسبب سوء التغذية".
حتى نهاية العمل لا تظهر أية مداخلات في الحوارات من قبل الشخصيات السوداء، غير ما يخبرنا به مبتعث البنك الدولي وزوجته في تلميح صريح عن تغييب البيض والمؤسسة الأوروبية للأفريقي فرداً وشعباً: "إنهم يكرهوننا" تظلّ هذه الجملة تتكرّر طوال العمل.
يذهب مانكل إلى أبعد من ذلك، إلى فكرة سطوة الفكر الكولونيالي على "الغير"، إضافة إلى اعتقاد الأبيض بسموّ تفكيره على تفكير الأسود، حين يسأل المبتعث زوجته عن خادمتهم الأفريقية: "لماذا لم تسأليها بم تفكّر؟ لتجيب الزوجة: "هي لا تفكّر، ليس مثلنا على الأقل".
يسلّط مانكل الضوء على طبيعة علاقة المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، التي يحركها البيض بتلك "الكراهية"، وكيف تدّعي المساعدة من خلال سياسة القروض والمنح هذه، مُلخصاً ذلك بمقولة الزوجة: "كيف بمقدورك مساعدة شخص تخافه؟".
مانكل، الذي تنقل في الإقامة بين السويد وموزمبيق منذ الصغر، استطاع معاينة مشاكل شعوب القارة السوداء ونظرة البيض لهم. عن إقامته في أفريقيا يقول في إحدى المقابلات: "لقد مكنتني من رؤية العالم بشكل أفضل".
تنتهي مسرحية صاحب "الظلمات" و"قاتل بلا ضمير" بانقضاء اليوم الأخير لمهمة مبعوث البنك الدولي لموزمبيق، التي امتدت 14 عاماً لم ينجز خلالها شيئاً من المشاريع "التنموية"، إلّا أن المبعوث الجديد، لوندين، يحل محله في إشارةٍ إلى استمرار تناوب حملات سطو البيض ومؤسساتهم على مقدّرات هذه البلدان.