مسجد السلطان حسن: التحفة اليتيمة

28 يوليو 2015
مات السلطان قبل اكتمال مسجده (Getty)
+ الخط -

يجمع الأثريون والمؤرّخون والرحّالة على أنه لا يوجد في العمارة الإسلامية ما يضاهي "جامع السلطان حسن" في تصميمه وبهائه. فقد كان تشييد جامع السلطان حسن مكلفاً جداً ومرهقاً لميزانية الدولة آنذاك، حتى إن السلطان نفسه قال: "لولا أن يقال إنّ ملك مصر عجز عن إتمام بناءٍ بناه، لتركت بناء هذا الجامع". وقد انعكست تلك النفقات على حالة الفخامة والبهاء والتفاصيل المعمارية والفنية الدقيقة في جنبات الجامع.

يقول المقريزي عن جامع السلطان حسن في تاريخه: "لا يُعرف في بلاد الإسلام مصلى للمسلمين يحاكي هذا الجامع". ويصفه الرحالة العياشي سنة 757هـ (1356 ميلادية) بأنه مسجد لا ثاني له في مصر ولا في غيرها من البلاد، في فخامة البناء وارتفاعه وإحكامه واتساع حناياه، وطول أعمدته الرخامية وسعة أبوابه، كأنه جبال منحوتة تصفر فيها الرياح". فيما يصفه عالم الآثار البريطاني، "جاستون فييت"، قائلاً: "هو أبدع آثار القاهرة، وأكثرها تجانساً وتماسكاً، وكمالَ وحداتٍ، وأجدر بأن يقوم بجانب تلك الآثار المدهشة التي خلفتها مدنيّة الفراعنة".

يقع هذا الصرح الشاهق في ميدان صلاح الدين، أمام القلعة، في الجهة البحرية منها. وقد بدأ العمل في تشييده سنة (757هجرية (1356 ميلادية)، وكان موضعه يسمّى قديماً "سوق الخيل". وكان يقع إلى جواره قصرٌ للأمير "يلبغا اليحياوى"، أحد ولاة دمشق، وقد أمر السلطان "حسن" بهدمه لتوفير المساحة الكافية للجامع ومدارسه.

اقرأ أيضاً: إقفال مجسّم لمسجد بني داخل كنيسة في إيطاليا

استمر العمل فيه حتى وفاة السلطان سنة (762هجرية (1361 ميلادية). وقام بتصميمه مهندس من "أولاد الناس" اسمه محمد بن بيليك. و"أولاد الناس" مصطلح مملوكي يعني أولاد الأمراء، الذين قربهم السلطان حسن وأحسن رعايتهم!

من هو "حسن"؟
هو ابن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، أسماه والده "قماري" حين أنجبه سنة 735هجرية (1334م)، ولما تولى السلطنة في 14 رمضان سنة 748 هجرية (1347م) بعد أخيه المظفر حاجي، اختار لنفسه اسم "حسـن". وكان عمره وقتئذٍ ثلاث عشرة سنة. فقام بالوصاية عليه الأمير شيخون العمري، ولم تمنعه الوصاية من أن يكون حاكماً مستبداً، فاستولى مبكراً على أملاك بيت المال، واعتقل سنة 752 هجرية (1351م)، فخلفه أخوه الصالح صلاح الدين صالح، لكن السلطان حسن أُعيد مرة ثانية إلى الملك سنة 755 هجرية (1354م).

ضريح السلطان الذي لم يرَ مسجده (العربي الجديد) 


ذات يوم، خرج السلطان في رحلة صيد، ولم يرجع. فظهرت تأويلات منها أن خصومه غدروا به وقتلوه وألقوا بجثته في النيل. كان العمل في المسجد قد شارف على الانتهاء، باستثناء بعض أعمال الزخرفة التي لم تكتمل. وبعض الإنشاءات القليلة أتمّها "الطواشي بشير الجمدار".

اقرأ أيضاً: مسجد ابن عربي: هنا يرقد شيخ المتصوّفة

الحدود والأبعاد
يتكوّن المبنى من مسجد وأربع مدارس، خصّصت لتدريس مذاهب الفقه الأربعة، وتضمُّ كلّ مدرسة مجموعة كبيرة من الحجرات أعدّت لسكن الطلاب والمدرّسين المغتربين. وتبلغ مساحته الإجمالية 7906 أمتار مربعة، وطوله 150 متراً، وعرضه 68 متراً، وارتفاعه عند بابه حوالي 38 متراً. واجهته الأصلية تشرف على شارع القلعة، وواجهتاه الجنوبية والشرقية تشرفان على ميدان صلاح الدين. وهو كثير الأضلاع ويمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.

يتوّج جدران المسجد أفريزٌ مميز، والأفريز شريط بارز عن الجدران عليه أشكال هندسية وزخارف وكتابات. وعلى ضخامتها الفعلية وارتفاعها الحقيقي، تبدو الجدران خارجياً أعلى مما هي عليه حقيقةً، بسبب الزخارف التي تشبه خلايا النحل، ويُرى في واجهات الجامع تجاويف في الجدران عمودية طويلة ضيقة، هيئت فيها النوافذ على ثماني طبقات، وذلك باستثناء الواجهة المشرفة على القلعة.

طراز مملوكي
تنتمي عمارة الجامع للطراز المملوكي، فهو يتكوّن من أربعة إيوانات متقابلة، يتوسّطها صحن مكشوف مساحته 32× 24.6 متراً مربعاً، وفي وسطه ميضأة (فسقية) تعلوها قبة محمولة على ثمانية أعمدة رخامية. يقطع الصحنَ محوران متعامدان، في نهاية كل منهما إيوان، وفي كل زاوية من زوايا المسجد باب يوصل لإحدى المدارس الملحقة، وأكبرها مدرسة الحنفية وتبلغ مساحتها 898 متراً مربعاً.

اقرأ أيضاً: مسجد لندن المركزي.. وراء إنشائه لوردات ومصممه "سير" إنجليزي

الإيوان الشرقي هو أكبر الإيوانات الأربعة، يكسو جدرانه الرخام والأحجار الفاخرة الملونة، يحيط به إطار جصّي، مكتوب به آيات قرآنية بالخطّ الكوفي، وسقفه مبني بالآجر، ما عدا بدايته من جهة الصحن فإنها من الحجر. يوجد بهذا الإيوان دكّة من الرخام، وفي وسط واجهته الشرقية المحراب المجوّف، تزيّنه قطع من النقوش الذهبية والرخام المطعّم، وعلى يمينه محراب من الرخام الأبيض، وبابه من الخشب المصفح بالنحاس في زخارف من أشكال متعددة الأضلاع، مرتبة في أوضاع نجمية.

كانت تتدلى من أسقف إيوانات هذا المسجد مصابيح زجاجية "مشكاوات" مذهّبة، وتنانير مصنوعة من النحاس المفرغ والفضة، وقد استنقذت العديد من تلك النفائس، وحفظت بالمتحف الإسلامي بالقاهرة.

كان مقرراً أن تكون للجامع أربع مآذن، بنيت منها اثنتان، واحدة قبلية وارتفاعها 81.6 متراً، والثانية بحرية، لكن المئذنة الثالثة سقطت سنة 1261 م أثناء الإنشاءات، ومات تحتها حوالي 300 طفل، في كارثة تاريخية مشهورة، فأمر السلطان بعدم بناء المئذنة الرابعة.
ملحق بالجامع تربة (ضريح) السلطان حسن، تعلوها قبةٌ، وجدرانها مكسوة بالرخام الفاخر الملون، وارتفاعها 8 أمتار. ولكن السلطان حسن لم يدفن فيها إذ لم يعثر له على جثّة، بينما دُفن فيها ابناه.

اقرأ أيضاً:  (فيديو) حاول إزعاج والده في صلاته فماذا كانت النتيجة؟
المساهمون