في انتفاضتهم، حرص القائمون على التحرّكات الاحتجاجيّة في عاصمة لبنان الشمالي، طرابلس، على الشقّ الصحي، فكان مستشفى ميداني خاص لأبناء المدينة والجوار الذين يحتاجون إلى خدمة طبية أو أخرى
في ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس، شمالي لبنان، لم تعد الأمور على حالها منذ ليل السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فالساحة التي تُعرَف بـ"ساحة النور" صارت ملتقىً يومياً للمنتفضين من أبناء المدينة والمناطق المجاورة، وأُقفلت أمام حركة السيارات، فيما اتّخذ الباعة المتجوّلون مواقع ثابتة لعرباتهم فيها. أمّا محطة حافلات "كونيكشن" المعروفة بـ"كونكس" التي تنقل الركاب فيما بين طرابلس وبيروت، فقد تحوّلت إلى مستشفى ميداني يواكب الثورة منذ أيّامها الأولى.
ليس مستغرباً في مدينة تعاني الفقر إلى جانب عدم استفادة أهلها بمعظمهم من خدمات الضمان الصحي، أن يكون المستشفى الميداني المجاني في ساحة النور عنصراً من عناصر مشهد الثورة، شأنه شأن الأعلام المرفوعة والهتافات التي تعلو هناك. ومنذ الأيام الأولى من الانتفاضة الشعبية، استحدث جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية مستشفىً ميدانياً في قلب ساحة النور، ليتبيّن لاحقاً أنّ الحاجة إليه كانت فعلاً ملحّة. فهو يستقبل في اليوم الواحد نحو سبعين حالة تتلقّى بمعظمها العلاج الكامل من دون حاجة إلى نقلها بعد ذلك إلى أحد مستشفيات المدينة. ويعتمد المستشفى الميداني حصرياً على المتطوّعين، من أطباء وممرّضين ومسعفين، إلى جانب عدد من الإداريين الذين يهتمّون بالأمور اللوجستية.
اقــرأ أيضاً
سميّة حرّوق، أصغر طبيبة متطوّعة في المستشفى الميداني، تخبر "العربي الجديد"، فتقول: "انتبهت للمستشفى في أثناء مشاركتي في التحركات الاحتجاجية في ساحة النور، فسألتُ عمّا إذا كانت ثمّة حاجة إلى متطوّع إضافي. أتى الجواب إيجابياً، ولا سيّما أنّ عدد الأطباء المتطوّعين الدائمين ثلاثة أو أربعة يتناوبون على العمل". وتشير إلى أنّ "الحالات التي يستقبلها المستشفى الميداني تراوح ما بين حروق طفيفة من جرّاء المفرقعات النارية ورضوض وكسور في العظام من جرّاء التدافع والسقوط أرضاً، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم وحالات إغماء وجلطات. أمّا الإصابات من جرّاء الطعن بالسكاكين، فهي لم تحصل إلا في مرّتين فقط، على خلفية إشكالَين فرديَّين".
وتؤكّد حرّوق أنّ "المستشفى الميداني لا يقلّ شأناً عن أيّ قسم طوارئ في أيّ مستشفى عاديّ، ولا يمكن اعتباره مجرّد جهاز إسعاف"، شارحة أنّ "الحركة في داخل سيارات الإسعاف محدودة جداً، والمعدّات التي تحويها غير كافية، إن لجهة النوعية، وإن لجهة الكمية. كذلك، تستطيع سيارة إسعاف واحدة استقبال مريض واحد، في حين أنّ المستشفى الميداني قادر على استقبال ثمانية أشخاص ومعالجتهم في الوقت نفسه، يهتم بهم المسعفون والطبيب تباعاً بحسب الحالة". تضيف حرّوق أنّه "إذا كانت هذه الإصابات مرتبطة بالتحرّكات وبالتعب الذي يرافق الهتاف المتواصل وبالتدافع وبضيق التنفس لدى البعض نتيجة الحشود في الساحة، إلا أنّ ثمّة حالات كثيرة تُعالَج في المستشفى الميداني لا علاقة لها بما يحدث في ساحة الثورة".
اقــرأ أيضاً
وتقول حرّوق إنّ "عدداً كبيراً من المرضى الذين يتردّدون على المستشفى الميداني ليسوا بالضرورة من المنتفضين، لكنّهم حتماً من الفقراء الذين تبادر إلى مسامعهم أنّ ثمة مستشفىً ميدانياً في ساحة النور يطبّب الناس مجّاناً، مشيرة إلى أنّ "الطاقم الطبي حفظ وجوه هؤلاء المرضى وبات يُعدّ لهم العلاجات التي يحتاجونها فور وصولهم". وتتحدّث عن "مريض وصل إلى المستشفى الميداني وهو يتعرّض لسكتة قلبية، فجرت معالجته للإبقاء على وظائف جسده الأساسية مستقرة، لكنّه كان في حاجة إلى الاستشفاء. أخبرناه بصريح العبارة أنّ عودته إلى بيته بدلاً من نقله إلى مستشفى عادي، أمر قد يودي بحياته. لكنّه أصرّ على العودة إلى البيت، لافتاً إلى أنّ الموت أقلّ كلفة من العلاج". وتكمل قائلةً إنّ "ثمّة أشخاصاً يقصدوننا يعانون أمراضاً مزمنة من قبيل ارتفاع ضغط الدم، وهؤلاء إمّا يمتنعون عن تناول الدواء لأنّهم لا يستطيعون شراءه، وإمّا لا يتناولونه بانتظام (كلّ يومَين بدلاً من يومياً على سبيل المثال) بهدف التوفير". وتنقل حروق عن إحدى النساء "اعترافها بأنّها قصدت المستشفى لتحصل على الدواء، في حين أنّها ما زالت تملك بعضاً منه في البيت. هي أقرّت بأنّها تستفيد حالياً من وجود المستشفى الميداني، فالفقراء يدّخرون أدويتهم". بالنسبة إلى حرّوق، إنّ "تطوّعي في المستشفى الميداني هو طريقتي في المشاركة بالثورة، فأنا أقدّم المهارات التي أمتلك. وعلى الرغم من العمل المتعب في خلال النهار، فإنّني أخرج من المستشفى الميداني عند منتصف الليل سعيدة". وتشدّد على أنّ "الثورة هي ثورة الأطباء الذين يعانون كذلك من الفساد في مجالهم".
ليس مستغرباً في مدينة تعاني الفقر إلى جانب عدم استفادة أهلها بمعظمهم من خدمات الضمان الصحي، أن يكون المستشفى الميداني المجاني في ساحة النور عنصراً من عناصر مشهد الثورة، شأنه شأن الأعلام المرفوعة والهتافات التي تعلو هناك. ومنذ الأيام الأولى من الانتفاضة الشعبية، استحدث جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية مستشفىً ميدانياً في قلب ساحة النور، ليتبيّن لاحقاً أنّ الحاجة إليه كانت فعلاً ملحّة. فهو يستقبل في اليوم الواحد نحو سبعين حالة تتلقّى بمعظمها العلاج الكامل من دون حاجة إلى نقلها بعد ذلك إلى أحد مستشفيات المدينة. ويعتمد المستشفى الميداني حصرياً على المتطوّعين، من أطباء وممرّضين ومسعفين، إلى جانب عدد من الإداريين الذين يهتمّون بالأمور اللوجستية.
سميّة حرّوق، أصغر طبيبة متطوّعة في المستشفى الميداني، تخبر "العربي الجديد"، فتقول: "انتبهت للمستشفى في أثناء مشاركتي في التحركات الاحتجاجية في ساحة النور، فسألتُ عمّا إذا كانت ثمّة حاجة إلى متطوّع إضافي. أتى الجواب إيجابياً، ولا سيّما أنّ عدد الأطباء المتطوّعين الدائمين ثلاثة أو أربعة يتناوبون على العمل". وتشير إلى أنّ "الحالات التي يستقبلها المستشفى الميداني تراوح ما بين حروق طفيفة من جرّاء المفرقعات النارية ورضوض وكسور في العظام من جرّاء التدافع والسقوط أرضاً، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم وحالات إغماء وجلطات. أمّا الإصابات من جرّاء الطعن بالسكاكين، فهي لم تحصل إلا في مرّتين فقط، على خلفية إشكالَين فرديَّين".
وتؤكّد حرّوق أنّ "المستشفى الميداني لا يقلّ شأناً عن أيّ قسم طوارئ في أيّ مستشفى عاديّ، ولا يمكن اعتباره مجرّد جهاز إسعاف"، شارحة أنّ "الحركة في داخل سيارات الإسعاف محدودة جداً، والمعدّات التي تحويها غير كافية، إن لجهة النوعية، وإن لجهة الكمية. كذلك، تستطيع سيارة إسعاف واحدة استقبال مريض واحد، في حين أنّ المستشفى الميداني قادر على استقبال ثمانية أشخاص ومعالجتهم في الوقت نفسه، يهتم بهم المسعفون والطبيب تباعاً بحسب الحالة". تضيف حرّوق أنّه "إذا كانت هذه الإصابات مرتبطة بالتحرّكات وبالتعب الذي يرافق الهتاف المتواصل وبالتدافع وبضيق التنفس لدى البعض نتيجة الحشود في الساحة، إلا أنّ ثمّة حالات كثيرة تُعالَج في المستشفى الميداني لا علاقة لها بما يحدث في ساحة الثورة".
وتقول حرّوق إنّ "عدداً كبيراً من المرضى الذين يتردّدون على المستشفى الميداني ليسوا بالضرورة من المنتفضين، لكنّهم حتماً من الفقراء الذين تبادر إلى مسامعهم أنّ ثمة مستشفىً ميدانياً في ساحة النور يطبّب الناس مجّاناً، مشيرة إلى أنّ "الطاقم الطبي حفظ وجوه هؤلاء المرضى وبات يُعدّ لهم العلاجات التي يحتاجونها فور وصولهم". وتتحدّث عن "مريض وصل إلى المستشفى الميداني وهو يتعرّض لسكتة قلبية، فجرت معالجته للإبقاء على وظائف جسده الأساسية مستقرة، لكنّه كان في حاجة إلى الاستشفاء. أخبرناه بصريح العبارة أنّ عودته إلى بيته بدلاً من نقله إلى مستشفى عادي، أمر قد يودي بحياته. لكنّه أصرّ على العودة إلى البيت، لافتاً إلى أنّ الموت أقلّ كلفة من العلاج". وتكمل قائلةً إنّ "ثمّة أشخاصاً يقصدوننا يعانون أمراضاً مزمنة من قبيل ارتفاع ضغط الدم، وهؤلاء إمّا يمتنعون عن تناول الدواء لأنّهم لا يستطيعون شراءه، وإمّا لا يتناولونه بانتظام (كلّ يومَين بدلاً من يومياً على سبيل المثال) بهدف التوفير". وتنقل حروق عن إحدى النساء "اعترافها بأنّها قصدت المستشفى لتحصل على الدواء، في حين أنّها ما زالت تملك بعضاً منه في البيت. هي أقرّت بأنّها تستفيد حالياً من وجود المستشفى الميداني، فالفقراء يدّخرون أدويتهم". بالنسبة إلى حرّوق، إنّ "تطوّعي في المستشفى الميداني هو طريقتي في المشاركة بالثورة، فأنا أقدّم المهارات التي أمتلك. وعلى الرغم من العمل المتعب في خلال النهار، فإنّني أخرج من المستشفى الميداني عند منتصف الليل سعيدة". وتشدّد على أنّ "الثورة هي ثورة الأطباء الذين يعانون كذلك من الفساد في مجالهم".