تضافرت ظروف مختلفة منها حاجة السكان إلى متنفس لأطفالهم، ومنها بطالة شاب لم يتمكن من العمل في اختصاصه، لافتتاح مسبح داخل مخيم عين الحلوة بات يشهد إقبالاً يومياً كبيراً
في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوبي لبنان، يكتظ السكان ويتعايشون مع واقع قاس تفرضه عليهم ظروف اللجوء منذ عقود، لكنّهم مع ذلك، يستمرون في البحث عن فرصة حياة، وفرح، وعمل، وعلم وإن كانوا بعيدين عن أرضهم، وبيوتهم، وينتظرون تطبيق حق العودة الذي تتوارثه الأجيال منذ عام 1948. الأطفال في مخيم عين الحلوة خصوصاً يحتاجون أكثر من غيرهم إلى فسحات الأمل تلك. طفولتهم تحدّها الحواجز والإمكانات الضئيلة لأهلهم وتحرمهم من الوصول إلى الملاعب والملاهي والحدائق خارج المخيم. هكذا نشأ متنزه لخدمتهم داخل المخيم بالذات. هو متنزه صغير، تحدّه مبانٍ وأسلاك وجدران، لكنّ أحمد أراده أن يكون مصدر بهجة للأطفال ورزق له يعين به أهله. هو يعتبر أنّ أهالي المخيم في حاجة للفرح شأنهم شأن كلّ الناس إلى فسحات فرح، لكن الأحوال المعيشية المتعثرة تمنعهم من ذلك، فأيّ نزهة خارج المخيم ستكلفهم مبالغ إن ملكوها فهم غير قادرين على الاستغناء عنها.
يقول أحمد رائف شبايطة، صاحب فكرة المتنزه الذي يضم مسبحاً، وهو من مواليد العام 1986، وخريج جامعي، في اختصاص إدارة الأعمال من "جامعة بيروت العربية" ولم يتمكن من العثور على فرصة عمل له سابقاً: "اسم المتنزه هنا، استراحة ومسبح حطين، ولم تأتِ الفكرة من فراغ، بل أتت بعد المعارك التي وقعت في المخيم قبل فترة، إذ إنّ هذه البقعة من الأرض التي أقمت عليها المسبح والاستراحة جرى قصفها بشكل مباشر، فتضررت أجزاء كبيرة منها، وبعد توقف إطلاق النار، وإعلان الهدوء التام في المخيم، وبسبب ضيق ذات اليد، فكرت في افتتاح مسبح ومطعم في هذا المكان، كما أنّني من خلال هذا المتنزه أستطيع أن أساعد عائلتي مادياً".
أما عن أسعار الدخول وكلفة الطعام والشراب في المتنزه، فيقول شبايطة: "الأسعار هنا زهيدة جداً، فبالنسبة للدخول لا نأخذ ثمناً، لكنّ ما نأخذه هو ثمن ما يطلبه الحاضرون، وبأسعار رمزية، وهي غير مربحة بشكل كبير، لكنّ المشروع يساعدنا - نحن العاملين في المتنزه - كما يخدم الأشخاص الذين لا يستطيعون الذهاب إلى مكان آخر، خارج المخيم، إذ إنّ تكاليف المتنزهات مرتفعة جداً، وإن أرادت عائلة الذهاب إليها، فسيكلفها الأمر تقريباً أكثر من نصف راتب ربّ العائلة، إذا ما افترضنا أنّه يعمل ويتقاضى راتباً. في متنزهنا ذي الكلفة المتدنية مسبح، وأراجيح، وألعاب مختلفة للأطفال، يستفيدون منها بسعر شبه مجاني". يتابع شبايطة: "أما بالنسبة للمسبح، فنتقاضى على الشخص الواحد كبيراً كان أم صغيراً ألفي ليرة لبنانية (1.34 دولار أميركي) فقط لا غير. وقد فتح المسبح أبوابه في أول أيام عيد الفطر السعيد، ولاقى إقبالاً كبيراً، إذ أرسل الأهل أطفالهم بسبب وجود المتنزه داخل المخيم بالقرب من منازلهم، وبسبب شروط الأمن، والسلامة العامة فيه".
ويوضح شبايطة في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "في البداية، لم يكن الناس يأمنون المجيء إلى هذه المنطقة، بسبب الأحداث التي كانت تحصل فيها، لكنّهم شيئاً فشيئاً استطاعوا أن يشعروا بالأمان، وازداد عدد الوافدين إلى المتنزه". نحو 200 شخص يزورون المتنزه يومياً، غالبيتهم من الأطفال الذين وجدوا لأنفسهم مكاناً للعب داخل المخيم، بعيداً عن الشارع الذي كان يحدّ من مجال لعبهم، والذي يعرضهم للخطر في حال حصل أيّ حادث أمني، أو وقع اصطدام سيارة، أو إشكال فردي. يضيف شبايطة: "هو مكان للفرح الذي يبحث عنه الناس، وبالفعل استطاع هؤلاء أن يجدوا في هذه المساحة فرحهم، والدليل على ذلك إقبالهم اليومي المستمر على المتنزه".
استفاد أحمد لا شكّ من اختصاصه في إدارة الأعمال، في إدارة هذا المشروع بالرغم من صغره ومردوده المالي الضئيل. والمتنزه الذي أسسه، بالإضافة إلى أنّه مكان للفرح، والتسلية، بوفّر أيضاً فرص عمل للعديد من الفتية الذين يجدون رزقهم فيه، ليعيلوا أهلهم، ويؤمنوا مصروفهم اليومي. أولئك الفتية منهم من يعمل في أثناء إجازته المدرسية الصيفية، ومنهم من يعمل بعدما تسرب من المدرسة وضاقت به الدنيا، من أجل تأمين مدخول يساعد به أهله.